الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بين بيدرسون و"العدالة التصالحية" وبشار الأسد 

بين بيدرسون و"العدالة التصالحية" وبشار الأسد 

24.12.2020
موفق نيربية



القدس العربي 
الاربعاء 23/12/2020 
خلال اجتماع لمجلس الأمن عبر الفيديو في 16 ديسمبر، استمع مندوبوه فيه أيضاً إلى تقارير عن الوضع الإنساني المرعب في سوريا، قال غير بيدرسون المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا: "عندما ننظر وراءنا إلى عام 2020، نجد عنصرين للبناء عليهما – هدوءا نسبيا بدون تغيير في خطوط الجبهات منذ مارس 2020، ولجنة دستورية". 
وبينما نتطلع إلى عام 2021، نجد أنفسنا في حاجةٍ إلى عملية أعمق وأوسع: وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، وصياغة دستورية جوهرية، وجهود أوسع لمعالجة عدد من القضايا، من بينها إجراءات لبناء الثقة، والحركة خطوة بخطوة". وقال إن الحل السياسي وحده هو الذي يمكنه إنهاء المعاناة، ومنع تجدد الصراع وجلب الاستقرار، وحماية المدنيين والمنطقة كلّها من المزيد من الأخطار الجسيمة. كما دعا إلى شكل جديد من التعاون الدولي بشأن سوريا، بمشاركة الأطراف الرئيسية والقضايا الرئيسية أمامنا.. ولبّ القول ما قالت حذامِ، كما قيل في الأثر العربي. 
كان يقدّم إحاطة إلى مجلس الأمن، بعد أن نجح في جمع اللجنة الدستورية المصغرة في جنيف، التي انعقدت في الفترة من 30 نوفمبر إلى 4 ديسمبر. وخلال تلك الجلسة، واصل أعضاء اللجنة حوارهم الأصمّ حول "الأسس والمبادئ الوطنية". تقدّم الوفد الحكومي بثمانية "أسس ومبادئ وطنية" حسب اعتقاده، تدور في معظمها حول توصيات بدعم حكومة الأسد، في حربها على الإرهاب، ودعم "الجيش العربي السوري" وتعزيز "الهوية الوطنية" بمحدّداتها من حيث العلم والنشيد الوطنيين، ومطالبة المجتمع الدولي بدعم تلك الحكومة في سياستها التي تخص اللاجئين وعودتهم، مع مطلب إضافي يعلق برفع "الأذى عن الشعب" في إشارة إلى العقوبات الخارجية. في حين تقدّم وفد هيئة التفاوض المعارضة بورقة تحتوي على 23 نقطة حول مجموعة من المبادئ، بما في ذلك سيادة البلاد وسلامة أراضيها، والعلاقات الدولية، والالتزام بالقانون الدولي، والهوية الوطنية والتنوع الثقافي، والديمقراطية والتعددية السياسية وسيادة القانون، وحول فصل السلطات، الفساد والإرهاب والمواطنة وعودة اللاجئين والحقوق والحريات والمبادئ الاجتماعية والاقتصادية. وقد أشار بيدرسون إلى أن تلك النقاط قد تمّ بناؤها على أساس "المبادئ الأساسية الـ 12 الحية" التي كانت من مخرجات مؤتمر سوتشي.. وتم تقديم تلك النقاط الموسّعة كتطوير لسابقتها المتفق عليها، لتشكل جزءًا من المبادئ الأساسية لدستور جديد.. ولم تقم جماعة المعارضة بإطلاعنا – بشفافيتهم المعهودة- بعد على ما تقدّموا به في جلسات جنيف تلك، مع أن نصر الحريري كاد يشرحها في آخر كلمة له، ثم لم يفعل. وتابع بيدرسون بعد ذلك، فأشار إلى أن بعض أعضاء المجتمع المدني في الوفد الثالث الحيادي رسمياً، تقدّم بنقاطً حول شروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين، وأشار أيضًا إلى القضايا ذات الصلة مثل، إعادة المساكن والأراضي والممتلكات، والعدالة الإصلاحية، والآليات الدستورية المستقلة والمحايدة ذات الصلة. 
 
بمتابعة السوريين للمسألة الإنسانية، يمكنهم أن يغلقوا طريق بشار الأسد ورجاله إلى المستقبل، بتحويلهم إلى مجرمين مطلوبين للعدالة 
 
وثار كثير من السوريين حين سماعهم لمفهوم جديد على قاموسهم في بيان جنيف وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وهو "العدالة التصالحية". وحتى الائتلاف الوطني، الذي يعاني من ردود الفعل على قراره المسحوب من التداول لاحقاً، بإنشاء هيئة عليا للتفاوض؛ وجد فرصة لإثبات راديكاليته بالهجوم الكاسح على استخدام المفهوم الطارئ للعدالة، بدلاً من مفهوم" العدالة الانتقالية" الوارد في الأدبيات الأممية سابقاً. اعتبر البعض – كثيرون- أن محاولة تمرير ذلك المفهوم مدخل للمصالحة و"تبويس الشوارب" مع بشار الأسد، تحضيراً لانتخابه من جديد في الوقت المخطّط في العام المقبل.. وأن روسياً معيناً هو الذي مرّر تلك "التعليمة" إلى بيدرسون. 
كان تعليق بيدرسون، في ختام عرضه لنقاط وفد النظام، إنها لا تتعلّق بشكل صريح بالنصّ الدستوري المنشود، وهي إشارة واضحة إلى تضييع النظام للوقت، والتفافه على المطلوب، كما اعتاد دائماً. وأشار بشكل إيجابي غير مباشر إلى ورقة وفد المعارضة، في حين تعثّر بتلخيصه لورقة "بعض" وفد المجتمع المدني. 
وكان ذلك البعض من وفد المجتمع المدني أكثر شفافية من وفد المعارضة نفسه، بعد أن اعتذر بيدرسون عن "الخطأ غير المقصود في أثناء الترجمة" وأن "العدالة التعويضية" المختصة بالمساكن والعقارات هي التعبير المعني، فقام ذلك "البعض" المشار إليه بنشر ورقته على الفور، بشفافية أفضل من تلك التي لدى وفد المعارضة.. وهي بريئة بالفعل، إذا تغاضينا قليلاً عن نقص الخبرة في التعامل مع المفاهيم في لعبة التفاوض، ومع نظام من هذا النوع العجيب الغريب. 
فلماذا يمكن لهذه المظاهرة المرتجلة الكبيرة أن تعزف على الوتر الحساس لدى السوريين، معظمهم؟ في الأساس، يثير حنق كثير من السوريين، ذلك التركيز على "اللجنة الدستورية" ويرون فيه إهمالاً لجوهر نصوص بيان جنيف وقرارات مجلس الأمن، خصوصاً رقم 2118 و2254، حيث أن ذلك الجوهر هو العملية السياسية، والحلّ السياسي، من خلال تشكيل "هيئة حكم انتقالي" تتابع مسائل الدستور والانتخابات، والعدالة الانتقالية.. وفي الحقيقة يشعر هؤلاء السوريون بأن مفهوم العدالة الانتقالية هو ورقتهم الأكثر صلابة في مسارهم السياسي، الذي يتحكم به الروس وحلفاؤهم وشركاؤهم منذ أواخر عام 2015. وبؤرة تركيزهم مع النظام، هي في محاولة إعادة تأهيل بشار الأسد، ونظامه البائس المنتهي الصلاحية. 
بمتابعة السوريين للمسألة الإنسانية، من خلال مواضيع استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين، وتعذيب وقتل الألوف المؤلفة من أهل ذلك البلد، ومن ثم متابعتهم لملاحقة الأسد ورجال أجهزته الأمنية ولصوصه، أمام كلّ أنواع المحاكم وفي كلّ العالم، وفي غياب قدرة المجتمع الدولي ومجلس الأمن على اتّخاذ القرار، قد يمكنهم أن يغلقوا طريق بشار الأسد ورجاله إلى المستقبل، بتحويلهم إلى مجرمين مطلوبين للعدالة، هنالك في حق كلٍّ منهم عدة مذكرّات اعتقال، وملفات اتهام تفوح منها رائحة الدم والدمار، لو توفّرت لهم المساعدة الكافية. 
في زيارة إلى بيروت بعد الانتخابات المزعومة في عام 2014، قال وزير الخارجية الأمريكية السابق عنها إنها "صفر كبير.. لا معنى لها، لأنه لا يمكنك إجراء انتخابات، حيث لا يستطيع الملايين من الناس ممارسة عملية التصويت". وكذلك أدان الاتّحاد الأوروبي العملية يومذاك، ووصفها بأنها غير شرعية. 
ذلك كان منذ سبع سنوات، فلعلّ الإعادة وتكرار الأمر فضيحة غير مسبوقة، سوف يتحملّ الأسد وجماعته مسؤوليتها التاريخية، ولكن المسؤولية الأكثر أهمية هي مسؤولية روسيا وحكومة بوتين، التي تشعر حتى الآن بأن هنالك فراغاً دولياً يسمح لها بالمبالغة في مثل تلك السياسات. ورغم بعض التفاؤل بنوع من التوازن يمكن أن تأتي به إدارة بايدن إلى العلاقات الدولية، ابتداءً من الربيع المقبل، بعيداً عن خفة وارتجال ومقاولات ترامب وإدارته؛ إلّا أننا لن نتلقّى مردوداً سورياً من تلك السياسات، ما لم تتغيّر عوامل أخرى في المعادلة التي أصبح تحديدها صعباً، وحلّها معقداً. وبانتظار أن يحدث شيء من هذا لو كان مقدّراً له أن يحدث، فإن تكثيف الجهود في الساحة القانونية والإنسانية يبقى أساساً.. وكذلك العمل على تفريغ مناورة إعادة انتخاب الأسد؛ التي تتضمّن إعادة تأهيله – المستحيلة- من أي مضمون على صلة بأي شكل من أشكال الشرعية. 
أهم ذلك هو غياب نصف أو معظم السوريين – بعد تكريس تجريم الأسد – فلا رئيس من دون شعب.. كما في مسرحية الأخوين رحباني الرائعة "ناطورة المفاتيح" حين هجر" الشعب" البلاد، وتركها للملك بيوتاً فارغة من أهلها.. 
ولعلّ هذا الحديث نافلٌ، إذ ربّما كنّا نحن السوريين بحاجة إلى اجتراح عملية سياسية جديدة، من أجل نظام آخر.. ومن أجل ذلك لا بدّ أيضاً من معارضة جديدة!