الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تجريب السلاح الروسي في سورية… وسيلة غير نظيفة لأهداف غير نظيفة

تجريب السلاح الروسي في سورية… وسيلة غير نظيفة لأهداف غير نظيفة

27.05.2019
نبراس إبراهيم


جيرون
الاحد 26/5/2019
بشكل لا يخلو من الاستعراض، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: إنّ فضل العملية العسكرية في سورية كان كبيرًا؛ لأنها كانت السبب في الكشف عن عيوب في الطائرات والمروحيات الروسية!
وأوضح بوتين، خلال اجتماع عسكري في مدينة سوتشي الروسية في 15 أيار/ مايو الجاري، أنّ “الاستخدام القتالي للطائرات الروسية في سورية كشف عن أوجه قصورٍ فني في المقاتلات والمروحيات”، وأضاف أنه “كان من المستحيل الكشف عن ذلك أثناء الاختبارات في ميادين التدريب العادية”.
إذًا، لا يشعر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتأنيب ضميرٍ، حين يُعلن أن سورية باتت بالنسبة إليه حقل اختبار وتجريب للأسلحة الروسية، ولا يشعر بقسوةٍ إنسانية حين يقول: إن مصانع الطائرات الحربية الروسية حسّنت إنتاجها وصححت أخطاءها الصناعية، عبر قصف السوريين وتدمير البنى التحتية ونشر الموت في كل مكان من الأرض السورية.
في هذا الوقت، يأمل السوريّون أن يقوم الرئيس الروسي بالاستجابة لإرادتهم، وينصاع لقرارات مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في سورية، ووضع نهاية لحرب النظام على الشعب، والانتقال إلى العملية السياسية، والتغيير السياسي الجدّي الذي يوصل إلى دولة تعددية ديمقراطية،
ولكن يخرج بوتين متفاخرًا في خطابه ليقول للعالم: “إن العالم يعرف الآن أسماء كل الأسلحة الروسية الرئيسية بعد عملية سورية”، كما قال قبل سنة في جلسة من جلسات البرلمان الروسي، ويؤكد نجاعة العملية الروسية الجارية في سورية، لكونها تُظهر زيادة قدرات بلاده الهجومية والدفاعية.
ليست المرة الأولى التي تتفاخر روسيا بتجريب أسلحتها في سورية، إذ تحدث يوري بوريزوف نائب وزير الدفاع الروسي، في أغسطس 2017، عن تجريب أكثر من 600 سلاح عسكري جديد في مختلف العمليات العسكرية في سورية.
وأضاف: “لن نبالغ، إذا أكدنا أنّ خبراء المجمع الصناعي الحربي كانوا بجوارنا في سورية، وقاموا بتحديد العيوب، وإدخال تعديلات في الوثائق الخاصة بتصميم الأنواع الحديثة من الأسلحة والمعدات، بعد اكتشاف أيّ عطلٍ أو خطأ في التطبيق”.
سورية حقل تجارب للسلاح الروسي
قال رئيس اللجنة العلمية العسكرية، التابعة للقوات المسلحة الروسية، الفريق إيغور ماكوشيف، العام الماضي: “لأول مرة في تاريخ القوات البحرية الروسية جرى إطلاق سلسلة صواريخ مجنحة (كاليبر)، من غواصة مغمورة بالمياه، إن استخدام أسلحة عالية الدقة، ومتمركزة في البحر، سمح لنا بإصابة أهدافٍ تبعد 1.5 ألف كيلومتر بالدقة المطلوبة”.
وأضاف ماكوشيف، في اجتماع طاولة مستديرة في منتدى (آرميا): “إن نتائج تجارب أسلحةٍ عالية الدقة وبعيدة المدى في سورية، أكدت إمكانية التواجد العسكري للقوات البحرية الروسية، في المناطق النائية في المحيط العالمي في حالة الاستعداد القتالي”.
تقول الإحصاءات الرسمية الروسية: إنّ الروس اختبروا أكثر من 600 نموذج لأسلحةٍ ومعداتٍ عسكرية حديثة في سورية، وإن 90 بالمئة من الأسلحة التي تم اختبارها حتى الآن قد استوفت توقعات الكرملين، وتشدد تلك الإحصاءات على أن العسكريين الروس اكتسبوا الخبرات في ضرب الأهداف بأسلحة عالية الدقة وبعيدة المدى،
ووفق تلك الإحصائيات، فإن أكثر من 14 ألف تجربة لمختلف أنواع السلاح الروسي تمت في سورية منذ التدخل العسكري لموسكو، في أيلول/ سبتمبر 2015، بهدف تطوير القدرة العسكرية الروسية، للتغلب على المنافسين العالميين، وإن روسيا كان عليها تسجيل ابتكاراتٍ متسارعة في المجال العسكري، وكان المكان لتجريب وتأكيد تلك الابتكارات هو سورية.
منذ أن بدأ التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية عام 2015، قام سلاح الجو الروسي بأكثر من 45 ألف طلعة جوية، شملت، وفق خبراء، 125 ألف هجوم على الأرض، وتؤكد ورقة للمعهد البولندي للشؤون الدولية أن خلال تلك الطلعات جُرِّبت مقاتلات (سوخوي 35) ومروحيات (مي 35) القتالية الحديثة، واستخدمت لأول مرة مروحيات (مي 8) و(مي 24) و(مي 28)، وعربات مدرعة من طراز (BMPT72).
في تقريرٍ روسي، نجد أن روسيا أرسلت إلى سورية طائرتين مقاتلتين من الجيل الخامس المتطور (سوخوي 57) وهما في مرحلة الاختبار والتجريب، قبل أن تعتمدها القوات المسلحة الروسية في الخدمة، لاختبار معدات الرادار المزودة بها في ظروف قتالية قريبة من الواقع، وهذه الظروف لا تتوفر إلا في سورية.
بروباغندا إعلامية روسية لترويج السلاح الروسي
يقول الروس إنهم حاربوا “الإرهاب” فقط، ووفق رئيس لجنة شؤون الدفاع في مجلس الدوما للبرلمان الروسي فلاديمير شامانوف، فإن القوات الجوية الروسية قضت على 60 ألف مسلح، بينهم نحو 3 آلاف شخص من روسيا. لكن جميع التقارير تؤكد أن الأرقام الروسية خلّبية، فلم يذكر أي تقرير دولي أو حقوقي أن سورية تحوي هذا العدد من المقاتلين المصنفين ضمن التنظيمات الإرهابية، وهي محصورة ضمن تنظيم “الدولة الإسلامية” وتنظيم جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام).
تريد روسيا أن تحقق من الحرب السورية مكاسب مادية متزايدة، وأن ترفع نسب بيع أسلحتها عالميًا، وتريد تطوير ترسانتها العسكرية، وأن يرى منافسوها والمشترون المحتملون مدى قوتها الدفاعية، وقد حققت شيئًا من هذا النجاح، فقد ارتفعت حصة الأسلحة الحديثة في روسيا بنحو 3.7 مرة في السنوات الأخيرة.
وتسيطر روسيا على نحو 25 بالمئة من صادرات الأسلحة في العالم، وتُعدّ سورية حقل اختبار لهذه الأسلحة، وساحة للتجريب والتعليم والتدريب، ولا يعنيها أن تُخطئ هذه الأسلحة أو تفشل في تجاربها، كما لا يعنيها أن تحصد أرواح آلاف المدنيين من أطفال ونساء، ولا يعنيها أن تتحول المشافي البسيطة والمستوصفات في مناطق سيطرة المعارضة إلى حممٍ من نار، وتحصد أسلحتها التجريبية أرواح المرضى والأطباء في هذه المستوصفات، وكذا الحال في المدارس والأسواق، وكل ما يهمها أن تنجح أسلحتها في الاختبار، أو أن يتعلم مقاتلوها ويصقلوا مهاراتهم في سورية، وأن يكون للحرب السورية الفضل في تعديل وتحسين نوعية الأسلحة التي ستُستخدم من جديد لقتل السوريين.
كل ما يعني الروس أن يُسوّقوا لأسلحتهم، وأن يبيعوا بمليارات الدولارات أسلحة جديدة، وأن يصنعوا جيلًا جديدًا من الأسلحة ذات القدرات القتالية العالية، بعد أن أفرغوا مخزونات أسلحتهم القديمة البالية ومنتهية الصلاحية فوق رؤوس السوريين، وبالفعل وصلت طلبات الأسلحة الروسية إلى 50 مليار دولار، وباتوا -وفق الإعلام الروسي- قادرين على تغطية 30 بالمئة من سوق الطائرات العسكرية العالمية متجاوزين بذلك حصة الولايات المتحدة.
على صعيد آخر، تُضخّم الآلة الإعلامية الروسية بطريقة مثيرة للسخرية، نوعية الأسلحة الروسية، وتتحدث عن “الرادار الذي يرى داخل الطائرات”، و”الغواصة التي لن يكتشفها الجيش الأميركي”، و”الطائرة القادرة على تُدمير كل صواريخ أميركا”، و”الدبابة التي أرعبت أوربا”، و”الأسلحة التي تقوم بمحاصرة الإرهابيين وحدها”، و”الأسلحة المخصصة لسحق مقاتلي داعش بالتحديد”، هكذا بالحرف.
عملاء جدد للسلاح الروسي بعد الحرب السورية
يقول الإعلام الروسي إنّ العملاء المحتملين للسلاح الروسي زادوا كثيرًا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وباتوا يثقون بالسلاح الروسي بعد أن تم تجريبه واختباره ضد السوريين، وأثبت فعاليته على أرض المعركة في سورية.
في هذا الصدد نقلت صحيفة (كوميرسانت) الروسية عن مصدر مقرب من هيئة الصادرات العسكرية الروسية قوله: “في سورية حققنا هدفين، الأول أننا أثبتنا تمتعنا بقدرات قتالية عالية، وامتلاكنا تكنولوجيا عسكرية متطورة وهذا جذب المشترين. أما الهدف الثاني الذي حققناه فهو أننا اختبرنا أكثر من نصف أسطولنا العسكري في ظروف قتالية صعبة”. كما قال نائب وزير الدفاع الروسي، يوري بوريسوف: “بدأ العملاء بالاصطفاف من أجل الأسلحة التي أثبتت نفسها في المعركة”.
وقال مدير مصنع (شكالوف نوفوسيبيرسك) الروسي للطائرات الحربية سيرغي سميرنوف: “بعد بدء الحملة العسكرية الروسية في سورية، طلبت الجزائر من روسيا في ديسمبر 2015، 12 قاذفة من طراز (سو 32)… والعملية العسكرية الروسية في سورية شجعت الجزائر على اتخاذ قرارها وأعطت زخمًا إيجابيًا للصفقة”، صارت روسيا تُعلن عن “شروط دفع مرنة” للراغبين في شراء أسلحتها، واستعدادها للمبادلة بنفط أو أحجار ثمينة وقطن وغيرها.
تجار الحرب لن يكونوا عرّابي السلام
يراهن بوتين في حربه السورية على بيع الأسلحة، ويأمل أن تفتح هذه الحرب أبواب المال لخزائنه، ويدعو زبائنه لمشاهدة ما تفعله أسلحته في سورية، وطريقة قتل السوريين دون حساب. ووفق آخر تقرير سنوي للشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن روسيا ارتكبت حتى سبتمبر 2018 ما لا يقل عن 321 مجزرة، وقتلت أكثر من 6200 مدني، ثلثهم من الأطفال، وقامت بـ 954 اعتداء على مراكز حيوية ودمرتها، ومنها مشافي ومدارس وأسواق وقوافل مساعدات، واستخدمت قذائف عنقودية محرمة دوليًا أكثر من 232 مرة، وأسلحة حارقة 125 مرة، وساهمت في تشريد نحو 2.7 مليون سوري.
ربما تتفق مصالح واشنطن وروسيا في هذا المجال، وتتفق أهدافهم في تأجيج بؤر الصراع في العالم لضمان ازدهار صناعة الأسلحة، لكن ما يجعل روسيا أكثر “دناءة” تحويلها وسائل الإعلام الرسمية لسمسار أسلحة، يتابعه الصغار والكبار، بينما تعتمد الولايات المتحدة على أقنية خلفية، عبر شبكات دولية فاسدة متخصصة بهذا المجال.
لسنا هنا بوارد إضافة دناءة أخرى لبوتين، فلا حاجة لتوسيع النهر بجدول صغير، لكن أن يستخدم سورية حقل تجارب، فهذا أمر فوق الدناءة بمستويات، والنظام الذي يقبل أن تصبح بلده حقل تجارب، من الصعب تقييمه بكلمات، ومشكلة السوريين أن أحد خصومهم تاجر سلاح، والآخر تاجر حقول تجارب، وعزاؤهم الوحيد بِحِكَمِ التاريخ، التي قالت: إن من كان خسيسًا، يعيش وضيعًا وسيموت كذلك.
تجريب روسيا أسلحتَها في سورية جريمة حربٍ بحد ذاته، وعمل لا أخلاقي إنسانيًا وقانونيًا، ووسيلة غير نظيفة لتحقيق أهدافٍ سياسية واستراتيجية ومالية. وفي الأساس، إن تواجدها في سورية لحماية النظام السوري أمرٌ غير مبرر، وتدخّل في شؤون الدول الأخرى، وحطٌّ من قيمة الشعوب التي تسعى لنيل حريتها، وبناء أنظمتها السياسية الديمقراطية التعددية التداولية. وبقيت موسكو تتحصن دائمًا بفيتو، استخدمته 12 مرة ضد قرارات يمكن أن تحاسب النظام السوري وتحاسبها، ومن هذا المنطلق، لا يمكن الوثوق بحلول سياسية تقودها هذه الدولة، مهما كانت مزيّنة من الخارج بوعود برّاقة.