الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تفجيرات اسطنبول والقاهرة: المفارقات والتشابهات

تفجيرات اسطنبول والقاهرة: المفارقات والتشابهات

13.12.2016
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
الاثنين 12/12/2016
ضرب اعتداءان كبيران حاضرتي مصر وتركيا الكبيرتين: القاهرة واسطنبول يومي أمس وأمس الأول. ليست هذه المرة الأولى التي تحصل فيها هجمات إرهابية كبيرة تستهدف المدنيين الأبرياء في المدينتين الكبيرتين غير أن حصول التفجيرات في الفترة نفسها يمنحنا مساحة مهمّة لتحليل المفارقات والتشابهات بين البلدين بشكل يتوخى عدم تكرار الانحيازات التقليدية والقوالب النظرية المعتادة التي تلجأ إليها وسائل الإعلام عادة.
في مصر ستقوم السلطات وأجهزتها التنفيذية وأدواتها الإعلامية المتعددة بتحميل مسؤولية الهجمات لـ"الإخوان المسلمين" الذين تقبع أغلب قياداتهم من الصفوف الأولى والثانية والثالثة في السجون، وسيطالب بعض أبواق هذه الأجهزة بالضرب بيد من حديد على أوكار "التكفيريين الظلاميين"، كأنّ كل الحديد والقمع والقتل الذي جرى ويجري منذ فض اعتصام رابعة واستيلاء الجيش على السلطات والزج بأول رئيس منتخب في السجن ورفض أي خطّة للتسوية السياسية وما تبع ذلك من اضطراب عميق للمجتمع المصري… كل ذلك لا يكفي وبالتالي فإن ما لم ينجح بالحديد والقمع والقتل ينجح بمزيد من الحديد والقمع والقتل.
المفارقة الهائلة الأولى التي يرفعها تعرض تركيا هي أيضاً للاعتداءات والتفجيرات هي أن الحزب الحاكم فيها، "العدالة والتنمية"، هو طرف يعتبر قريباً جداً من "الإخوان المسلمين"، وتعتبره سلطات القاهرة، لهذا السبب بالذات، خصمها الأيديولوجي، رغم أنّ حكمه يواجه، بدوره، اعتداءات محمومة على مدنييه وعلى رموزه الأمنية كالشرطة والجيش.
الاستنتاج المنطقيّ المقبول من هذه المفارقة هو أن تركيا، بالصفة التي تتبناها سلطات القاهرة لها، كراعية لـ"الإخوان المسلمين" في العالم العربي، وبالتالي الجماعة نفسها كمحيط وامتداد للحوامل الأيديولوجية نفسها، لا يمكن أن تكون مسؤولة عن الاعتداءات الإرهابية التي تجري في مصر، رغم كل المحاولات المستميتة للأجهزة الأمنية المصرية لدفعها بهذا الاتجاه ولتلبيسها التهمة بأي ثمن (والذي، علينا الاعتراف، قد يسجّل بعض الاختراقات الطفيفة التي لا تغيّر في الاتجاه السياسي العام لجماعة الإخوان المسلمين).
الهدف من هذه الحجّة التي يستخدمها النظام المصري (وهي بالمناسبة اتجاه عربيّ ـ عالميّ عتيد) هو طمس الفوارق داخل تيّارات ما يسمى بـ"الإسلام السياسي" وذلك لإخفاء علائم الجريمة التي حصلت ضد المجتمع المصريّ والتي تهدف لعرقلة التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي واحتفاظ نخبة عسكرية ـ ماليّة بسلطات دكتاتورية تعيق حركة المجتمع والتاريخ.
أما الهدف الإقليمي العالمي لهذه الحركة التي ترفع شعارات مكافحة "الإرهاب" و"التكفير" و"الظلامية"، من جهة، و"الدفاع عن الجيوش الوطنية" و"السيادة" و"الوحدة الجغرافية للدول" هو، ببساطة، تأبيد أنظمة الهمجية والتوحش والطغيان، المنتهكة السيادة بجيوش عابرة للحدود تديرها الطغمة المالية ـ الأمنية الروسية، وأحزاب وميليشيات وتوابع إيران، وأحزاب اليمين المتطرف في الغرب الكارهة للعرب والمسلمين والمهاجرين والأقليات.
قلوبنا مع ذوي المدنيين الأبرياء الذين سقطوا يومي أمس وأمس الأول، من الأقباط المصريين الذين كانوا يمارسون صلوات الأحد في كنيستهم، إلى أنصار الفرق الرياضية التركية الذين ذهبوا للفرجة والتمتع بالحياة، وعناصر الشرطة الذين سقطوا دفاعا عن أمن بلادهم، والخزي للمجرمين الإرهابيين.
من نافل القول إذن أن صدّ هذه الاعتداءات، في مصر أو تركيا، لا يمكن أن يكون أمنيّاً وعسكريّاً بل بمعالجة الأسباب السياسية لتلك الاعتداءات وإلا فإن مصير المنطقة كلّها إلى تدهور مريع.