الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تدمر الحضارة.. وتدمر الأسد

تدمر الحضارة.. وتدمر الأسد

13.12.2016
منار الرشواني


الغد الاردنية
الاثنين 12/12/2016
بالنسبة للعالم، تدمر هي "عروس الصحراء". وقد أصرت على الشموخ آلاف السنين شاهداً على حضارة المنطقة وأهلها ككل، وليس سورية فحسب؛ فكانت بذلك وفية لاسمها الذي يعني، وفق بعض المراجع، "بلد المقاومين" (باللغة العمورية)، و"البلد الذي لا يقهر" أو "المعجزة" (باللغة الآرامية).
لكن في مواجهة العالم أجمع، وحدهما الأسدان، أباً وابناً، من سيكونان قادرين على تدمير تدمر، وفي عيون أبنائها وليس أحد سواهم! وذلك حين نجحا في طمس كل إرثها وآثارها، بحيث لم تعد المدينة ترمز بالنسبة إلى السوريين إلا إلى "سجن تدمر" الرهيب، حيث تدعو الأم لولدها الموجود فيه بالموت! إشفاقاً عليه من هول التعذيب الذي سيصبّه سجانون ساديون عليه ما بقي هذا الولد حياً.
ويبدو أن كل تلك العقود من تشويه الأسد، أباً وابناً، لعظمة تدمر لا تكفي! فمع عودة تنظيم "داعش" الآن إلى المدينة -ولو إلى حين- يتم مرة أخرى محو تدمر الحضارة، لتغدو دليلاً جديداً فقط على أن الأسد، كما روسيا وإيران، ليسوا أعداء الإرهاب أبداً، بل عدوهم الحقيقي هو من يطالب بالحرية والكرامة والعدالة. إذ يتمكن "داعش" من تدمر، وبسرعة قياسية، في الوقت الذي ترتكب طائرات روسيا وميليشيات إيران الطائفية متعددة الجنسيات، كل الجرائم المتخيلة وغير المتخيلة في حلب، وفي كل أرض سورية لا يوجد فيها "داعش"!
طبعاً، لا بد من السؤال: كيف غفلت الدولة "العظمى" روسيا، بكل إمكاناتها المفترضة والمزعومة، عن تحركات "داعش" في صحراء مكشوفة؟ لا سيما وأن حدوث ذلك سابقاً، في العراق خصوصاً، كان دليلاً لدى شبيحة الأسد ونوري المالكي على أن "داعش" صنيعة أميركية ضمن المؤامرة الكونية على حقهما في التصرف بإقطاعيتيهما؛ سورية والعراق!
نعرف أن أنصار "المؤامرة الكونية" على الأسد، سيجيبون بمؤامرة صهيو-أميركية جديدة متخيلة سمحت بعودة "داعش"، رغم أنف روسيا وإيران. لكن أبسط تأمل في هكذا مؤامرة يثبت نقيض أسسها. إذ لماذا لم تتآمر أميركا والغرب لأجل حلب التي يروج الإيرانيون والروس أن تدميرها يعني نهاية الثورة؟ أو بتزويد الغرب فصائل المعارضة السورية المسلحة في أي مكان آخر بسلاح نوعي يكشف ضعف مليشيات الأسد؟
باختصار، حتى إن تم إثبات هذه المؤامرة، فإنها لا بد وأن تعني في الوقت نفسه، وبلا أدنى مجال للجدل، أن أميركا والغرب يتآمران على طالبي الحرية والكرامة والعدالة في الوقت نفسه، فيتركونهم للقتل الروسي الإيراني، فيما يزودان "داعش" بالسلاح والمخططات! ولتكون المحصلة أن أميركا والغرب عموما كما روسيا وإيران (وبالتالي الأسد) يلتقون جميعاً في النهاية وبلا أدنى شك على عداء الكرامة والحرية والعدالة في سورية، وليس على عداء الإرهاب.
اليوم، تدمر لا تستباح مرة أخرى، لأنها مستباحة منذ زمن طويل؛ منذ بدء عهد الاستبداد الذي يتباهى أنه فقط بديل الإرهاب؛ فلا تتغير إلا هوية من يستبيح أحد رموز الحضارة الإنسانية. وبذلك يكون بدهياً أن تدمر لن تعود إلى حقيقتها رمز حضارة وعظمة وإنسانية، إلا عندما لا يكون خيارها بين جلاد وجلاد.