الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تشكيل مجلس عسكري في إدلب خطوة في الاتجاه الصحيح؟

تشكيل مجلس عسكري في إدلب خطوة في الاتجاه الصحيح؟

06.05.2020
ثائر شمالي



نداء سوريا
الثلاثاء 5/5/2020
بغض النظر عن مدى صحة المعلومات التي تشير إلى تفاوضات جارية لتشكيل مجلس عسكري يضم فصائل إدلب إلى جانب هيئة تحرير الشام، لا بد من الإشارة إلى معالم أساسية تكتنف هذه الخطوة والخطوات المشابهة لها، وبمعزل عن الرغبات المتباينة من قِبل الجهات الدافعة إليه وتقديراتهم ورغباتهم للمكتسبات المتأتية منه، إلا أن الواقع قد يكون له رأي آخر.
فالخطوة تأتي في ظل الحديث عن هدنة شاملة ووقف إطلاق نار دائم في سوريا، باستثناء قضم محتمل جديد جنوب طريق (إدلب – اللاذقية) أشارت له بعض التقارير، ودلت عليه بعض المؤشرات، والحديث عن سيناريوهات متوقعة الحدوث تدور في فلك واحد حول طبيعة الحل السياسي المستقبلي توافق عليها الكثير من مراكز الدراسات المتخصصة في الشأن السوري، كان آخرها ما أشار إليه المجلس الروسي للشؤون الدولية، مما يتبادر إلى الذهن عن مدى الجدوى العسكرية التي يمكن تحقيقها من خلاله، بل إن الظروف المحيطة تعطي المجلس طابعاً سياسياً أكثر منه عسكرياً، ولعل تصريح جيفري الأخير حول هيئة تحرير الشام يزيد هذا الشق تعقيداً.
ولو أهملنا نقطة توقيت تشكيل المجلس، وركزنا على الجدوى العسكرية المراد الحصول عليها من المجلس، فلا بد من عدم إغفال نقطة في غاية الأهمية وهي أن هيئة تحرير الشام جسم غير قابل لأي نوع من أنواع الشراكة، نتيجة تقديمه مصلحته التنظيمية الضيقة على مصلحة الثورة دوماً، وأن كل صيغ الشراكة التي دخلتها كانت مؤقتة لتحقيق مكاسب معينة لصالح التنظيم وليس للثورة فيها نصيب، وليس بغائب عن أحد مصير حركة نور الدين الزنكي التي كانت الوتد الرئيسي الثاني في تأسيس هيئة تحرير الشام، حيث تحولت في نهاية المطاف إلى عدو لدود، لتجد نفسها مضطرة للدفاع عن نفسها بعد أن كانت شريكاً أساسياً لتدخل في ثلاث معارك ضارية، كان آخرها في شهر يناير من العام الماضي والذي أدى إلى خسارة الزنكي كل مواقعها غرب حلب وانتقالها إلى ريف حلب الشمالي بعد فاتورة باهظة من الدماء، كما انفض عن الهيئة كل مكوناتها الأخرى كذلك، وليس ببعيد عنا طريقة تعاطي الهيئة مع المظاهرات الممانعة لفتح معابر مع النظام قبل أيام قليلة كدلالة واضحة لتقديم مصالحها على مصالح الثورة.
بل إن سياسة الإقصاء التي اتبعتها الهيئة على مرور سني الثورة والتي تُرجمت إلى حالة اعتداء متكرر من الهيئة على مكونات الثورة كانت عاملاً رئيسياً في خسارة الثورة للكثير من المناطق لصالح النظام والروس، فلقد أنهت أو أضعفت عشرات الفصائل تحت ذرائع شتى؛ ما أسهم في خسارة كبيرة للثورة مادياً ومعنوياً، مادياً بخسارة سلاح وعناصر هذه الفصائل في المعركة الأساسية ضد النظام، ومعنوياً بالقتال البيني الذي أفقد تعاطف ودعم الكثيرين للثورة عبر العالم، فيما سقطت المناطق لصالح الروس بعد سيطرة الهيئة عليها وإجلاء الفصائل عنها دون مقاومة تُذكر، كما حدث في منطقة شرق السكة وسهل الغاب وقلعة المضيق وخان شيخون بعد إنهاء تواجد أحرار الشام فيها، وما حدث في جبل الزاوية ومعرة النعمان وريفها الشرقي بعد إنهاء تواجد صقور الشام فيها، وما حدث في ريف حلب الغربي بعد إنهاء تواجد الزنكي فيها، رغم تأكيد الهيئة على قدرتها على سد الثغور ونقاط الرباط وقدرتها على الدفاع عن المحرر عقب كل حملة لها على الفصائل!
إن عدم زج الهيئة لمقدراتها المتناسبة مع حجمها وإمكاناتها المالية والعسكرية في المعارك المستمرة مع الروس له مبرر أساسي عندهم وهو لا بد من بقاء الهيئة قوية مسيطرة في المنطقة التي ستكون خاضعة إلى النفوذ التركي في نهاية المطاف بحيث تبقى الطرف الرئيسي القوي المتحكم، ولعلهم يبحثون عن البقاء الدائم في جيب إدلب يحاكون حسب زعمهم تجربة حماس في غزة -كما صرح بهذا بعض قادتهم- علماً أن ثمة فوارق جوهرية تفسد هذا القياس من أصله.
لذا فإننا نجد اهتمام الهيئة بمؤسستها الأمنية وتوسعتها وإنفاق الجزء الأكبر من الميزانية عليها ليس لأنها الذراع الضارب الذي استخدم ضد الفصائل لتحقيق نفوذ الهيئة فحسب، بل لأن البقاء بقوة في مواجهة التهديدات الداخلية المحتملة يقع على عاتق المؤسسة الأمنية، وهذا العائق لا ينبغي إغفاله إذا كان هدف بعض الداعين إلى تأسيس المجلس العسكري جر الهيئة إلى استعمال طاقتها القصوى في الدفاع عن المحرر أمام أي حملة روسية جديدة.
سؤال آخر يتبادر للذهن عن طبيعة العلاقة التي تربط هذا المجلس بالجيش الوطني والجبهة الوطنية في ظل عدم اعتراف الهيئة بالمؤسستين، بل هناك حالة من العداء المعلنة بين مكونات الجيش الوطني والهيئة مما قد يؤدي إلى المزيد من التشرذم والانقسام على مستوى المؤسسات الثورية القائمة بدلاً أن يدفع إلى المزيد من التلاحم تحت إطار الثورة.
ستقف الفصائل المنخرطة في هذا المشروع عاجزة عن تأطير الهيئة داخل إطار الثورة نتيجة سياسة الهيئة الرافضة للعمل التشاركي الحقيقي في كل مراحلها، كما أسلفنا، ولامتلاك الهيئة أوراق قوة أكثر من باقي الفصائل في ظل الظروف الراهنة في إدلب.
إن البحث عن أي مشروع تشاركي ناجح مع الهيئة يقوم على أساس إقدام الهيئة على خطوات مطَمئِنة ومقنعة لباقي الشركاء تمحو فيها الكثير من الصفحات المظلمة في تاريخها يكون عنوانها المصالحة وتقبل الآخرين وإرجاع الحقوق والإقرار بالاجتهادات الخاطئة والاعتذار عنها والعزم على فتح صفحة جديدة تقدم فيها مصلحة الثورة على المصالح التنظيمية الضيقة، ولا يوجد ما يدل على تراجع الهيئة عن اجتهاداتها فضلاً عن الاعتراف بخطئها حتى وقتنا الحالي للأسف الشديد.
إن إقدام الهيئة على مثل هذه الخطوات يسهل عليها تحقيق هدف لطالما سعت إلى تحقيقه وهو ربط مصيرها بباقي فصائل الساحة أو ببعضها على الأقل، وقد تسعى لتحقيقه من خلال المجلس العسكري المزمع تشكيله مما يزيد من احتمالية تحول المجلس إلى بؤرة صراع في التوجهات السياسية والذي سيجعل من فشله العسكري أمراً محتوماً ما لم تقدم الهيئة على خطوات متجردة كما أشرنا.
ومن الجدير بالذكر أن الكثير من المشاريع التشاركية غير المدروسة بشكل كافٍ كان ضررها أكبر من نفعها؛ إذ تفقد مكونات هذه المشاريع العلاقة الإيجابية الحاضرة لحظة تأسيس المشروع بعد انتهاء المشروع، وتصبح إعادة التوازن في العلاقة مهمة شاقة وطويلة، فإذا كان هذا التخوف حاضراً في أي عمل تشاركي بين أي كيانين، فسيكون التخوف مضاعفاً بلا شك مع أي شراكة فاشلة مع الهيئة.
طلب إعادة النظر في تشكيل مثل هذا المجلس لا يعني الدعوة إلى قتال الهيئة والتحريض عليها في ظل الظروف التي تمر فيها الثورة، فإن القتال الداخلي لم يجُرَّ على الثورة إلا الويلات ولم يستطع طرف إنهاء طرف آخر فيه، لكنها دعوة إلى السير على بينة، بل بحثاً عن مقومات حقيقية تجعل لهذا الاجتهاد جدوى حقيقية تتناسب مع حجم الخسائر المترافقة مع تأسيسه منذ اللحظة الأولى، ولا ينبغي للعاطفة التي يكون منبعها اشتداد الأزمات متحكماً وناظماً لتوجهات الثورة في ظل هذا الظرف العصيب.
فإذا كان الهدف الرئيسي المشترك لدى الهيئة وباقي الفصائل هو الدفاع عن المحرر أمام هجمة روسية محتملة، فتشكيل غرفة عمليات موحدة حقيقية كافية لتحقيق هذا الهدف دون الدخول في السلبيات والتناقضات وهي بمثابة اختبار للجميع بمدى تبني هذا الهدف فإن قيل إن غرفة العمليات غير كافية لتحقيق الهدف فتجربة غرفة عمليات جيش الفتح تجيب، فرغم السلبيات التي شابتها لكنها أسهمت في تحقيق توازن عسكري، بل هي الأكثر نجاحاً على الصعيد العسكري من أغلب الاندماجات والمشاريع التشاركية الأكثر عمقاً.