الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تساؤلات المنطقة: جديد بايدن وإرث ترامب؟ 

تساؤلات المنطقة: جديد بايدن وإرث ترامب؟ 

24.11.2020
عبدالوهاب بدرخان


النهار العربي 
الاثنين 23/11/2020 
 الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على عشرة أهداف في سوريا. إعادة العلاقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. القمة الإماراتية - البحرينية - الأردنية في أبو ظبي... أحداث متزامنة يمكن ربطها بسبب واحد: إدارة جديدة في البيت الأبيض وتغيير مرتقب في السياسة الأميركية. في السياق نفسه يمكن أيضاً وضع زيارة وزير الخارجية الأميركي لإسرائيل، والسجال الإيراني الداخلي في شأن المرحلة المقبلة، كذلك إطلاق طهران إشارات إيجابية لكن متناقضة الى الرئيس المنتخب جو بايدن وفريقه. 
ماذا عن تعثّر تشكيل حكومة في لبنان، وعن احتدام الصراع الداخلي في العراق؟ لا شك في أن أجواء التغيير تنعكس، ولو بأشكال مختلفة، على مختلف أزمات المنطقة من ليبيا الى سوريا واليمن، امتداداً الى القوقاز، وعلى أدوار اللاعبين الرئيسيين كروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل.  
ما سيبقى من سياسات دونالد ترامب عربياً أمران، الأول كسر جانب مهمّ من "تابو" التطبيع مع إسرائيل، إذ بات على الأجندة، أيّاً تكن الإدارة في واشنطن. والآخر، عقوبات احتوائية لاقتصاد إيران ولوكلائها، وتأليب مناطق نفوذها عليها، كذلك الحدّ من قدرتها على مواصلة توسّعها الإقليمي كما أتاحته لها إدارة باراك أوباما... أي تفاوض مقبل يتطلّب من إيران إقراراً بالمتغيّرات وإلّا فإن التخلّص من العقوبات لن يتمّ في المهلة الزمنية التي تتوخّاها.   
كان أوباما قد بدأ ولايته الأولى بموقف متقدم طلب فيه من إسرائيل وقف نشاطاتها الاستيطانية، وحاول في المقابل موازنته بمطالبة السعودية ودول الخليج بالتقارب مع إسرائيل "دعماً للمفاوضات" بينها وبين الفلسطينيين. لكن الرئيس السابق اضطر للتراجع تدريجاً عن الضغط على إسرائيل ولم تنجح محاولاته لتفعيل المفاوضات برغم نجاحه شكلياً في إحيائها، وبالطبع لم يتمكّن من إقناع العرب بدخول مسار تطبيعي. لماذا؟ لأن العرب والإسرائيليين كانوا يراقبون سعيه التنازلي الحثيث الى التقارب مع إيران، وقد حصل في السنة السابعة من رئاسته على الاتفاق النووي الذي استاء منه العرب لأنه لم يعالج سوى جزء من المعضلة، كما أن إسرائيل رفضته بشدّة وابتزّت أوباما الذي قدّم لها ثمناً لسكوتها. أما إيران فخذلته بعدم ملاقاتها رفع العقوبات عنها بالتقدم نحو تطبيع للعلاقة بينها وبين الولايات المتحدة. 
لا تشير القراءات الأولية لمذكرات أوباما الى شبهة اعتراف بخطأ أو بأخطاء، استناداً الى أن الاتفاق النووي لا يزال معترفاً به دولياً، وأنه حقق هدفه المعلن، وهو إبطاء البرنامج النووي الإيراني، أما الأهداف الأهم فلم تتحقّق، وهي كثيرة: الاتفاق لم يعزّز السلام الإقليمي بل على العكس، ولم يأت بمصالح لأميركا ولا شكّل بدايةً لاجتذاب إيران كـ"شريك متعاون" ولا كـ"شريك استراتيجي"، فيما تعتزم أميركا الانسحاب من الشرق الأوسط الى جنوب شرقي آسيا. لكن يُستدلّ من تلك المذكرات أن أوباما انطلق بسياسته الشرق أوسطية من فكرتين مسبقتين، أولاهما إيجابية براغماتية حيال إيران بمعزل عن سياساتها التخريبية وطبيعة نظامها، والثانية سلبية تشابه مواقف ضمنية أو علنية يتبنّاها اليسار عموماً تجاه الأنظمة العربية. 
وهكذا كانت الثغرة مفتوحة بوضوح أمام ترامب، بحمولته اليمينية والعنصرية والشعبوية، وخصوصاً البزنسية، للتعامل بطريقته مع طموحات الثلاثي الإقليمي لملء الفراغ العربي في الشرق الأوسط: ترقية إسرائيل كنقطة التقاء مع روسيا (قمة هلسنكي 2018)، إرضاء تركيا إقليمياً للحدّ من اندفاعها نحو روسيا (مناطق النفوذ في سوريا، والتدخّل في ليبيا)، ومعاقبة إيران على استغلالها الاتفاق النووي ورفضها الانفتاح على أميركا سياسياً وبزنسياً.  
في الوقت نفسه، ركّزت إدارة ترامب على نسج تقارب عربي - إسرائيلي وبوسائل شتّى، ونشأت عن ذلك معادلة إقليمية جديدة في مواجهة إيران، أي أبعد من مجرّد تطبيع. بطبيعة الحال لم تكن هذه السياسة متوازنة ومتكاملة، إذ إنها 1) طرحت "صفقة القرن" التي دعمت التغوّل الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الأساسية، و2) لم تسجّل أي تقدّم نحو حلّ أزمات سوريا والعراق واليمن، و3) زادت صراعاً عربياً - تركياً الى الصراع العربي - الإيراني من دون أي خريطة طريق نحو استقرار إقليمي، و4) ثبّتت واقع أن هذا الاستقرار مرهون بـ"تسوية" أميركية مع إيران التي لم تعط أي إشارة الى أنها في صدد تعديل سياساتها أو "تغيير سلوكها". ولذلك يقول خصوم ترامب إن سياساته، باستثناء "هداياه" لإسرائيل، لم تحقّق أهدافها.  
كانت جولةً لا لزوم لها تلك التي أجراها الوزير مايك بومبيو، وهو انتهز محطّته الإسرائيلية لارتكاب سوابق (زيارة مستوطنة بساغوت وهضبة الجولان، إحياء فكرة ضم الأراضي باعتبار منطق "ج" في المنطقة الاقتصادية الإسرائيلية، وتأكيد الفصل بين قطاع غزّة والضفة الغربية). ومن الواضح أنه سعى الى أهداف منها: أولاً، التذكير بـ"الإنجازات" التي لا ينكرها حتى خصوم بنيامين نتنياهو، لكنهم يعترفون بخطورتها لاحقاً على المستوى الداخلي وعلى أي تسوية مع الفلسطينيين. وثانياً، الترويج لاستمرار "الترامبية" في أجزاء كثيرة من السياسة المرتقبة لبايدن، خصوصاً بالنسبة الى التطبيع مع العرب والمكاسب التي تحققت لإسرائيل على حساب الفلسطينيين. وثالثاً، طرح بومبيو نفسه مرشحاً رئاسياً محتملاً في انتخابات 2024. أما المحطات الأخرى فكانت في معظمها للتحريض المبكر على إدارة بايدن باعتبار أنها لا تملك بدائل جيدة وستكون سلبية تجاه الخيارات التي اعتمدها ترامب. 
لكن الأطراف المعنيين لم ينتظروا نصائح بومبيو وهو في أيامه الأخيرة في المنصب. فإسرائيل تعمّدت الجهر بهجماتها في سوريا، مدعومة بالصور، لتثبيت دورها المنسّق أساساً مع روسيا ضد الوجود الإيراني منذ أيام إدارة أوباما وبمعزل عنها، وهو دور قد ترغب إدارة بايدن في تجميده خلال بحثها عن سبل للتفاوض مع إيران. بالتزامن عَنَت قمة أبو ظبي أن الجانب العربي، برغم اتفاقات التطبيع، لم يتخلَّ عن شروط السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل على أساس "حلّ الدولتين" الذي يضمن "إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة والقابلة للحياة، على خطوط الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية". وفي هذا الموقف شيء من التباعد عن "صفقة القرن" التي عارضها الأردن ورفضها الفلسطينيون، لذلك عاد السفيران الفلسطينيان الى أبو ظبي والمنامة. وفي سياق الإشارات الى بايدن، أعادت السلطة الفلسطينية علاقاتها بإسرائيل، ولو من دون مقابل سياسي. فمن جهة اعتبرت السلطة أن قطيعتها مع إدارة ترامب وإسرائيل عبّرت بوضوح عن موقفها متحملةً تداعياتها القاسية على الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية للفلسطينيين، ولعلها من جهة أخرى أبدت مجدّداً يأسها من إمكان التفاهم مع "حماس" و"الجهاد" وسائر الفصائل التي تبحث عن حصّة في السلطة وترهن قرارها بإرادة إيران.