الرئيسة \  تقارير  \  تصريحات كيسنجر وبداية مرحلة جديدة في تاريخ العالم!!

تصريحات كيسنجر وبداية مرحلة جديدة في تاريخ العالم!!

27.06.2022
د. سليمان صالح


د. سليمان صالح
الجزيرة مباشر
الاحد 26-6-2022
توقعات كيسنجر يجب تحليلها بما يتناسب مع الأهمية السياسية لصانع السياسة الخارجية الأمريكية لفترة طويلة. فلقد تميز كيسنجر بقدرته على صياغة سياسة أمريكية واقعية براغماتية ساهمت في تحقيق الوفاق بين أمريكا والاتحاد السوفيتي خلال السبعينيات، وعمل على تقليل التوتر في الحرب الباردة، وبناء العلاقات الأمريكية الصينية.
ولقد حاولت خلال الأسبوع الماضي أن أبحث عن تصريحاته في المصادر الرئيسية التي نشرتها، واستخدام مقاربة تحليل الخطاب النقدي في قراءة هذه التصريحات، مع الالتزام بالموضوعية وتحييد مشاعري الشخصية.
فبالرغم من أنني أحتفظ برؤية نقدية كونتها لدور الرجل منذ فترة طويلة خاصة في التعامل مع الرئيس السادات، وهي بالتأكيد ليست في صالحه، فإنني أعتقد أن شخصيته وآراءه يمكن أن تكون مجالا لدراسة تكشف الكثير من الحقائق عن السياسة الخارجية لأمريكا وعلاقاتها الدولية.
هناك أيضا أسئلة مهمة يمكن طرحها في هذه الفترة من أهمها: لماذا تم استدعاء هذا الرجل وعمره يوشك أن يكمل قرنًا، ولماذا تهتم الآن وسائل الإعلام الغربية بآرائه؟! وهل يحتاج العالم إلى رؤيته التي يمكن أن تساهم في البحث عن حلول وسط.
حرب باردة أم ساخنة
لاحظت في الحوار الذي أجراه معه كلاوس شواب في منتدى دافوس أن كيسنجر كان يشعر بالامتنان الشديد لإجراء الحوار معه، حيث تذكره المنتدى بعد فترة طويلة، لكنه أيضا كان يتحدث بحذر شديد، فلم يوضح الكثير من الآراء التي عبر عنها، وربما يكون ذلك مقصودا بهدف إثارة الجدل، وهو أسلوب يليق بخبرته السياسية الطويلة، وبقدرته على تقديم أفكار مفاجئة تشكل حلولا لقضايا معقدة يمكن أن تؤثر في مستقبل العالم.
في منتدى دافوس حذر كيسنجر من المخاطر التي تواجه العالم وقال “إن الحرب الروسية الأوكرانية سوف تعيد تشكيل العالم، فروسيا تعزل نفسها عن أوربا، وهذا سيدفعها للبحث عن تحالفات تؤدي إلى حرب باردة جديدة”.
إعادة بناء النظام العالمي
وأضاف كيسنجر أن “أوكرانيا كان يمكن أن تكون الجسر الذي يربط روسيا بأوربا، لكن الآن حدث الانقسام، وأصبحت روسيا معزولة بشكل كامل، وتبحث عن تحالفات دائمة في مكان آخر، لذلك لا بد أن نكافح للتوصل إلى سلام طويل المدى”.
ماذا يقصد كيسنجر بذلك؟ في الحوار الذي أجرته معه جريدة الفايننشيال تايمز في 9 مايو 2022 حاول كيسنجر أن يزيد الأمر وضوحا حيث قال “بعد انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية ستكون الجغرافيا السياسية للعالم قد شهدت تغيرات مهمة، ومن غير الحكمة أن ندفع الأعداء للتحالف معا!!”.
ويقصد كيسنجر بذلك روسيا والصين، لذلك فإنه يدعو إلى مقاربة مختلفة تقوم على البحث عن فرص لبناء علاقات جديدة، لكن ذلك لا يعني أن هناك إمكانية لبناء علاقة صداقة بين الصين والغرب، لكنه يعني أن بعض القضايا يمكن أن تكون مفتوحة لخيارات جديدة يكون هدفها منع الصين وروسيا من التحالف.
الخوف من أرمجيدون
ويضيف كيسنجر “إننا يجب أن نكون على وعي بالخلافات الأيديولوجية، لكننا يجب أن لا نجعلها أساسا للمواجهة بين أمريكا والصين”. لماذا؟
يفسر كيسنجر ذلك بأن تطور التكنولوجيا وظهور اختراعات جديدة يمكن أن يؤديا إلى كارثة غير متوقعة، فالأسلحة تتضاعف على الجانبين، وتعقيد هذه الأسلحة يتزايد كل عام.
ويوجه كيسنجر اللوم إلى العالم لأنه ليست هناك حتى الآن مناقشة عالمية لما يمكن أن يحدث إذا تم استخدام هذه الأسلحة، ففي أي جانب تقف، فإن عليك أن تفهم أننا نعيش في فترة جديدة تماما، ولا يمكن أن نتجاهل ذلك، فالتكنولوجيا تنتشر حول العالم، لذلك فإن الدبلوماسية والحرب تحتاجان إلى مضمون مختلف يمكن أن نواجه به تلك التحديات الجديدة.
عندما بحثت عن توقعات أخرى لهنري كيسنجر يمكن أن تكمل الصورة وتوضح لنا ما يتوقعه من مخاطر اكتشفت أن أكثر ما يحذر منه كيسنجر هو التوتر بين الصين وأمريكا، حيث قال في مناقشة في معهد ماكين “إن التوتر بين الصين وأمريكا يمكن أن يؤدي إلى “أرمجيدون” حيث يتصارع العملاقان عسكريا وتكنولوجيا”.
يوم القيامة
لذلك طالب كيسنجر النخبة الأمريكية بأن تتوحد في مواجهة هذا الخطر، فالأسلحة النووية تكفي بالفعل لتدمير العالم كله، وتطور الذكاء الاصطناعي الذي تقوده أمريكا والصين يمكن أن يقربنا من تهديد “يوم القيامة”.
وأضاف كيسنجر أن “تكنولوجيا القوة قد تطورت بشكل يفوق الخيال، والآن ارتبطت القوة بالذكاء الاصطناعي، حيث يمكن أن تطور الآلة أحكامها!!”.
هل كان يتوقع أحد أن يستخدم سياسي مثل كيسنجر مصطلحات الكتب المقدسة التي يؤمن بها المسيحيون الصهيونيون مثل أرمجيدون التي يرون أنها المعركة التي ستؤدي إلى إبادة الملايين من البشر.
ستؤدي إلى كارثة
ويضيف كيسنجر أن “الصراع سيكون مختلفا حيث إن التفوق في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والقوة النووية يمكن أن يؤدي إلى كارثة، فالحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي كانت ذات بعد واحد فهي تقوم على المنافسة النووية، كما أن الاتحاد السوفيتي لم يكن يملك قوة اقتصادية، ولم يكن يملك تفوقا تكنولوجيا مثل الصين التي أصبحت قوة اقتصادية عظمى، بالإضافة إلى كونها قوة عسكرية.
كرر كيسنجر تحذيره -في منتدى دافوس- من الكارثة التي يمكن أن يواجهها العالم بسبب تطور التكنولوجيا العسكرية الذي وضع العالم في موقف لم يشهده من قبل، فالقوة النووية والأسلحة الحديثة يمكن أن تشكل كارثة للبشرية.
أخطر من الحرب العالمية
يضيف كيسنجر جوانب أخرى مهمة يمكن أن تزيد رؤيته وضوحا حيث يقول “إن العالم يتغير، وإن الحرب التجارية بين أمريكا والصين يمكن أن تؤدي إلى كارثة أخطر من الحروب العالمية، لذلك فإن مستقبل العالم يعتمد على قدرة أمريكا والصين على التوصل إلى حلول للخلافات بينهما”.
وحذر كيسنجر من أن المنافسة بين أمريكا والصين يمكن أن تكون مستمرة، ويمكن أن تؤدي إلى نتائج كارثية؛ لذلك فإن أمريكا يجب أن تغير عقليتها نحو الصين كقوة صاعدة، فلم يعد من الممكن أن تسيطر قوة على أخرى.. لذلك يجب أن تدرك أمريكا أنه أصبح لها منافس، وأن تلك المنافسة مستمرة”.
ولن يكسب أحد الصراع
يرى كيسنجر أنه لا يمكن لأي قوة أن تكسب الصراع، وأن نتيجة ذلك الصراع ستكون أكثر خطورة من الحروب العالمية التي دمرت الحضارة الأوربية. فماذا يعني كيسنجر بذلك؟
يؤكد كيسنجر أننا نمر الآن بفترة صعبة، وأنه مقتنع أن قادة الدولتين يدركون أن مستقبل العالم يعتمد على قدرتهم على التوصل إلى حلول للمشكلات، وأنه لن تتمكن دولة من أن تكسب الصراع، وأنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق فإن الصراع سيكون مستمرا، وفي هذه الحالة ستكون النتيجة أسوأ من الحرب العالمية.
ولكن ما الحل؟!
يقدم كيسنجر مجموعة من الاقتراحات التي يمكن أن تشكل حلا للصراع من أهمها:
1- أن الولايات المتحدة يجب أن تكون سياستها نحو الصين حازمة في فرض احترام مبادئها على الصين.
2- المحافظة على الحوار المستمر مع الصين والبحث عن مجالات للتعاون.
3- أن تفتح الولايات المتحدة خطوط الاتصال مع الصين، فالدبلوماسية التي تستهدف تحقيق التعاون هي البديل لصراع عسكري، لكن المهمة معقدة، ولا يمكن أن ننجح في تحقيقها بشكل كامل.
بشكل غير متوقع
في الحديث الذي أجراه معه رئيس تحرير بلومبرج حذر كيسنجر من أن هناك الكثير من العوامل التي تدفع أمريكا والصين إلى الصدام الذي يمكن أن يحدث بشكل غير متوقع.
فالعلاقات بين أمريكا والصين تدهورت في عهد ترامب، وتناقصت الثقة بينهما بسبب اتهام ترامب للصين بالمسؤولية عن انتشار فيروس كورونا الذي أدى إلى موت 1.3 مليون إنسان، وبتهديد الصين المستمر لاستقلال تايوان وهونغ كونغ.
لكي نتجنب حربا عالمية ثالثة
في حوار مع جريدة الصنداي تايمز طالب كيسنجر بالعمل على تجنب حرب عالمية ثالثة بالتوصل إلى صفقة مع روسيا على غرار الصفقة التي عقدها كنيدي مع خروشوف عام 1962، وعدم إذلال بوتين، وبرر ذلك بأنه إذا لم يتبع الغرب هذا الأسلوب فليس هناك بديل معقول لتجنب حرب مرعبة.
وأضاف كيسنجر أن المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا يجب أن تبدأ قبل الوصول إلى نقطة لا يمكن فيها تجنب الصراع، وأن الغرب يجب أن يضغط على كييف للتنازل عن أراض.
أحداث كبرى قادمة
في حواره مع الصنداي تايمز توقع كيسنجر أن تحدث قضايا كبرى في العلاقات بين الشرق الأوسط وآسيا وأوربا وأمريكا. لذلك يجب العمل على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وأن تلتزم أمريكا والصين بتجنب حدوث كارثة.
لكن ما تلك القضايا الكبرى التي يتوقع كيسنجر حدوثها؟!! تلك هي بعض ملامح رؤية كيسنجر، فهل أصبحت أمريكا وأوربا في حاجة إليها؟ وهل ما زالت هناك فرصة للبحث عن حلول سياسية ودبلوماسية؟
المصدر : الجزيرة مباشر