الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بين البهلوانية والواقعية: متى تشرق الشمس؟

بين البهلوانية والواقعية: متى تشرق الشمس؟

19.05.2020
يحيى العريضي



سوريا تي في
الثلاثاء 18/5/2020
بحماله الثقيلة، قفز بوتين إلى القضية السورية -المدوّلة سلفاً- بفعلٍ ودعوةٍ من نظام عَجِزَ عن مواجهة انتفاضة شعبه. سَمِعَ العالم بوتين يزايد على التحالف الدولي، الذي حرَمَه من الانضمام إلى "محاربة الإرهاب" في سوريا؛ لكنه دخل عام 2015، وتعهد أن ينهي القضية بثلاثة أشهر. كل هذه السنين مَرّت، وما زال بوتين أكثر المتدخلين أزمة، وأقربهم للغوص في المستنقع السوري، الذي يكاد يخنقه. وها هو ربما يكتشف أخيراً أن الذي برّر وشرّعن تدخله هو مسبب اختناقه. مؤكد، يصعب عليه الاعتراف بالخيبة والمراهنة البائسة؛ ولكنه ربما يعقد عزمه أخيراً للخروج بأقل الخسائر، و ما تيسّر من مغانم.
مؤخراً شهدنا تسليط بوتين إعلامه ومراكز الدعاية والبحوث لتقول ما لا يستطيع قوله تجاه مسبب الخيبة؛ ليأتيه الجواب وقحاً، وفاضحًا للعلاقة المخيبة. وأكثر ما في الرد إيلاماً كان التهديد المبطن بداعش البيداء السورية الساخنة، وبإيران، الحليف العضوي لمَن أتى إلى سوريا لإنقاذه. كان ذكْرُ داعش في الرد للتدليل بأن المهمة التي أتى إلى سوريا من أجلها "محاربة الإرهاب"، قد فشلت؛ أما التهديد بإيران، فيحدد اصطفاف النظام الحقيقي، لا المصلحي.
لقد استدعى تيقُّن الروس من بؤس وخيبة هذه العلاقة، مع منظومة لا عهد لها، قصفاً إعلامياً غير رسمي استهدف مواقع فساد النظام، وشلله، واستحالة إعادة تأهيله. وبذا تم رمي سبب الخيبة الروسية على مَن يستحق؛ ليأتي رد النظام من صنف الهجوم؛ ولكنه كان وقحاً ومهدداً. وهنا وقع النظام الأسدي بسوء عمله؛ فسعى إلى "لملمة" المسألة؛ بداية برسالة لها الصفة "العقلانية" من وزير إعلام سابق، ثم أتبعها برسالة وقّعها مئات "المنحبكجية" يطلبون من وزير خارجية الروس أن يلجم الإعلام الروسي ويتحمل "حرية الإعلام السوري".
في التراشق الإعلامي نقطة تتجاوز كل ما احتوته الحملات المتبادلة تتمثل بتحديد الاصطفاف الفعلي المتحدّي لنظام الأسد مع ايران والاستجارة بها. وفي هذا السياق تبرز جملة من المسائل تؤكد انسداد الأفق أمام تحالف الشر المتمثل بالنظام وحُماته:
مهما كانت القدرات البهلوانية في السياسة الخارجية الروسية، لا يمكنها أن تكون صديقة لضدّين أو أكثر في آن معاً
- بداية، مهما كانت القدرات البهلوانية في السياسة الخارجية الروسية، لا يمكنها أن تكون صديقة لضدّين أو أكثر في آن معاً؛ فإذا كان ما لذَّ طعمه لإسرائيل، سم رعاف لإيران -كما يظهر على السطح- فروسيا مهما برعت في بهلوانيتها ستجد نفسها في ورطة. تنجح روسيا ها هنا فقط إذا كان عمق علاقة الأضداد غير ذاك الذي يظهر على السطح. وفي هذه الحالة، هل يلجأ نظام الأسد أخيراً لكشف المستور، وفضح علاقته بإسرائيل وبإيران معاً؛ الأمر الذي قد يفسر تحديه وتهديده للروسي؟!
- هناك حقائق ماثلة أمام بوتين يصعب عليه وعلى إيران وحتى على إسرائيل تجاوزها تتمثل بارتكاب جرائم حرب أشارت إليها صراحة وعلانية لجنة التحقيق باستخدام السلاح الكيماوي؛ حيث كانت الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن التي تغيّب الروس عنها حول هذا الموضوع تحديداً. فهل يَصب ذلك الغياب بموقف روسي جديد تجاه مَن يحميه ويهدده في آن معاً؟
- هناك أيضاً قانون قيصر وسيفه المسلّط على رقبة النظام ومن يدعمه. فهل يكون الاستنفار الروسي نتيجة إحساس بتورط بدأ يستنزف امبراطورية بوتين المتعثرة؟ كل هذا، ولم نتحدث عن كساد أسلحة بوتين التي استعرضها وتفاخر بها؛ ولم نذكر تدهور أسعار النفط مرتكز الاقتصاد الروسي، الذي يترنح سلفاً.
والحال هكذا يمكن الاستخلاص أنه من الممكن لبوتين أن يحتمل كل ذلك، لكن العقوق والجحود والوقاحة، التي استشعرها من منظومة الأسد، وخاصة التهديد بداعش وبإيران لإظهار فشل سياساته قد يجعله أكثر تصميماً على تغيير قواعد الاشتباك واللعب.
أكثر من أي جهة أخرى، يعرف بوتين أن أمريكا تريده أن يلعب هذا الدور، الذي يستنزف هيبته ومستقبل روسيا؛ وأن اسرائيل تمسكه ابتزازياً باليهود الروس في إسرائيل، وبتأثيرها على بوابات الغرب التي يحتاجها؛ ويعرف أن علاقته الأقوى والأصدق هي مع تركيا، التي يحول دون تعميقها الخبث الإيراني وتلاعبه بالنظام الرخيص؛ والأكثر من كل ذلك، يعرف أنه رغم التغلغل الإيديولوجي والعسكري لإيران في سوريا، إلا أنَّ هذا الوجود دموي إجرامي خبيث لن يتردد بنسف مقام "السيدة زينب" ليبرر الوجود في سوريا؛ وهو ذاته سيزاحمه يوماً على علاقة أقوى(لكن خفية) مع إسرائيل.
هكذا حال يترك بوتين أمام الخيار الأوحد بعد خمسة أعوام من التخبط في الملف الأعقد تاريخياً؛ وهو أن يسبق الجميع في التطبيق الحرفي للقرار الدولي 2254 بصدق وشفافية ودون بهلوانيات؛ الأمر الذي يستلزم نجاحاً للجنة الدستورية بإنتاج عقد سوري جديد؛ يزيح طغمة تسببت بالمأساة السورية؛ يهيء لانتخابات برلمانية ورئاسية برعاية دولية، تضع سوريا ثانية على سكة الحياة. هكذا يكون بوتين المنتصر الأول، لا المهزوم الأكبر.