الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تخريف

تخريف

30.07.2017
علي نون


المستقبل
السبت 29/7/2017
لا تختلف حال بعض اللبنانيين في هذه الأيام، عن حالة الزمن الراهن: كلما إزداد وضوحاً ازداد تناقضاً. وبدلاً من انحسار التخريف المتأتّي في بعض أبرز جوانبه من نقصان المعرفة، يحصل العكس برغم شيوع التواصل وآلياته الحديثة.
والتخريف مصطلح صعب، ولا إرادي، ويدلّ على ضمور خلايا الوعي والإدراك تحت وطأة الزمن وسيرورته.. لكنه جائز وممكن (ومنتشر) في نواحينا برغم "فتوة" المصابين به!
هناك مصطلح "ألطف" بعض الشيء، يُسمى الانفصام. لكنّه يسري على حالات فردية ومحدودة، ولا "يلتقط" اللحظة اللبنانية الراهنة، حيث تكثر ترددات وظواهر الافتراق عن الواقع أو التعبير عنه بطريقة معاكسة له، تماماً!
لبنانيون سياديون بالمعنى السياسي والهويّاتي. "يلتقون" مع آخرين يعلّقون "السيادة" على المشذب المذهبي أو الطائفي المحض، حيث الكيان والحدود والدستور الوضعي، مسائل ثانوية أمام مركزية الانتماء الديني الخاص، العابر فوق الأرض وسدودها وحدودها.. ونقطة الالتقاء هي ذاتها عمود عمارة التخريف السارحة على مداها، في مناسبة "تحرير" الجرود العرسالية!
"حزب الله" حرّر أرضاً لبنانية! لكن "المحتلين" المفترضين الذين "دحرهم" هم مَن احتل "حزب الله"، أرضهم أصلاً! ودمّر ممتلكاتهم! وخرّب عمرانهم! وأعمل فيهم ما عمله رئيس سوريا السابق بشار الأسد وأكثر! ودفع بهم الى المنافي والتيه في براري هذه الدنيا! وهو ذاته، مَن يعتنق سياسة وأداء (وعلناً ومن دون أي تورية أو أغطية)، مرتبطَين بمرجع مركزي بعيد، بُعد لبنان عن إيران!
والحزب ذاته، شريك مساهم في البلاء الذي ضرب سوريا، وجاءت ترددات ذلك البلاء إلينا في لبنان. ليس فقط في عرسال وجرودها، وإنما في طول الجمهورية وعرضها، حتى أنّه يندر حرفياً، وجود بلدة أو قرية أو مدينة، لا تئنّ من تداعيات تلك الترددات وأوجاعها خدماتياً وإنسانياً.. وفي بعض الحالات، أمنياً!
و"السياديون" يعرفون أكثر من ذلك: هذه معركة خيضت وفق حسابات إيرانية، مثلها (تكراراً) مثل غيرها على مدى سنوات النكبة. وجاءت لإكمال رسم الحدود (الموقتة!) للسلطة الشكليّة التي يقودها بشار الأسد.. وآخِر دافع لها، أو محرّك، أو محفّز هو ذلك المتّصل بـ"السيادة" اللبنانية! أو "تأمين الحدود" أو "الدفاع" عن القرى والبلدات البقاعية!
بديهيات مكرّرة، هي جزء من أساسيات الافتراق عن الحزب وسياسته وأدائه، لكنّها في اللحظة العرسالية هذه، صارت عند البعض تفصيلاً لا يُعتدّ به أمام "وطأة" الادّعاء التحريري والسيادي! أو بالأحرى التخريف السيادي!