الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بين ضحايا الأسد ومعارضيه 

بين ضحايا الأسد ومعارضيه 

01.08.2021
حسن النيفي

 
سوريا تي في 
السبت 31/7/2021 
لقد حاز بشار الأسد إبان توريثه الحكم، من عوامل القوة ما لم يكن مُتَوقعاً، ففضلاً عن ولاء حاشيته وجميع رموز الحكم في الجيش والمخابرات، فإن الموقف العربي والدولي كان مُبارِكاً له وبقوّة، ولو كانت لديه – آنذاك -  أي نزعة او رغبة في تحسين علاقة سلطته بالشعب السوري لفعل ذلك، وبالطريقة التي يحددها ويختارها هو، لغياب أي شكل من أشكال الضغط عليه، وربما لو فعل شيئاً من هذا، لظهر أمام مؤيديه وحاشيته وربما كثيرين سواهم -  بمظهر القائد الأعظم صاحب الفضل الكبير والمنّة العظيمة، إلّا أنه لم يفعل، انسجاماً مع اعتقاده وتصوّره بأن زحزحة أيّة بحصة من مكانها، ربما تتبعها انزلاقات أخرى قد تجعل الهرم الرملي يتداعى بحصةً تلو أخرى. 
ربما أفلح بشار الأسد في مقتبل توريثه السلطة في مشاغلة الرأي المحلي والدولي بما سُمّي زوراً ومخادعةً بمشروع الإصلاح، وربما نجح في صرف الأنظار عما واكب عملية التوريث من إجراءات هزلية، لعل أبرزها تعديل الدستور بدقائق، ليناسب عمر بشار الذي لم يتجاوز آنذاك خمساً وثلاثين سنة. ولكن على الرغم من كل ذلك، فإن الكوابح الحقيقية التي تحول دون إقدام الحكم الأسدي ، سواء في حقبة الأب أو الأبن، على أي خطوة إصلاحية من شأنها أن تغيّر في نمط ممارسة السلطة،  إنما تعود إلى تصوّر النظام لماهيّة السلطة أولاً، إذ لم يخامر الشك رأس النظام ولا لمرة واحدة، بأنه ليس حاكماً لدولة، بل هو مالك لعقار اسمه سوريا، وجميع ما يدب فوق هذا العقار هو ملك له، ومُسخّر لبقائه وديمومته في السلطة، ولعلّ هذا ما يفسّر التوحّش المطلق للنظام حيال كل من تعاطى السياسة كحق مشروع في نقد سلوك السلطة، إذ ربما بدا ذلك – وفقاً للأسد – على أنه عقوق سافرٌ، يستوجب أقصى درجات العقوبة. 
ربما استطاع الأسد أن يوهم كثيراً من مؤيديه بمشروعية حربه على السوريين، باعتباره المدافع عن البلاد في وجه المؤامرة الكونية التي تستهدف سوريا، وربما استطاع أيضاً أن يوهم المجتمع الدولي بأن ما يجري في سوريا لا يعدو كونه نزاعاً أهلياً سببه الإرهاب المتسلل من الخارج، وأن النظام هو أحد أطراف النزاع، وليس جذره الحقيقي وسببه المباشر، وربما استطاع كذلك ، أن يوهم  من ادّعوا أنهم خصومه ومعارضوه ، بعبثية المفاوضات والمساعي الرامية إلى إيجاد حلّ سياسي لقضية السوريين، ولكنّ إقناع الملايين من ضحاياه، سواءٌ الذين قضوا بقصف طائراته وبراميله، أو الذين ماتوا اختناقاً بعدوانه الكيمياوي، أو الذين يكابدون الشقاء في سجونه، أو الذين ماتوا غرقاً في البحار، أو الذين نزحوا أو تهجروا، هؤلاء أولياء الدم والوجع والقهر، هم وحدهم، يصعب إقناعهم بأن نظام الأسد يصلح للاندماج بالمنظومة الإنسانية للبشر، ولعلّ هؤلاء وحدهم – أيضاً – يدركون جيداً أن مواجهتهم مع نظام الأسد هي مواجهة وجودية، لا تحتمل بقاء الطرفين معاً، ذلك أن الضامن الحقيقي لبقاء الأسد هو قبول الطرف الآخر بعدمية إنسانية ترفضها الفطرة السليمة للكائن البشري. 
المفارقة التي أنتجتها عشر سنوات من عمر مأساة السوريين، إنما تكمن في تبلور تصوّرين اثنين لماهية نظام الأسد، يظهر التصوّر الأول في وعي وأذهان ضحايا النظام من السوريين، ويظهر التصور الثاني في وعي وأذهان معارضيه، أو من ادّعوا ذلك، ولعل المشكلة تزداد تعقيداً حين يتجاوز التصوّران مرحلة التحاور والتكامل، ليصلا مرحلة التضاد والتدافع والصراع، ولئن كان ضحايا الأسد يعتقدون أن بقاءه يعني نفياً لوجودهم أولاً، فضلاً عن كونه نفياً للعدالة والقانون وما نصّت عليه الشرائع الإنسانية، وبالتالي فإن العمل على مواجهة هكذا نظام ينبغي أن ينبثق عن تصوّر دقيق لطبيعته التي لا تقبل التبدّل أو التغيير، بل لا يمكن إحداث أي خلخلة في بنيانها من دون امتلاك أدوات قوّة صلبة ربما يفتقدها السوريون في الوقت الراهن، ولكن افتقادها لا يجيز استبدالها بوسائل أو أدوات رخوة تعمل على تقوية الخصم أكثر من إضعافه، في حين ما يزال يعتقد معارضو الأسد ، وتحديداً ممّن ينخرطون في الكيانات الرسمية للمعارضة، أن الطريق الوحيد والأمثل لمواجهة حاكم دمشق، هو التفاوض وفقاً لما نصّت عليه القرارات الأممية، إلّا أن الجميع بات يعلم أن القرارات التي تصدرها الأمم المتحدة بخصوص القضية السورية لا تحمل أي صفة إلزامية، فضلا عن أن تلك القرارات باتت موضع ابتزاز والتفاف من الحليف الروسي للنظام الذي أفلح هو الآخر – من الناحية الفعلية – بإفراغ تلك القرارات من محتواها الجوهري، واختزلها بمسار عبثي يُدعى ( المسار الدستوري ) الذي تنافست الدول على حشد كلّ أدواتها ومخبريها في لجنته التي بلغت ( 150 عضواً). لعل الصورة أو الحال الذي انتهت إليه تلك اللجنة بات يلبي حاجة لدى الطرفين المتفاوضين، ولا تكمن تلك الحاجة في الرغبة بإيجاد حل في نهاية النفق، بقدر ما تكمن في أن وجود تلك اللجنة وعملها بالطريقة الراهنة، إنما يتيح – من جهة – لنظام الأسد مزيداً من استثمار الوقت والمماطلة ومشاغلة الرأي العام ، والإيحاء بأنه يتعاطى إيجابياً مع المسار الأممي، بينما هو مستمر في نهجه الإجرامي في قتل السوريين وتشريدهم، وفي الوقت ذاته يتيح – من جهة أخرى – لوفود المعارضة مزيداً من الوقت لتأدية أدوارهم الوظيفية التي تم تحديدها من الدول الراعية حيال إدارة الصراع في سوريا. 
الغالب لدى ضحايا الأسد، هو تصورهم القائم على أن فكرة تغيير النظام في سوريا لا يمكن أن تأتي – وفق موازين القوى الراهنة – عبر محاولات تعديل الدستور، أو حتى تغييره جذرياً، طالما أن الطرف القابض على السلطة يعدّ نفسه فوق أي دستور أو أي قانون، بل ربما يعتقد هؤلاء أن نظام الأسد بالمجمل يغتصب سوريا منذ أكثر من نصف قرن ولا يمكن أن يتخلى عن هذه ( المزرعة) إلّا إذا انتزعت منه انتزاعاً، أو إذا انتُزِعُ النظام نفسه، وفي ضوء غياب أدوات ووسائل انتزاعه، فإنه من غير المجدي الاستمرار في إعطائه مزيداً من مبررات القتل والتنكيل، وربما الأجدى هو العمل على إيجاد استراتيجيات أخرى لمواجهته. 
لعلّ الثابت الأكثر وضوحاً أن التباين بين وجهتي نظر ضحايا الأسد من جهة، ومعارضيه من جهة أخرى، إنما يجسّد مجالين منفتحين وقابلين للاتساع، يتسع الأول لأوجاع مزيدٍ من أهالي الضحايا والمعتقلين والمشردين واللاجئين، ويتسع الثاني لمزيدٍ من المشتغلين في الكيانات الوظيفية والمنصات ذات التصنيع الدولي والإقليمي.