الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تفاقم كوارث قوارب الموت والضمير الإنساني الميّت

تفاقم كوارث قوارب الموت والضمير الإنساني الميّت

25.04.2015
علي الرشيد



الشرق القطرية
الخميس 23-4-2015
لا يزال نزيف الموت غرقا يتواصل في عرض البحر الأبيض المتوسط عبر ما يسمى بقوارب اللاجئين السرّيين أو غير الشرعيين، محدثا مزيدا من الكوارث والفواجع الإنسانية غير المسبوقة دون أن يتحرك الضمير الإنساني العالمي.
في مطلع الأسبوع الحالي ثمة خشية أعربت عنها المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة من أن يكون 700 شخص لقوا مصرعهم في غرق قارب مكتظ بالمهاجرين، قبالة الشواطئ الليبية، في كارثة تعد الأسوأ حتى الآن في البحر المتوسط، فيما تحدثت السلطات في إيطاليا ومالطا بعد هذه الفاجعة بيوم عن أنها تعمل من أجل إنقاذ قاربين على الأقل أرسلا نداءات استغاثة.
ويبدو أن الوضع مرشح لمزيد من هذه الكوارث الإنسانية التي يبدو أن غالبية ضحاياها هم من العرب الذين تعاني بلادهم من ويلات الحروب والاقتتال وفي مقدمة هذه الدول سوريا، والعراق، خصوصا مع قدوم فصل الصيف من جهة وتواصل أزمة البلدين ،وارتفاع موجات النزوح واللجوء منهما دون أن تلوح بارقة أمل في الأفق من جهة أخرى.
تَواصلُ رحلات القوارب غير الشرعية التي تحمل على متنها أسرا وأطفالا صغارا ونساء من ليبيا وغيرها رغم ما يحفّها من مخاطر ومآس متوقعة تأتي تعبيرا عن حالة الإحباط الشديد التي وصل إليها الأفراد المهاجرون والتحديات والمصاعب التي تواجه حياتهم في ظل فقدان الأمن والمأوى وفرص التعليم والرزق بنسب متفاوتة، رغم توقعهم المُسبَق لحجم الأهوال التي يرجح أن يتعرضوا لها بما في ذلك الموت، فيما يدير العالم ظهره لمأساتهم الإنسانية التي دخلت عامها الخامس.
مشكلة المجتمع الدولي بحقّ هؤلاء اللاجئين مركَّبة ومُضَاعفة، فهو من جهة لم يضع حدا لمعاناة شعوب الدول المشار إليها، ولم يتخذ إجراءات وقائية تحد من تفاقمها وازدياد وتيرتها خصوصا في البدايات، فقد طالبت هذه الشعوب بمنطقة عازلة يمكنها أن تقيهم شر القصف والبراميل المتفجرة أو تدخلا لوقف المجرم عن إجرامه، ولكن دون جدوى، وهو من جهة أخرى لا يبدي اكتراثا ملحوظا لموت الآلاف من هؤلاء المهاجرين سنويا وهي متجهة نحو أوربا ، بل ربما اتخذ إجراءات تفضي بشكل أو بآخر بمزيد من أعدادهم للموت غرقا. ولعل هذا مادفع رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي للتصريح بعد أن طمى الخطب إلى أن وصل حد الفضيحة بأن "مصداقية" أوروبا على المحك وأنه حان الوقت كي "تتحرك". مشددا على أنه "ينبغي أن يأتي الرد من أوروبا، والكلام لم يعد كافيا. عليها أن تتحرك. نحن الأوروبيين نجازف بفقدان مصداقيتنا إن عجزنا عن تجنب أوضاع مأساوية تجري يوميا".
في العام الماضي كان السجل المفجع للمهاجرين الذين لقوا حتفهم عبر قوارب الموت المتوجهة لأوربا 3500 شخص، فيما يتوقع أن يكون العام الحالي أسوأ خصوصا بعد أن تمّ تعليق عملية البحث والإنقاذ التي كانت تقوم بها القوات البحرية الإيطالية، التي تعرف باسم "بحرنا"، في نوفمبر 2014 والتي ساهمت في إنقاذ حياة أكثر من 150.000 شخص ولم يتم استبدالها بعملية بذات القدر من الإمكانيات والنطاق الجغرافي.
ورغم ما حدث فإن المفوضية الأوروبية لم تقدّم أيّ إشارات على أنها تعتزم إدراج مهمة البحث والإنقاذ الممولة من الاتحاد الأوروبي في سياستها الجديدة المتعلقة بالهجرة، والمتوقعة في مطلع شهر مايو المقبل بحسب شبكة (إيرين)، كما أنها لم تقدّم بدائل أخرى بعد توقفها عن ممارسة مهمة الإنقاذ ، فضلا عن أنّها لم تعدّل من سياساتها في قبول طالبي اللجوء السياسي والإنساني وإعادة توطينهم ومنحهم الجنسية ( تقبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي تسعة بالمائة فقط من اللاجئين الذين يعاد توطينهم على الصعيد العالمي وهي نسبة متدنية)، كما أنها ماتزال تمارس سياسة إقامة بناء الأسوار على الحدود البرّية، ولم يخفف حرس هذه الحدود من إجراءاتهم المشددة التي تقضي بردّ المهاجرين مرة أخرى وحرمانهم من الحصول على اللجوء، لذا يبقى ركوب البحر هو المنفذ الوحيد والمتاح للذين أجبرتهم ظروفهم للجوء.
وبحسب منظمات حقوقية دولية ومنها "هيومن رايتس ووتش" فإنّ تقليص عمليات مراقبة الحدود وليس تعزيزها، وإنشاء قنوات آمنة وقانونية للوصول إلى الاتحاد الأوروبي هي الحلول الدائمة فقط إلى الأزمة المتفاقمة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
الضمير الإنساني الدوليّ على المحكّ اليوم خصوصا أنّ قوارب اللاجئين رغم مخاطر الموت ستتواصل نظرا لتواصل أزمات البلاد التي يتدفق منها هؤلاء اللاجئون وبخاصة سوريا ..فهل سيصحو هذا الضمير أم سيظل في سباته كماهو متوقع؟!