الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تحليل إخباري: موسكو تستعجل تحريك التسوية وتوجه "رسائل تحذيرية" إلى دمشق

تحليل إخباري: موسكو تستعجل تحريك التسوية وتوجه "رسائل تحذيرية" إلى دمشق

22.10.2019
رائد جبر


موسكو
الشرق الاوسط
الاحد 20/10/2019
تستعجل روسيا ضبط مسارات التحرك على الصعيد الميداني على خلفية التطورات المرافقة للعملية العسكرية التركية في الشمال السوري لجهة انسحاب القوات الأميركية وتقدم القوات النظامية إلى مناطق ظلت مغلقة أمامها لسنوات.
لكن موسكو وهي ترصد المكاسب التي يمكن تحقيقها بسبب الوضع الناشئ، وتعمل على تسريع وتيرة النقاشات بين الأكراد ودمشق من جانب، وتوسيع قنوات الحوار الأمنية والعسكرية التي ظهرت بين أنقرة ودمشق من جانب آخر، تضع عينها الأخرى، على الآفاق التي يمكن أن يطلقها أول اجتماع للجنة الدستورية في جنيف أواخر الشهر الحالي. وكانت التحذيرات التي أطلقتها موسكو عند بدء العملية العسكرية التركية تكاد تنحصر في شقين؛ الأول، ضرورة عدم تأثير التوغل التركي على العملية السياسية برمتها، وهذا عكس مخاوف روسية من احتمال أن تؤدي إطالة أمد العملية العسكرية إلى مواجهة أوسع تقوّض الجهد المبذول لإدارة "معركة" الدستور المقبلة. الثاني، ضرورة ملء الفراغ الذي أحدثه الانسحاب الأميركي بشكل يضمن تعزيز أوراق موسكو والحكومة السورية التفاوضية.
لذلك، فإن زيارة الرئيس رجب طيب إردوغان إلى سوتشي الثلاثاء، ستكون لها أهمية خاصة من وجهة نظر الروس، لأن الكرملين يسعى إلى وضع التفاهمات التركية - الأميركية التي ما زالت غير واضحة بما يكفي لموسكو، في إطار العمل السريع لموسكو لتحقيق مكاسب من الوضع الحالي، لذلك لا يستبعد مقربون من الكرملين أن يتم التوصل إلى تفاهم على إطلاق حوار أوسع بين دمشق وأنقرة لإيجاد أرضية قانونية للتعاون في المناطق الحدودية لا تخفي موسكو أن اتفاق أضنة يوفر أساساً لها.
والمشكلة التي تواجه موسكو لم تعد تقتصر على المحافظة على بناء توازن دقيق يضمن مصالح "الحليف" التركي، ويعزز في الوقت ذاته مطالب موسكو بضمان الالتزام بمبادئ سيادة وسلامة الأراضي السورية. إذ تجد موسكو في التطورات الجارية فرصة نادرة ومهمة لدفع المسار السياسي كله وفقاً للتأويل الروسي للقرارات الدولية. لذلك يضع الكرملين رهانات واسعة على أن انطلاق عمل اللجنة الدستورية سيشكل نقطة تحول أساسية تقنع المجتمع الدولي بأن المسار الذي رسخته موسكو خلال الفترة الماضية ولم يكن مرضياً تماماً للغرب، بات الآن حاجة ملحة لكل الأطراف لمواجهة احتمالات انزلاق الموقف وتصعيد أكثر للتوتر، وللإفادة من التطورات الجديدة.
بهذا المعنى يغدو اجتماع الدستورية المقبل نقطة الاختبار الروسية الأساسية لفحص مجالات التقدم وسحب ذرائع اعتراضات الغرب.
لكن روسيا التي مرت بمرحلة مفاوضات صعبة جداً من أجل إنجاز تشكيل الدستورية، تواجه مشكلة أخرى لا يمكن من دون تسويتها حشد تأييد دولي وإقليمي لدعم التحركات اللاحقة، وهي تمسك النظام بما وصف بأنه "خطاب خشبي منفصل عن الواقع" وفقاً لمعلق تحدثت معه "الشرق الأوسط" أضاف أن "تمسك دمشق بالانطلاق في خطابها من موقف المنتصر في الحرب والساعي إلى إملاء شروط، ليس فقط يعكس انفصالاً عن الواقع وإمعاناً في تجاهل أهمية الدور الروسي في إنقاذ سوريا، بل ويؤدي إلى إبطاء حركة روسيا في محاولة حشد تأييد إقليمي ودولي لإطلاق عملية تسوية جادة".
انعكس هذا الموقف في تعمد موسكو توجيه رسائل غير مباشرة، أو تسريب مواقف عبر حلفاء وشخصيات ظلت مقربة من النظام ومن موسكو طوال السنوات الماضية. وكان لافتاً مثلاً أن السفير الفلسطيني السابق رامي الشاعر وهو مقيم في موسكو منذ سنوات ويعد من الشخصيات المقربة من الخارجية، كما لعب أدواراً مهمة خلال الأزمة السورية، كتب خلال الفترة الأخيرة مقالات عدة تحذر من خطر التمسك بخطاب النظام الحالي، وتدعو إلى إجراء تغييرات جدية وإطلاق عملية إصلاح شاملة.
وأعرب الشاعر عن استغرابه بعد خطاب رئيس النظام السوري بشار الأسد الأخير، مشيراً إلى أنه "كان يتوقع أن يستغل الأسد الوضع الحالي لإطلاق خطاب أكثر اتزاناً".
وزاد الدبلوماسي السابق: "ألم يحن الأوان أن تعي القيادة السورية أن عامة الشعب السوري لا يريد استمرار الوضع في هذا الشكل وأن الخطابات والمواقف التقليدية انتهى وقتها ولم تعد فعالة لا للاستهلاك الداخلي أو الخارجي بل يتقبلها الجميع بسخرية؟".
واتهم القيادة السورية "كما لو كانت تعيش في عالم آخر كأن الوضع في سوريا عادي، ولم تكن سيادة سوريا مهددة ولا يوجد دمار ومشاكل داخلية، مع عدم رضا الغالبية العظمى من الشرائح السورية ببقاء النظام كما هو".
تبدو العبارات لافتة في لهجتها وتوقيتها، خصوصاً أن هذه اللهجة تكررت عند أكثر من شخصية مقربة من روسيا خلال الفترة الأخيرة، ما يعكس توجهاً روسياً لنقل هذه الرسائل إلى النظام وإلى المجتمع الإقليمي والدولي، مع بدء التحضيرات للمرحلة المقبلة التي يجب أن تشهد وفقاً لموسكو تكريس "نهاية الحرب السورية" و"إطلاق العملية السياسية الجادة التي يمكن أن تحظى بقبول من جانب السوريين لتأييد من جانب المجتمع الدولي".
اللافت أكثر هو ربط هذه الدعوات مع التطورات الميدانية والسياسية التي جرت أخيراً؛ مثل الإعراب عن الاستغراب لأن "القيادة في دمشق لم تستوعب أن العملية العسكرية التركية في الشمال التي رافقتها الانسحابات الأميركية هي الفرصة الأخيرة والمناسبة للنظام وبوجود حليفين مثل روسيا وإيران لأن يبادر بخطوات عملية لانتهاج سياسة جديدة لتحسين العلاقة مع تركيا وإعادة انتشار الجيش السوري على الحدود في الشمال والبدء الفعلي والجدي بالإصلاح الدستوري والحوار السوري - السوري وتسوية أوضاع الجميع بما في ذلك الجيش السوري الحر، فهو جزء معارض من الشعب السوري وأغلبيته ضباط وجنود سوريون".
وبرزت تحذيرات من أن "النظام في دمشق لن تكون له فرصة أخرى، لكن هذا لا يعني أن سوريا ستنتهي، فهناك نضج دولي بعدم السماح بوقوع ذلك".