الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تسعة عشر شهرا على اتفاق موسكو وعدم تطبيقه: إدلب إلى مصير مجهول

تسعة عشر شهرا على اتفاق موسكو وعدم تطبيقه: إدلب إلى مصير مجهول

13.09.2021
منهل باريش


القدس العربي
الاحد 12/9/2021
التصعيد باتجاه إدلب تزامن مع حشود لقوات النظام وزيارة لقائد الفرقة 25 إلى خطوط القتال في ريفي معرة النعمان وسراقب، واقتراب حل التوتر في درعا بما يرضي النظام وحلفائه.
في تطور غير مسبوق منذ توقيع اتفاق موسكو بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان في الخامس من آذار (مارس) 2020 قصفت مدفعية النظام السوري مدينة إدلب، المركز الرسمي للمحافظة التي سيطرت عليها فصائل المعارضة السورية ربيع 2015. وخلف القصف مقتل عدد من المدنيين وجرح آخرين. وأتى التصعيد بعد هجمات شبه يومية للقاذفات الروسية في منطقة جبل الزاوية، ومنطقة المخيمات بالقرب من مدينة معرة مصرين شمال إدلب. ويأتي التصعيد باتجاه مدينة إدلب تزامنا مع حشودات واضحة لقوات النظام السوري وزيارة معلنة لقائد الفرقة 25 – مهام خاصة، العميد سهيل الحسن إلى خطوط القتال الهادئة منذ 19 شهرا في ريفي معرة النعمان وسراقب شرقي المحافظة، إضافة إلى اقتراب حل التوتر في درعا جنوبي سوريا بما يرضي النظام وحلفائه.
سياسياً، تأسف وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف “لعدم تمكن أنقرة من استكمال تنفيذ الاتفاقات الخاصة بفصل المعارضة عن الإرهابيين في إدلب”. مشيراً إلى أن ممثلي وزارة الدفاع في غرفة أنقرة التي تجمع الجانبين لتنفيذ آليات اتفاقات استانة وسوتشي، يقترحون “سبلاً محددة يمكن أن تسهم في حل هذه القضية”.
واعتبر لافروف في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإسرائيلي، الخميس، في موسكو: “السبيل الوحيد لحل هذا الوضع وفقًا للقرار 2254 هو أن يستكمل زملاؤنا الأتراك تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان منذ أكثر من عامين والتي تنص على فصل المعارضة العقلانية عن الإرهابيين، وبشكل أساسي عن هيئة تحرير الشام (محظورة في روسيا باعتبارها إرهابية)”. واصفا عملية الفصل انها بدأت بالفعل “لكنها لم تكتمل على الإطلاق وما يزال هناك الكثير مما يجب القيام به”. وشدد: “نحن نتحدث باستمرار عن هذا الأمر مع زملائنا الأتراك من خلال الجيش ونقدم طرقًا ملموسة من شأنها دعم شركائنا الأتراك في تنفيذ اتفاقيات الرئيسين. والعمل جار – لكن للأسف- فإن الاتفاق بعيد كل البعد عن الاستكمال”.
وفي وقت سابق، أقر مولود جاويش أوغلو عبر قناة “NTV” التركية بوجود قناة تواصل بين بلاده والنظام السوري على المستوى الأمني “نتواصل مع دمشق حول القضايا الأمنية ولا نتحدث عن الحوار السياسي”. واستدرك أوغلو حول قضية التواصل مع النظام “هناك نظام في سوريا غير معترف به من قبل العالم، لذلك لا شك في أننا نجري مفاوضات سياسية مباشرة معه، لكن في قضايا أمنية، ومحاربة الإرهاب”. لافتا إلى أن “المفاوضات اللازمة جارية على مستوى الخدمات الخاصة والاستخبارات” ورأى الأمر “طبيعيا”.
ونفت وزارة خارجية النظام السوري وجود أي محادثات مباشرة مع أنقرة، ونفت بشكل قاطع “وجود أي نوع من التواصل والمفاوضات مع النظام التركي وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب”.
ونقلت وكالة الانباء السورية “سانا” عن مصدر في الوزارة أنه “بات معروفاً للقاصي والداني بأن النظام الحاكم في أنقرة هو الداعم الرئيسي للإرهاب وجعل من تركيا خزاناً للتطرف الذي يشكل تهديداً للسلم والاستقرار في المنطقة والعالم ويخالف بشكل فاضح قرارات الشرعية الدولية حول مكافحة الإرهاب”.
وتوعد عمر رحمون عضو هيئة المصالحة لدى النظام محافظة إدلب فكتب على حسابه الرسمي على موقع تويتر “بعد تحرير درعا بدأ التجهيز لتحرير إدلب مباشرة” لافتا ان عملية السيطرة على درعا استغرقت تسعين يوماً وسيكلف تحرير جنوب M4 أقل من ذلك. ما يعني ان هدف النظام الحالي في إدلب يتركز على منطقة جبل الزاوية ومدينتي جسر الشغور واريحا باعتبارهما تنتشران على طريق حلب – اللاذقية /M4.
ميدانياً، وصف عبد الحميد القطيني، أحد المسؤولين الإعلاميين في الدفاع المدني السوري القصف المكثف من قوات النظام وروسيا بـ”التصعيد الخطير الذي يهدد حياة المدنيين في مناطق شمالي غرب سوريا وينذر بموجة نزوح جديدة إلى مخيمات الشمال التي تكتظ أساساً بالنازحين وسط ظروف معيشية قاسية”. وحول أعمال الإنقاذ التي تقوم بها فرق “الخوذ البيضاء” قال في اتصال مع “القدس العربي” “استجابت فرق الدفاع المدني السوري منذ بداية الحملة العسكرية في بداية حزيران (يونيو) الماضي حتى الخميس، لأكثر من 475 هجوماً من قبل قوات النظام وروسيا على منازل المدنيين شمال غربي سوريا” وأحصى المسؤول الإعلامي نتائج التصعيد كالتالي، “تسببت تلك الهجمات بمقتل أكثر من 120 شخصاً، من بينهم 45 طفلاً و 20 امرأة، بالإضافة إلى متطوعين اثنين في صفوف الدفاع المدني السوري، فيما انقذت الفرق خلال ذات الفترة أكثر من 280 شخصاً نتيجة لتلك الهجمات، من بينهم 74 طفلاً وطفلة تحت سن 14”.
ولفت إلى أن “القصف تركز على المدنيين والمنشآت الحيوية وخلال الأيام الماضية استهدف مخيم مريم ومدجنة بالقرب من مدينة معرة مصرين شمالي إدلب من قبل الطائرات الحربية الروسية، كما دمرت المدفعية الروسية نقطة مرعيان الطبية بقذائف مدفعية موجهة بالليزر، وقُتل أربعة مدنيين بينهم امرأة وطفل في قصف نظام على مدينة إدلب”.
وحول التصعيد في مركز المحافظة، قال مدير منظمة “منسقو استجابة سوريا” محمد الحلاج لـ”القدس العربي”: “يشكل استهداف مدينة إدلب فارقا إلى تطور الوضع في شمال غرب سوريا والذي بدأ منذ مطلع شهر حزيران (يونيو)” وسجلت المنظمة 145 استهدافا للمراكز المدنية والمدارس ومحيط المخيمات، ووصف قصف إدلب “هو بمثابة الضغط على الأتراك من قبل الروس من أجل تنفيذ بعض التفاهمات، باعتبار إدلب مركز المنطقة الخارجة عن سيطرة النظام”. ويترافق التصعيد الروسي في إدلب، مع انتشار كبير لمتحور فيروس دلتا، حيث تعاني المستشفيات هناك من ضغط كبير على غرف العناية المركزة. وأشار منسق استجابة كوفيد-19 في مديرية الصحة بإدلب، الدكتور حسام قرة محمد إلى أن أعداد الإصابات بفيروس كوفيد-19 بلغ “نحو عشرة آلاف إصابة خلال الأسبوع الأخير فقط، تركزت في ريف منطقة حارم وسلقين وكفرتخاريم إضافة إلى مخيمات أطمة” عازيا أسباب الانتشار السريع إلى “نوع الفيروس الذي يشبه فيروس الجدري من حيث سرعة الانتشار، إضافة إلى أنه يصيب الأطفال وتظهر أعراضه عليهم”. ووصف حملات التوعية التي تقوم بها المديرية والمنظمات الصحية والإنسانية والوعي لدى الناس انها “أسباب مخففة من الفتك بالسكان جميعاً”.
وربط المنسق الطبي في اتصال مع “القدس العربي” بين الحملة العسكرية الروسية وسرعة انتشار الوباء “كون القصف سيضاعف موجات النزوح وبالتالي سيؤدي إلى كثافة سكانية كبيرة، تزيد من أعداد المصابين بالضرورة، كما يرتب التصعيد العسكري ضغطا شديدا على الكوادر الطبية”.
ووجه قرة محمد نداء استغاثة للمنظمات الدولية الطبية للتدخل وإنقاذ القطاع الطبي من الانهيار في إدلب. واصفا التدخل الطبي الدولي “غير كافي. والدعم غير موجه بشكل جيد”.
وختم “يوجد 124 سرير عناية مركزة في كل مستشفيات غرب سوريا. وهي غير كافية إطلاقاً”.
ويبدو أن التأجيل المستمر لحل عقدة طريق الترانزيت M4 سيؤدي إلى كارثة جديدة في إدلب، يقوم النظام وحلفاؤه بعملية عسكرية تؤدي إلى قضم جبل الزاوية ومنطقة سهل الغاب الشمالي. فتمهل تركيا وعدم الضغط الحقيقي على هيئة “تحرير الشام” و “الجبهة الوطنية للتحرير” من أجل فتح الطريق سيؤدي إلى كارثة جديدة في إدلب، فدروس الماضي تشير إلى أن المعارضة السورية بأطيافها لا تجيد إلا الوقوع في الحفر.