الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بين الفراغ والسفارة /ما عاد كثير بتفرق/

بين الفراغ والسفارة /ما عاد كثير بتفرق/

02.01.2019
يحيى العريضي



سوريا تي في
الاثنين 31/12/2018
بعد مد وجزر وتكابش إرادات بين القوى المنخرطة في القضية السورية، كادت 2018 أن تُقفل أبوابها على وعدٍ ببزوغ أمل بـ "حل سياسي" بوابته انطلاق عمل لجنة دستورية سورية تضع سوريا على مسار العودة إلى الحياة. فجأة يطلق "ترامب" تغريدة تبعثر حسابات الجميع.
يشهد ختام 2018 تطورات محمومة متسارعة تفوح منها روائح دم ونذالة: دم يتوعد من يفكٍر بملء فراغ في الشمال الشرقي السوري، ونذالة في السباق لمن يصل أولاَ، ويأخذ دوراً أبكر في العودة إلى أحضان منظومة الاستبداد الأسدية. الأحداث تتسارع، وكثيرون يتزاحمون على تسجيل أسماء مزارعهم ورعاياهم في سجلات العائدين، عبر غرفة عمليات يرأسها طاقم بوتيني أهم ما يتقن التزوير والإشاعة، وآخر طبعاتها تصريح لـ "بوغدانوف" بأن إيران
منذ يومين، خرجت إلى العلن علاقة الإمارات بمنظومة الاستبداد. قيل إنها لم تنقطع؛ وقيل إن أموال آل الاسد كانت بعهدة الإمارات. التبرير المعطى هو إبعاد دمشق ونظامها عن مخالب طهران
ستخرج من سوريا؛ ويأتي ذلك في إطار الحملة التي تبث /انتصار الأسد/. ولكن، ويبقى السؤال البسيط: على من انتصر؟ وكم احتلالاً جلب؟ والى متى رَهَنَ سوريا؟
والإجابة عن هذه الأسئلة واضحة كالسيول التي تجرف خيم من اقتلعهم نظام الإجرام من بيوتهم إلى العراء؛ واضحة كمعاملة بوتين لرأس النظام في حميميم؛ واضحة كالحبر الدموي الذي وقَع به الأسد وبوتين اتفاقات بيع سوريا للمافيا الروسية لعقود من الزمن. مع كل ذلك وبعد اللقاء البرميلي البحريني- الأسدي، ومنذ يومين، خرجت إلى العلن علاقة الإمارات بمنظومة الاستبداد. قيل إنها لم تنقطع؛ وقيل إن أموال آل الاسد كانت بعهدة الإمارات. التبرير المعطى هو إبعاد دمشق ونظامها عن مخالب طهران.  بالمناسبة لم يجبر سوريٌ هؤلاء على قطع علاقاتهم مع نظام الأسد، ولا طلب منهم الدعم إلا مَن يشبههم.
يتواكب - ربما سبق هذه الحالة المحمومة من العودة لأحضان الاستبداد، بناءً على توجيهات الأسياد- حدث ملتهب آخر يتمثل بإدارة واشنطن ظهرها ثانية للقضية السورية. الملفت إيجابياً بقرار المغادرة هذا أمر يتعلق بوحدة سوريا أو بعثرتها؛ فأميركا كانت متهمة قبل قرارها بالانسحاب من سوريا بأنها تسعى لتقسيم سوريا؛ وهذه التهمة روسية بامتياز. وتتبعها تهمة أخرى تقول بأن واشنطن وراء صناعة داعش، وثالث تصريح للروس يقول بأن وجودها في الشمال الشرقي السوري غير شرعي. تلك التصريحات والتهم الروسية غاية في الأهمية بالنسبة للسوريين؛ فبإمكانهم القول الآن إنه برحيل أميركا (الطوعي أو الإجباري) سيضمنون بأن بلدهم لن يُقسًم؛ وأن معمل تصنيع داعش قد تم إغلاقه؛ وأن الوجود غير الشرعي لقوى أجنبية انتهى في سوريا. الطبيعي إذن أن يعتبر السوريون هذا الفعل الأميركي لصالح بلدهم، وإذا كان الأمر غير ذلك، فالروس يتحملون مسؤولية وتبعات كل مجانبة للحقيقة.
في الشمال الشرقي السوري، لا يخفى على أحد أن نظام الملالي ونظام الأسد ينسقان مع آلـ "بي كي كي"؛ ومعروف أيضاً أن الداعم الأساس للبي كي كي   في الشمال السوري هو أميركا؛ وهنا يبرز سؤال حساس: إذا خسر صديقهما أو حليفهما آلبي كي كي داعمه الأساس الأميركي بانسحاب الأخير؛ فهل يكون انسحاب أميركا لصالح حلف الممانعة أم ضده؟ على " الممانعة والمقاومة" أن تقرر؛ ولكن غرامها بالمكابرة والتزوير يحول دون الاعتراف بالواقع.
من جانب آخر، ودولي في هذه الحالة؛ إذا كانت موسكو تسعى عبر الساحة السورية إلى تفاهم مع واشنطن
لم يعد لدى السوري الكثير الذي يمكن أن يخسره؛ وتبدو عودة بعض العربان لعناق نظام الطغيان بالنسبة له مسألة بلا قيمة، ولكن مفاعيلها ستكون كبيرة لا على السوريين بل على مواطني تلك البلدان
حول ملفات عالمية عالقة تعنيها؛ فهل قرار ترامب بالمغادرة يصيب السيد بوتين بعدم الاكتراث الأميركي به وبملفاته وما يعنيه؟ روسيا ذاتها لا تستطيع الإجابة عن هذا السؤال. إنها مربكة؛ فلا بوجود أميركا ترتاح، ولا بخروجها تستريح؛ وسبب ذلك أن لا سياسة واضحة لديها؛ بإمكانها أن تقصف تدمر تشرد؛ بإمكانها أن تلف وتدور وتتهم؛ ولكن أن تنهج سياسة متوازنة تركز على جوهر القضية السورية، فلا أمل بذلك.                                                                 
أخيرا، لم يعد لدى السوري الكثير الذي يمكن أن يخسره؛ وتبدو عودة بعض العربان لعناق نظام الطغيان بالنسبة له مسألة بلا قيمة، ولكن مفاعيلها ستكون كبيرة لا على السوريين بل على مواطني تلك البلدان، وفقدانهم أية ثقة بمصداقية تلك القيادات البائسة بتلوناتها. ومن جانب آخر تاهت أو أصابت مقاربات موسكو بخصوص القضية السورية، فلم يعد هذا السوري يكترث لاحتلال بين الاحتلالات، أو لمحتل من المحتلين؛ فهو يدرك أن بلده غير قابل للشحن أو الترحيل؛ وستخرج كل هذه الاحتلالات، بما فيهم نظام الاستبداد. من جانب آخر- ومع انسداد الآفاق أمام السوري، وأمام خذلان العالم له- فلا أحد يستطيع أن يلومه اليوم إن هو فعل أي شيء؛ وخاصة أن هناك جهات عالمية متخصصة باستغلال واستخدام هكذا حالة لخلق المزيد من العبث والفوضى وربما الدمار في هكذا عالم يمشي على رأسه، وفقد أي بوصلة أخلاقية أو حقوقية. يبدو أن الكل بدأ يعمل بمبدأ /ما عاد كثير بتفرق/؛ ولكن هذا المبدأ قد يكون الأيسر على الأفراد، ولكن إذا عملت به الدول، فمعناه الانهيار وتعميم الدمار.