الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ترامب والجولان والهوان العربي

ترامب والجولان والهوان العربي

26.03.2019
د. حسن البراري


الشرق القطرية
الاثنين 25/3/2019
لا أحد يفهم معادلات الربح والخسارة كما يفهمها الغرب عموما، وعادة ما يوازن صانع القرار بين العائد والكلفة لأي خطوة سياسية كبيرة كتلك التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص مباركته لضم إسرائيل لأرض الجولان السورية المحتلة. هكذا فاجأ الرئيس ترامب الجميع بهذه التغريدة لأنه يعرف جيدا أن الجانب العربي من الضعف بمكان ما لا يمكن أن يشكل تهديدا لمصالح الولايات المتحدة في الإقليم أو حتى مصالحه الشخصية والمالية.
هناك رغبة ترامبية واضحة في تقديم هدية إضافية لنتنياهو الذي تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع فرصه في تشكيل الحكومة المقبلة، ويسعى ترامب من خلال هذه الخطوة إلى تزويد حليفه في تل أبيب بذخيرة إضافية لعلها تسعفه في الفوز في الانتخابات المزمع عقدها في التاسع من الشهر القادم. لكن السؤال هو لماذا لم يساعد نتنياهو بهدية أمريكية خالصة بدلا من التبرع بأرض لا يملكها بالأساس؟ الجواب يكمن في حقيقة أن أي هدية أمريكية بحاجة إلى تبرير وربما هناك كلفة لتقديمها، أما تقديم هدية على حساب العرب فهو أمر لا عواقب له، هكذا يرى ترامب ومن يقدم له الاستشارات.
سألت خبيرا أمريكيا قبل عقدين من الزمان عن حقيقة أن العرب لم يفلحوا في التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية لصالح قضاياهم العادلة على الرغم من التحالف الوثيق بين واشنطن وعواصم لدول عربية مركزية. وقال بالحرف الواحد إن الجانب العربي اخفق في أن يشكل تهديدا جادا لمصالح أمريكا كما أخفق في الوقت ذاته في أن يكون صديقا حقيقيا لأمريكا.
وهنا ربما مربط الفرس، لو كان لقرار ترامب في الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل أي كلفة في العلاقة مع العرب ربما ما اتخذ تلك الخطوة من الأساس، غير أن إدارته تدرك جيدا أن نقل السفارة والاعتراف بالقدس كانا سيثيران زوبعة من النقد لا تلبث أن تهدأ وهو ما حدث بالفعل. وها هو يعيد الكرة مرة أخرى بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل لأنه يعرف جيدا أن الجانب العربي عاجز أو غير راغب في احداث الفرق.
تستفيد إسرائيل من كل مصائبنا التي لا تأتي فرادى، فحالة التشظي السياسي - التي اصبح فيها الإقليم العربي تنافسيا وهشا ومخترقا - تشي بأن هناك فرصة ذهبية لإسرائيل لتعظيم مكاسبها على حساب العرب، ويساعدها في ذلك حالة الهوان العربية وبخاصة مع الدعوة التي تأتي من دول رئيسية ومركزية لضم إسرائيل لها في تحالف عريض للتصدي لإيران! وتل أبيب التي عادة ما تنتهز أي فرصة للتوسع تحرك لوبياتها في أمريكا لإقناع الإدارة الأمريكية بالانحياز الكامل للرؤية اليمينية الإسرائيلية التي تريد أكبر قدر ممكن من الأرض الفلسطينية العربية أيضا.
المشكلة أن العرب هم أصحاب قصة "أكلت يوم أكل الثور الأبيض" ومع ذلك لا يستبقون الأمر ويجدون الحد الأدنى من التضامن والتنسيق كي لا يتحولوا إلى ثيران بلون أبيض! فالابتزاز الأمريكي والصلف في التعبير عنه وصل إلى حد يجعلنا نطرح سؤالا فيما إذا كان الخنوع العربي المطلق لأمريكا هو نتيجة لتدخل الأخيرة فيمن يحكمنا؟ واذا كان ضم الجولان لإسرائيل والاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل لا يؤديان إلى استفاقة عربية فمتى يمكن أن يستيقظ القوم من سباتهم العميق؟ لا أملك إجابة لكن بات واضحا أن حالة الهوان العربية هي ما تدعو الآخرين للتوسع على حساب الأرض العربية وهي ما تجعل قدرتنا على رفع الكلفة على الغزاة والطامعين معدومة.