الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "تخفيف التصعيد" في سوريا هل يقود إلى ورشة التقسيم؟

"تخفيف التصعيد" في سوريا هل يقود إلى ورشة التقسيم؟

09.05.2017
عبدالوهاب بدرخان


العرب
الاثنين 8/5/2017
"تخفيف التصعيد" في سوريا هل يقود إلى ورشة التقسيم؟"تخفيف التصعيد" في سوريا هل يقود إلى ورشة التقسيم؟
وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اقتراح روسيا إقامة أربع مناطق لـ "تخفيف التصعيد" في سوريا بأنه "نصف حل"، في حين أن الرئيس فلاديمير بوتن حدّد الهدف بـ "التهدئة". والواقع أن المطروح يشكّل أقل حتى من نصف حل، أما التهدئة فهي عنوان مطّاط لا يعتدّ به في صراع محتدم ومستمر منذ ستة أعوام ونيّف، ويبدو التفافاً مزدوجاً: أولاً، على هدف "الوقف الشامل لإطلاق النار" الذي كان أبرم بنهاية 2016 في اتفاقَين منفصلَين وبنصَّين مختلفَين بين روسيا وتركيا من جهةٍ وبين روسيا والنظام السوري (وإيران) من جهةٍ أخرى، وثانياً على أفكار لإنشاء "مناطق آمنة" لوّحت بها الإدارة الأميركية ولم تطرحها فعلياً مع الجانب الروسي الذي أبدى حيالها مواقف أوليّة متقلّبة إلا أنها تميل إلى الرفض.
فـ "المناطق الآمنة" تتطلّب حظراً للطيران واستعداداً للردّ على الخروقات، ما يعني تورّطاً لا تريده الولايات المتحدة في النزاع السوري الداخلي.
كان تطبيق اتفاق وقف النار عُقد بناء على توافق ثلاثي (روسي – تركي – إيراني) غداة معركة حلب، وكانت الفكرة المفتاحية أن هذه الدول تضمن الهدنة وثباتها لتشرع فوراً في تهيئة الظروف الملائمة للمفاوضات السياسية، وبالتالي للحل السياسي. لكن الاتفاق فشل، ولم تقل موسكو لماذا فشل، رغم أنها صاحبة الكلمة العليا. فهي شهدت التزام فصائل المعارضة للهدنة وبسريان الضمان التركي، وكان واضحاً أن قوات النظام والميليشيات الإيرانية الحليفة لم تلتزم، ما أثار التساؤل عن "الضمان" الإيراني، وحتى عن "الضمان" الروسي، خصوصاً أن الطائرات الحربية الروسية واصلت دعم الأعمال القتالية للنظام وحلفائه، بل ارتكبت مجازر معروفة، في حين يُفترض أن روسيا هي "الضامن الأكبر" لوقف النار.
وتبيّن أن الدول الثلاث ليست متفقة على معايير ضمانها، بل استغرق وضع آليات لمراقبة التنفيذ ومحاسبة الأطراف المخالفة أكثر من شهرين، لكنها بقيت مجرد نقاط على الورق. والأهم أنه تبيّن أن غياب رؤية سياسية موحدة بين الدول الثلاث يحول دون تفعيل تلك الآليات.
اعتبر اقتراح "مناطق تخفيف التصعيد" معطى جديداً ومشجعاً لعودة الفصائل إلى المشاركة في اجتماعات أستانة، وترافق بحديث عن إمكان انضمام دول أخرى عربية وغير عربية في التنفيذ (الفصل بين المناطق وحماية الممرات الإنسانية...)، لكن الأهداف الطموحة المعلنة للاقتراح (ضبط الأعمال القتالية، وتوفير سريع وآمن للمساعدات الإنسانية، وتهيئة ظروف العودة الآمنة والطوعية للاجئين) لا تكفي لإقناع الدول الأخرى بالمساهمة فيه. والأسباب واضحة، منها أن الدول الثلاث "الضامنة" لم تعالج خلافاتها، فلكل منها أجندة مختلفة كفيلة بتعطيل أية عملية تهدئة. ومنها أيضاً صعوبة إرسال الدول المساهمة جنودها إلى مهامّ تشرف عليها روسيا وحدها (وليس الأمم المتحدة) وليس لها أفق زمني ولا هدف سياسي.
أخطر ما في هذا الاقتراح الروسي أنه يؤكّد الشكوك في الالتزام الدولي بالحفاظ على وحدة سوريا، ويشكّل نوعاً من الإرهاص لمشاريع تقسيمية تريح فقط التدخّلين الروسي والإيراني لتوفير ضمانات لمستقبلهما. ليست لدى تركيا مشاريع مشابهة لكن تريد إبعاد مخاطر التقسيم عن أراضيها، فبما تلتقي الأدوار الأميركية والروسية وحتى الإيرانية على اللعب بورقة الأكراد؛ لذلك فإن هذا التوجّه التقسيمي ينفي عن اقتراح التهدئة صفة المسعى الجدي المتوخّى لإنهاء الصراع في سوريا، أما نأي الولايات المتحدة بنفسها عنه شكلياً فلا يعني أنها تعارضه بل تختبر إمكان نجاحه.;