الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بين "سوتشي" و"جنيف"

بين "سوتشي" و"جنيف"

05.12.2017
يونس السيد


الخليج
الاثنين 4/12/2017
الأيام القليلة التي قضاها المفاوضون السوريون في جنيف مع بداية الجولة الثامنة، كشفت الكثير مما كان يعتقد أنه مخبأ لمراحل قادمة، وأفصحت عن رسائل في غاية الأهمية، أقلها حدود الرهان على مجمل مسار جنيف ذاته، والتذكير بأن هناك بدائل لهذا المسار في سوتشي وأستانة.
"حوار الطرشان"، إن جاز التعبير، الذي حدث في جنيف، وانسحاب وفد النظام ورهن عودته إلى المفاوضات بموافقة دمشق، لم يكن مصادفة، أو رداً على بيان المعارضة في الرياض فحسب، وإن كان ذلك جزءاً محسوباً في حركة الوفد، بقدر ما يشي أن هناك تكتيكاً جديداً للنظام يستند إلى أن الظروف تغيرت بسبب إفرازات الواقع الميداني، إلى جانب المتغيرات الإقليمية والدولية. ظهر ذلك جلياً في تأخر وفد النظام عن افتتاح الجولة الثامنة لمفاوضات جنيف، وطريقة التحاقه بها، حيث يقال إن ضغوطاً كبيرة مورست عليه من جانب موسكو، ومعها تعهدات من الأمم المتحدة برفض أي شروط مسبقة، وفي الطريقة التي تعامل بها مع مجريات المحادثات، حيث أعلن رفضه للمحادثات المباشرة، ووجه انتقادات مباشرة للمبعوث الأممي دي ميستورا لعدم تشاوره مع دمشق قبل طرح وثيقته المؤلفة من 12 بنداً للنقاش، ثم مطالبته بوضوح بأنه لن يتعامل بجدية مع هذه المفاوضات، ما لم يتم سحب بيان المعارضة من التداول.
هذه المؤشرات التي توّجها وفد النظام بالإصرار على مغادرة جنيف، رغم حماس دي ميستورا وإعلانه عن تمديد الجولة حتى منتصف ديسمبر، تشي بأن دمشق بدأت تأخذ في حساباتها مبكراً إفرازات الواقع الميداني، وربما تحوّل أنظارها منذ الآن نحو "سوتشي" التي تأجلت إلى فبراير المقبل، في وقت كان الجميع، بما في ذلك موسكو وواشنطن ومعظم عواصم العالم، يشدد على أن مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة هو القاعدة الوحيدة لحل الأزمة السورية. لكن السؤال، هل كان ذلك ضمن خطة تنفذها دمشق بعلم موسكو لإظهار فشل مفاوضات جنيف، وإثبات أن الحل يكمن هناك في مسار أستانة - سوتشي كبديل عملي نجح على نحو ما، في الحد من إطلاق النار عبر مناطق "خفض التوتر" رغم الخروقات الخطيرة، أم أن دمشق تناور وتمارس تكتيكاً مختلفاً يأخذ في الاعتبار كل هذه القضايا لإجبار المعارضة على التراجع وخفض سقف توقعاتها، وهو الأمر الذي يبدو أن المعارضة كانت تأخذه بالحسبان، عندما رفعت هذا السقف في بيانها الأخير، وطالبت برحيل رئيس النظام مع بداية المرحلة الانتقالية.
سؤال لن تتأخر الإجابة عنه في الأيام القليلة القادمة.