الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تدمر: التدمير الثاني

تدمر: التدمير الثاني

24.05.2015
منار الرشواني



الغد الاردنية
السبت 23-5-2015
غداة استيلاء تنظيم "داعش" على كامل مدينة تدمر السورية، أطلق ناشطون حملة دولية على الإنترنت، يبدو عنوانها بخط كبير: "لندمر تدمر"! قبل أن يستدرك القارئ بملاحظة الكلمة الأخيرة لشعار الحملة، إنما بخط صغير: "السجن" (Let's Destroy Palmyra Prison). إذ "فيما العالم غاضب بشكل محق من تهديد "داعش" لآثار تدمر المذهلة"، كما يوضح القائمون على الحملة هدفهم، "دعونا لا ننسى سجن تدمر حيث تم تعذيب وقتل آلاف السوريين على يد نظام بشار الأسد".
هكذا، فإن حملات القلق الصادق، وحتى حفلات التباكي الكاذب، والتي ستبلغ ذروتها اليوم على آثار المملكة العربية العظيمة التي صارت تحت رحمة تنظيم لا يقيم للحضارة وزناً إلا بقدر ما تدر عليه أرباحاً بتهريب أوابدها؛ هذه الحملات تبدو مناسبة لتذكير العالم بالدمار المتواصل الذي يحل بالإنسان السوري ووطنه، لكن في ظل تجاهل عالمي تام، إن لم يكن مع تبرير من قبل البعض.
والحقيقة المعروفة للجميع؛ شبيحة ومن امتلك أدنى ثقافة بالمنطقة، هي أن تدمر العظيمة إبداعاً وإرثاً، لم ترتبط في ذهن السوريين طوال حكم الأسد، أباً وابناً، إلا بعظم بشاعة ووحشية سجنها الذي يقال إنه قد كُتب على بابه "الداخل مفقود والخارج مولود"؛ إن نجا من التعذيب الممنهج والمجازر العشوائية الخاضعة لمزاج السجانين الجلادين.
بذلك، يكون صحيحاً فعلاً وتماماً، أن نظام الأسد، كان أول من دمر هذا الإرث السوري والعربي والإنساني الاستثنائي، ولو معنوياً، وبما يعد أيضاً نموذجاً للدمار الذي ألحقه هذا النظام بكل سورية على امتداد عقود، مادياً ومعنوياً، عبر الاستبداد والفساد.
كما يكون صحيحاً تماماً، أن الحرص على هذا الفساد والاستبداد، على حساب كل سورية وكل السوريين، وكذلك دعم "داعش" بوسائل شتى (منها ما لا يرفضه حتى "الشبيحة"، من قبيل تبرير عدم مهاجمة التنظيم بإشغال الثوار به)، يجعلان نظام الأسد مسؤولا الآن أيضاً عن إمكانية التدمير الثاني لتدمر، رمز الحضارة والازدهار العربيين منذ أقدم العصور.
وإذا كان من حق وواجب من اعترف بالإنسان السوري -وبالتالي حقوقه الإنسانية البدهية المهدرة عقوداً- أن يدعو إلى حماية إرث هذا الإنسان، والمنتميان للإنسانية جمعاء، فلعل المخجل أن يطالب أنصار الأسد بمثل هذا التدخل الدولي. فهؤلاء المنكرون لإنسانية المواطن السوري، في مقابل استذكارها عند إبداع هذا الإنسان، إنما يتخذون تدمر في الحقيقة محض درع فلا يبالون بفنائها، دفاعاً فقط عن الاستبداد والفساد. وهو ما يتطابق تماماً مع استراتيجية "داعش" الذي يبتز العالم بتدمر وآثارها.
حتى بعد هزيمتها أمام الرومان، وسبي ملكتها زنوبيا، صمدت تدمر مئات مئات السنين. لكنها صارت خاضعة للتدمير التام والمتواصل، منذ عقود وحتى الآن، فقط بمطرقة الاستبداد؛ "أسدياً" كان أم "داعشياً"، أو للدقة "داعشياً" علمانياً أو "داعشياً" دينياً. وإيقاف هذه الجريمة المستمرة، ليس يكون إلا بحماية السوريين من كل من يقتلهم؛ في تدمر وسواها، وباسم تدمر وسواها.. لكن دائماً ليس لأجل تدمر وأمثالها، من رموز الحضارة والازدهار اللذين بناهما "الإنسان" المستباح الآن على امتداد سورية.