الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بين الجنوبين السوري واللبناني أنفاق بين تل أبيب وطهران

بين الجنوبين السوري واللبناني أنفاق بين تل أبيب وطهران

15.12.2018
منير الربيع


سوريا تي في
الخميس 13/12/2018
يجهد الإسرائيليون لابتداع أساليب جديدة توحي وكأنهم في حالة حرب مع إيران وحزب الله. على طول الحدود الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة، على امتداد جغرافي وعسكري بين سوريا ولبنان. ثمة صراع من نوع آخر يدور بين الطرفين. يعمل الإسرائيليون بسعي حثيث لإبعاد إيران عن الحدود الجنوبية لسوريا، مقابل إزالة كل مفاعيل التوتير أو الإخلال بالتوزان القائم على الحدود الجنوبية للبنان من قبل حزب الله.
ينطلق الإسرائيليون من حسابات استراتيجية، لكن بخلفيات سياسية داخلية. عمليات البحث عن أنفاق لحزب الله في الجنوب اللبناني تدلّل على الحاجة الإسرائيلية لإبقاء التوتر مفتعلاً على الجبهة الشمالية، في ظل الضغوط التي يتعرَض لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعلى مشارف الانتخابات. كل ما يجري يوظّف في سبيل الكسب الانتخابي، على قاعدة "ارفع الصوت وخذ جمهورا".
عمليات البحث عن أنفاق لحزب الله في الجنوب اللبناني تدلّل على الحاجة الإسرائيلية لإبقاء التوتر مفتعلاً على الجبهة الشمالية
لكن ثمة وقائع جوهرية قد تغيّرت في مفهوم الصراع. تستفيد إيران من الفراغ العربي لاحتلال سوريا، وتمزيق جغرافيتها وديمغرافيتها. كما تستفيد مع حزب الله من الاستهدافات الإسرائيلية للمواقع العسكرية السورية أو التابعة لهما، وتستثمر  في السياسة والأمن، لاستدرار مشروعية لما تقترفه في سوريا بذريعة المقاومة.
ما يعزز القوة الإيرانية، ليس الفراغ العربي فحسب. بل جملة من تقاطعات المصالح، بينها وبين الروس من جهة، وبينها وبين الإسرائيليين الحالمين منذ زمن إلى تقسيم سوريا وفرزها مذهبياً، على شاكلة كانتونات تبررّ يهودية الدولة وعنصريتها القومية في الأراضي المحتلة.
وفيما تناور إسرائيل بادعاءات شن الحروب ومواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، عبر ضربات صاروخية موجّهة بشكل متقطع للمواقع الإيرانية على الأراضي السورية، تناور طهران في أساليب الردّ، لا بل تتهرّب منه، لأن الأولوية لديها، ليست مواجهة الإسرائيلي، ولا استدراج ردود مضادة قد تتطور إلى حروب لا تريدها. ما يهمّ طهران هو الاستفادة من كل ما يجري وتوظيفه في سبيل السيطرة أكثر على المفاصل الجغرافية لسوريا، وتحديداً سوريا المفيدة.
وهنا تتجلى أوجه التغيّر في الصراع المفتوح على تسويات متعددة. في العام 2015، قامت طائرات إسرائيلية باستهداف موكب يضم قادة عسكريين إيرانيين ومن حزب الله في الجنوب السوري، قتل حينها جهاد مغنية نجل المسؤول العسكري السابق في حزب الله عماد مغنية. توعدّ حزب الله بالردّ حينها، فكان ردّه باستهداف جرافة إسرائيلية في خراج مزارع شبعا اللبنانية المحتلة. ويومها خرج أمين عام حزب الله حسن نصر الله، معلناً عن توحيد الجبهات وتلازمها بين لبنان وسوريا. بمعنى أن المنطقة الجغرافية الجنوبية ما بين البلدين أصبحت خاضعة لموازين واحدة، خاضعة لساعة الضبط الإيرانية. يومها أرسي مبدأ ضربة مقابل ضربة، ولكن هذا المبدأ لا يسري على ضربات المواقع العسكرية، بل فقط الضربات التي تستهدف أشخاصاً وقياديين. بينما كل المواقع العسكرية التي تعرَضت لقصف إسرائيلي، لم تردّ عليها إيران بأي شكل من الأشكال، تجنّباً لتوسع الصراع إلى مواجهة.
اليوم يفتتح الإسرائيليون أسلوباً جديداً من المواجهة، يتخذ طابعاً إعلامياً أمنياً. عبر تأبيد صراع "الأنفاق" من خلال الادعاءات الإسرائيلية بأن عملية البحث عن هذه الأنفاق ستستمر لفترة طويلة من الزمن، وبالتالي تغيّرت القاعدة من ضربة مقابل ضربة، إلى صورة مقابل صورة. أو ضربة إعلامية مقابل ضربة إعلامية، فجاءت عملية التصوير التي رافقت عمليات البحث عن الأنفاق، ردّاً على صورة لموقع إسرائيلي نشرها حزب الله مدعياً قدرته على استهدافه. ليعود الحزب ويردّ على الإسرائيليين من خلال عراضات إعلامية تارة بتسيير درراجات نارية على الحدود قبالة عمل جنود الاحتلال، وتارة أخرى بنشر صور للجنود وهم يعملون في عملية رفع معنويات للبيئة الحاضنة بأن العمليات الإسرائيلية تحت الرصد والمراقبة.
كل ما يجري يهدف إلى تحوير الأنظار عن المسألة الأساسية. والتي ينشدها الطرفان، أي الإسرائيلي والإيراني. يريد الإسرائيليون ضماناً أمنياً واستراتيجياً للحدود، في سوريا كما في لبنان، على غرار ما حصل إبان القرار 1701 الصادر عن الأمم المتحدة بعد حرب تموز 2006، والذي يقضي بنشر قوات الطوارئ الدولية على طول الحدود، ويمنع حصول أي تطورات عسكرية. يهدف الإسرائيليون إلى إرساء اتفاق مشابه من الجهة السورية. بينما إيران لا تمانع منح الإسرائيليين هذا الأمان، ولكن بشرط أن تكون الحدود خاضعة لسيطرتها. عند هذه النقطة تدور المفاوضات غير المباشرة التي يضطّلع بها الروس.
المشترك بين الجنوب اللبناني والسوري في هذه المرحلة، هو الحساسية الإسرائيلية من وجود إيران وحزب الله فيهما. وبالتالي لا يمكن الفصل بين المنطقتين، وعليه لا يمكن اعتبار أن لعملية الأنفاق هناك لها أهمية استراتيجية وعسكرية. هي فقط تندرج في سياق مراكمة الهجوم الديبلوماسي على حزب الله وإيران في لبنان، بينما الأساس يبقى متجهاً نحو سوريا، التي تسعى مختلف الدول إلى الحفاظ على مناطق نفوذهم وحصصهم التقسيمية، هذا الصراع هو الذي سينعكس بجوهره على الوضع اللبناني المرتبط كلياً بالمتغيرات الإستراتيجية في سوريا. بالشكل، فإن الصورة تعكس صراعاً حاداً بين الإسرائيلي والإيراني. ولكن في المضمون، الطرفان يسعيان للوصول إلى توافق يحمي المدى الاستراتيجي الإسرائيلي، والوجود الإيراني في سوريا، مع بقاء الخلاف على مساحة منطقة النزاع بين الطرفين، تحت مظّلة غطاء أميركي روسي، يرفض حصول أي تطور في مآلات الصراع. إيران وإسرائيل تدركان أن المعركة بينهما لم يحن أوانها بعد وقد لا يحين، يبقى أن إسرائيل تتطلع إلى العقوبات الأميركية ونتائجها السلبية على إيران كوسيلة كفيلة بأن تجعل من إيران صيدا أقل كلفة لها في سوريا ولبنان أو شريكا غير منافس وأكثر طواعية للمتطلبات الاستراتيجية لإسرائيل.