الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا ومعركة إدلب

تركيا ومعركة إدلب

30.08.2018
د. حياة الحويك عطية


الخليج
الاربعاء 29/8/2018
صحيح أن عدو الأمس قد يصبح صديق الغد، لكن ذلك لا يتحقق إلا متى تخلى العدو عن أحلامه وخططه العدوانية، بل وحتى عن الأيديولوجيات التي بنيت عليها. فلو ظلت ألمانيا نازية لما تمكن ديجول، واديناور من تجاوز إرث الحرب العالمية الثانية، وبناء أوروبا الموحدة. غير أن هذا التجاوز يحتاج إلى شرط أساسي هو انعدام عقدة التفوق، وما يبنى عليها من حق الهيمنة، ومصادرة الحقوق.
هي مبادئ أول ما يتبادر إلى الذهن تطبيقها على العداء الصهيوني - العربي، وذاك صحيح مع استثناء يخص القضية الفلسطينية يتعلق بالإحلال. فالحروب، بما فيها الاستعمارية، تندلع بين شعبين لكلّ أرضه، بهدف هيمنة أحدهما على الآخر. لكن أحداً لم يدّع الملكية والإحلال، كما فعل "الإسرائيلي".
من هنا ينتقل الأمر إلى تطبيقها على أبعاد أخرى تبلورها الحرب السورية الدائرة عسكرياً، منذ سبع سنوات، وسياسياً - اقتصادياً منذ اكثر من ذلك، خاصة منذ سقوط العراق.
في البعد المتعلق بالاستعمار القديم، ثمة طرفان مارسا هذه الهيمنة الاستعمارية باسم الدين: الغرب الأوروبي، والسلطنة العثمانية، وكلاهما ظل ينام ويصحو على هذا الحلم، ولذا انخرط الطرفان في الحرب السورية بجنون فاق الأمريكي. اليوم، يبدو ثمة افتراق في الموقف بين أوروبا والكتلة أنكلوسكسونية (بريطانيا والولايات المتحدة) من العقوبات المفروضة على كل من روسيا وإيران وتركيا . افتراق ظن البعض انه سيمثل تغيراً استراتيجياً إزاء سوريا، لكن مجريات معركة إدلب والشمال - الشرق السوري بشكل عام، تدلل على العكس تماماً.
فالسلطنة التي احتلت البلاد العربية طوال خمسة قرون، ونهبت ثرواتها، وقمعت أهلها، نفذت خلالها، في سوريا تحديدا، مجازر مرعبة، لإبادة الأرمن، والسريان، والآشوريين، وإحلال الأكراد مكانهم. إنما فعلت، ظاهراً باسم الدين، وفعلياً بهدف الهيمنة. هدف وأسلوب لم يتغيرا في العصر الحديث مع فكر العدالة والتنمية، فاردوغان لا يبني استراتيجيته إلا على حلم العثمنة الجديدة، وباسم الدين مرة أخرى. حيث جاء تبنيه للمد الإخواني العالمي (وضمنه العربي). وعليه شكلت تركيا قاعدة الحرب على سوريا بكل أبعادها العسكرية (مقاتلين وتسليحاً)، والسياسية ( لجوءاً وتنظيمات ومجالس )، والاقتصادية والإعلامية والثقافية.
درس تعلمته بريطانيا الماكرة، ومن بعدها جميع الأنظمة الغربية، فحاولت أن تنتزع من معسكر الحلم التركي جماعات دينية أصولية، بدءاً من "الإخوان"، وانتهاء "بداعش". وعليه التقى الطرفان التركي والغربي على دمارنا، دمار الأرض، ودمار البشر، دمار الثقافة والاقتصاد ومصادرة السيادات. واختلفا عندما حانت ساعة اقتسام المغانم ، خاصة أن هذه المغانم لن تكون كبيرة لأن المعسكر المقابل هو الذي انتصر.
غير أن هذا الخلاف بحد ذاته يظل محدوداً. وأبرز دليل التقاء موقفهما من معركة إدلب، حيث يتجمع أعتى الإرهابيين الأصوليين الرافضين لأية فكرة مصالحة، وهم بأغلبيتهم يتبعون تركيا، وحلفاءها من جهة، ودولاً غربية، من جهة أخرى .
فتلجأ تركيا إلى موسكو لوقف قرار المعركة، وتلجأ دول الأطلسي إلى التهديد، ومسرحية كيماوي جديدة تعدها "الخوذ البيضاء". في هذا التهديد نفسه يظهر التلاقي التركي- الغربي. حيث تقدم هذه المنظمة أحد النماذج الفاضحة على هذا التلاقي.
صحيح أنه لم يعد سراً أن تأسيس "الخوذ البيضاء" جاء على يد ضابط الاستخبارات البريطانية جيمس لو ميزوريه، الذي منحته الملكة اليزابيت لقب ضابط الإمبراطورية البريطانية، وأن مصادر تمويلها تتوزع على (الولايات المتحدة، ألمانيا، الدنمارك، فرنسا، هولندا، اليابان إضافة الى بريطانيا). ولكن مكتب الارتباط المنسق لعملها موجود في لاندكوم، في أزمير التركية.
قبل أشهر اعتقد البعض أن عملية إخراج عناصر المنظمة من الجنوب هي تنفيذ سريع لاتفاق ترامب- بوتين على سحب الوحدات الخاصة من سوريا. خاصة أن قرار سحب هؤلاء من الجنوب اتخذ في جلسة حلف شمالي الأطلسي في بروكسل يوم 11ويليو/ تموز 2018، وبالتالي أشرف الحلف مباشرة على التنفيذ بالتعاون مع "إسرائيل". لكن الأمور برهنت أن ذلك لم يكن إلا مجرد عملية إنقاذ، ونقل إلى ساحة أخرى حيث المعركة لم تنته بعد. في حين تهدد الدول الغربية الثلاث بشن عدوان على سوريا للحؤول دون تحرير إدلب. هنا يعود الغرب ليلتقي مع تركيا ، فكلاهما لا يستطيع أن يتقبل استحالة تجدد استعماره. وحتى لو فشلت كل هذه القوى في منع الحسم العسكري، أو المصالحات، فإن مخططاتها ستستمر كي تحقق في السلم ما لم تستطع تحقيقه بالحرب.