الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بيان أستانا من جنيف والوطن المشاع 

بيان أستانا من جنيف والوطن المشاع 

01.09.2020
يحيى العريضي



سوريا تي في 
الاثنين 31/8/2020 
وقتت مجموعة "أستانا" اجتماعها "الدوري" مع انعقاد الجولة الثالثة للجنة الدستورية السورية في جنيف في الرابع والعشرين من هذا الشهر، وتمخض عن اجتماعها بيان في معظم بنوده نسخة عن بياناتها في ختام كل اجتماع لها. يتفرّد هذا البيان بمواكبته لاجتماع اللجنة الدستورية، حيث تضمن جملة من الرسائل تعكس أجندات الأطراف المجتمعة بتوافقاتها وتناقضاتها. 
بحكم اعتبار روسيا اللجنة منتجاً حصرياً لها، لأنها سوّقت للفكرة بداية في اجتماعات "أستانا خفض التصعيد"، وفشلت بذلك؛ ثم أنتجتها في "مؤتمر سوتشي"، ولكن الأمم المتحدة وضعت يدها على الوليد، عندما اشترطت حضورها ذلك المؤتمر برعايتها للجنة والمسؤولية عنها. في البيان الصادر عن الاجتماع الأستاني في جنيف تعبير عن الدعم القوي للجنة، ولكن بطعم الوصائية والحمائية، عندما يحظر التدخل بعمل اللجنة؛ والمقصود هنا "التدخل الأميركي" تحديداً. ويبدو أن هذه الوصائية لا تشمل ادعاء الملكية أو عرقلة عمل اللجنة وكسر قواعدها من قبل "الوفد الوطني". 
وفي الحمائية وتصفية الحسابات أيضاً، يشير أحد بنود البيان إلى عدم استغلال النفط السوري، في إشارة لما يحدث في الشمال الشرقي السوري. وهذا حقيقة يُحسَب لروسيا وشركائها في الحفاظ على موارد سوريا؛ ولكن هل محللٌ فقط لروسيا أن تستغل خيرات سوريا بوضع اليد عليها لعقود؟! وإن كانت روسيا تحرص على السوريين ورزقهم، وتحذّر أميركا من السيطرة على مقدراتهم، لا بد منطقياً أن تتذكر أنها تستغلهم بشكل ليس أقل بشاعة؛ فهي وإيران تكاد تضع يدها على الكثير من المقدرات الاقتصادية، التي وهبها لهما مَن يحمونه في دمشق. 
وعند الحديث عن خطر الهجمات الإسرائيلية في البيان- البند الذي لا بد أن إيران وراءه- أليس من واجب روسيا أن تتذكر أنه كما حمت وتحمي النظام من شعبه، عليها أن تحمي الأرض السورية من إسرائيل، حيث تنادي وزملاؤها المجتمعون في بيانهم بسلامة وسيادة الأرض السورية؟! 
يتطرق البيان أيضاً للوضع الإنساني والاقتصادي في سوريا؛ فهل يكترث للوضع الإنساني من ساهم بتشريد السوريين، وقَتَلَهم، واعتقلهم، وجوّعهم، ونشر المخدرات في بلدهم؟ وهل يهمّ الوضع الإنساني للسوريين مَن ساعد المستبد في جرائمه، وحماه في مجلس الأمن؟ وكيف يكترث للوضع الاقتصادي المدَمَّر مَن يعرف ذاك الذي ابتلع اقتصاد سوريا، ومَن يهب منشآته الاقتصادية للاحتلال؟ هل ينشّط الاقتصاد السوري عقود روسيا الاستغلالية مع النظام؟ وهل الالتفات إلى إعادة الإعمار، إلا لاستغلال الدم والضياع السوري بمزيد من الوحشية الاقتصادية المحيطة بالسيد بوتين؟ 
أما القلق من كورونا- والذي أُشير إليه في البيان- فهو من اختصاص إيران بالذات. لقد شهد السوريون، وشهد العالم رحلات لم تنقطع لطائرات إيران المصابة بالكورونا إلى سوريا؛ والسوريون يصرخون: "إنكم تنقلون إلينا الوباء!"؛ وما من مستجيب. وفي الحديث عن العقوبات التي يريدون لها أن ترتفع؛ أليس خوفهم على أنفسهم بالذات، لا على شعب منكوب، هو الدافع لبند كهذا؟! 
يتحدث البند قبل الأخير في بيان ممثلي أستانا في جنيف عن ضرورة "وصول المساعدات الإنسانية لجميع الشعب السوري في جميع أنحاء سوريا دون شروط مسبقة؛ وعن تعزيز العودة الآمنة والطوعية للاجئين والمشردين داخليا إلى أماكن إقامتهم في سوريا..." وهنا لا بد أن نسأل الروس عن آخر فيتو استخدموه في مجلس الأمن لمنع فتح معابر توصل المساعدات إلى السوريين، وحصر ذلك في معبر واحد يسيطر عليه نظام الاستبداد الذي تحميه. فهل يسهل ذلك وصول المساعدات دون شروط؟! 
وبخصوص عودة اللاجئين السوريين، يبقى السؤال باسم ملالي إيران، الذين يوجّهون مَن يتحكم بلبنان لاقتلاع اللاجئين السوريين من لبنان، وتسليمهم لجلاديهم في دمشق، أو معاملتهم كأسرى حرب أو سبايا؛ فهل هذه هي العودة الكريمة؟! وبالحديث عن حقوق الإنسان، نسأل الأستانيين إذا كان لديهم علم بهذه الإحصائيات من الشمال الغربي السوري، الذي يريد الروس والإيرانيون خنقه: 200 ألف يتيم تحت سن 18، و200 ألف شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، و45 ألف امرأة أرملة من غير معيل، وما يقارب مليونا وأربعمئة ألف طفل. 
أخيراً؛ تلك الأسطوانة المشروخة واللازمة المكرورة في فاتحة كل بيان يخص سوريا- والتي يعرب فيها المجتمعون عن "التزامهم المستمر بسيادة الجمهورية العربية السورية، واستقلالها، ووحدتها أرضا وشعبا، وسلامتها الإقليمية......". أين السيادة، ورئيس دولة يُنقَل إلى موسكو بطائرة شحن روسية، ويكون متفرجاً كأصغر جندي، عندما يخاطب بوتين جنوده على أرض سورية؟! أين السيادة، وما نشهده من هذه السلطة الأسدية إلا تنفيذا لإملاءات الروس والإيرانيين؟ الأمر ذاته ينطبق على الاستقلال، ووحدة الأراضي التي أصبحت في خبر كان، في ظل نظام هاجسه كرسي السلطة؟! 
ختاماً، لقد تعب السوريون من تلك الأسطوانات المشروخة؛ كما آن الأوان لتقف تلك الأطراف المتدخلة في القضية السورية مع لحظة الحقيقية، وتسترشد بقرارات دولية تحفظ حق السوريين بانتقال سياسي يعيد سوريا وأهلها إلى سكة الحياة، ويُكْسِبُ تلك الأطراف شيئاً من الحياء وماء الوجه.