الرئيسة \  تقارير  \  “ف.بوليسي”: بنيتها أقدم عمرًا من الأمم المتحدة! ماذا تعرف عن مشاكل ترسانة أمريكا النووية؟

“ف.بوليسي”: بنيتها أقدم عمرًا من الأمم المتحدة! ماذا تعرف عن مشاكل ترسانة أمريكا النووية؟

25.01.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاثنين 24/1/2022
يقول أوستن رايت، المتخصص في مجال عدم الانتشار والتجارة الإستراتيجية، وأندريا هوارد، وهي ضابط غواصة بحرية وباحثة تركز على العلاقة بين الأمن والتكنولوجيا والدبلوماسية في سياسة أسلحة الدمار الشامل؛ إنه يجب لفت النظر إلى التحديات التي تواجه الترسانة النووية الأمريكية، أو بمعنى أدق البنية التحتية النووية للولايات المتحدة وكيف سيؤدي تحديثها إلى استقرار البيئة الأمنية العالمية السريعة التغير، وفقًا لمقالٍ نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية.
مراجعة الوضع النووي لإدارة بايدن
في مطلع مقالهما، يشير الكاتبان إلى أن إعلان إدارة بايدن في عام 2021 أنها ستبدأ في صياغة المراجعة الخاصة بالوضع النووي الأمريكي، وسط التعافي الاقتصادي المستمر من جائحة كوفيد-19، أثار الجدل حول ضرورة التحديث النووي وما يصاحب ذلك من استثمار بمليارات الدولارات في مشروع الأمن النووي (NSE)، ويجادل كثيرون خارج مجتمع الأمن النووي المتخصص بأن التزام الرئيس الأمريكي، جو بايدن، العلني بتقليص دور الأسلحة النووية في إستراتيجية الدفاع الأمريكية يقوِّض الحاجة إلى استمرار الإنفاق.
وعلى العكس من ذلك، يشير المسؤولون العسكريون إلى التقدم السريع في القدرات العدائية في دول مثل الصين وروسيا – بحسب وصف الكاتبين- بوصف ذلك دليلًا على أن التحديث ليس مبرَّرًا فحسب، بل ضروريًّا من الناحية الإستراتيجية.
وبينما تنظر إدارة بايدن فيما إذا كان صاروخ كروز نوويًّا يُطلق من البحر يُعد ضروريًّا من الناحية العسكرية أو كيف سيؤثر التحديث في الاستقرار الإستراتيجي العالمي، حان الوقت لصنَّاع القرار الأمريكيين والجمهور الأوسع للاعتراف بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى مشروع نووي حديث ومتجاوب، بغض النظر عن الرئيس الذي يشغل البيت الأبيض.
الترسانة النووية الأمريكية: وضع قاتم
ويرى الباحثان أن حالة مشروع الأمن النووي قاتمة، لأن ربع البنية التحتية النووية أقدم عمرًا من الأمم المتحدة، وتتضمن هذه البنية التحتية مجموعة من البرامج العلمية والتقنية التي لا تركز فحسب على أمن المخزون النووي للولايات المتحدة وسلامته، ولكنها تركز كذلك على منع الانتشار والحد من التهديدات في جميع أنحاء العالم، وعلى الرغم من ذلك، تركز معظم الاهتمامات والتمويلات الخاصة بالردع النووي الأمريكي على الأسلحة نفسها، وليس البنية التحتية التي تدعمها.
وكان الدفع نحو الاستثمار والتحديث في مشروع الأمن النووي موضوعًا ثابتًا للأمن القومي من الحزبين طوال حكم إدارات أوباما وترامب وبايدن، على الرغم من أهداف السياسة النووية المختلفة. وكان هناك حماسة مستمرة لمناقشات التحديث منذ عام 2015، عندما دعم الرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما، استثمارًا بقيمة 348 مليار دولار في مشروع الأسلحة النووية من 2015 إلى 2024، وهو أكبر استثمار من نوعه منذ الحرب الباردة.
كان هذا التمويل يستند إلى تحقيق التوازن بين التحديث واحتياجات الولايات المتحدة للحد من التسلح، مع تأكيد أن هذه الأهداف ليست متعارضة، وفي ميزانية 2020-2021،طلب الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب زيادة ميزانية العام السابق لتحديث مشروع الأمن النووي بنحو 20%، ومن المقرر أن يواصل بايدن المسار، حيث تتلقى الإدارة زيادات في التمويل للتحديث في ميزانية الدفاع التي جرى إقرارها مؤخرًا.
وفي حين أن أهداف السياسة الخارجية الأمريكية والبيئة الأمنية العالمية قد تغيرت تغيرًا كبيرًا في العقود الأخيرة، ظل الاستثمار ودعم الحزبين للمخزون النووي ثابتًا، ويتساءل الباحثان: لماذا إذن يستمر المتشككون في الكونجرس وفي مراكز الأبحاث والرأي العام الأمريكي في معارضة التحديث على الرغم من دعم كلا الحزبين الواضح للرادع النووي الأمريكي؟
ويوضِّحان أنه يمكن عزو الانقسام إلى الحجج حول أنظمة الإطلاق، مثل الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والقاذفات، ويستشهد مؤيدو التحديث بالتوسع السريع في القدرات النووية الروسية والصينية بوصف ذلك سببًا للحفاظ على برامج الأسلحة التي جرت الموافقة عليها في ظل إدارة ترامب، بينما يعتقد المعارضون أن التركيز يجب أن ينصب على الحد من التسلح، والاستقرار الإستراتيجي، وتمويل القضايا المحلية.
ويركز كثير من النقاش الحالي على الرادع الإستراتيجي الأرضي الجديد الذي يهدف إلى أن يحل محل الصاروخ الباليستي العابر للقارات من طراز مينتمان الثالث (Minuteman III)، والذي كان يعد الجزء الأرضي للردع النووي الأمريكي منذ عام 1970، والتكلفة عامل رئيس في المداولات، حيث من المقدَّر أن يتكلف البرنامج 264 مليار دولار طوال فترة وجوده.
تقليص دور الأسلحة النووية
يضيف الباحثان، يواجه بايدن التحدي المتمثل في تبرير مثل هذه الاستثمارات مع الاستمرار في الالتزام بتقليص دور الأسلحة النووية في المراجعة الخاصة بالوضع النووي، ويمكن أن يحدث مزيد من الجدل عند النظر في تطوير صاروخ كروز الذي يطلق من الغواصات (SLCM) نظرًا إلى وظائفه التشغيلية المماثلة لسلاح المواجهة الطويل المدى (LRSO) – وهو صاروخ كروز مسلح نوويًّا يُطلق من الجو- والتداعيات المدمرة المحتملة لصاروخ كروز الذي يُطلق من الغواصات على الاستقرار الإستراتيجي العالمي.
ومن المحتم أن يقع طرف ثالث في مرمى هذا الجدل، وهي الإدارة الوطنية للأمن النووي (NNSA)، ومعها البنية التحتية النووية التي تدعم كامل مخزون الولايات المتحدة وإستراتيجيتها النووية، وغالبًا ما يبالغ النقاش العام حول التحديث في تبسيط الإدارة بصفتها قناةً لتمويل الأسلحة بدلًا من كونها منظمة تتحمل مجموعة كبيرة من المسؤوليات خارج تطوير الأسلحة واستدامتها، وأدَّت هذه العقلية، تاريخيًّا، إلى التأجيل المستمر للاستثمار الذي تشتد الحاجة إليه في مشروع الأمن النووي ووضعت مجموعة واسعة من المسؤوليات التنظيمية موضع المخاطرة.
ويلفت الباحثان إلى أنه على الرغم من الدعم الطويل الأمد من الحزبين والميزانيات الضخمة التي تحابي التحديث، تضررت البنية التحتية للإدارة الوطنية للأمن النووي، وتأجَّلت استثمارات تشتد الحاجة إليها، كانت ضرورية منذ عقود، إلى المستقبل دون الشعور بالقلق بشأن الآثار الإستراتيجية لمثل هذه القرارات. وأدَّى التوقيع على معاهدة الحد من الأسلحة الإستراتيجية، ومعاهدة تخفيض الأسلحة الإستراتيجية (ستارت)، وسقوط الاتحاد السوفيتي، كل هذه الأمور مجتمعةً، إلى تقليل عدد الرؤوس الحربية النووية في ترسانة الولايات المتحدة من 19008 رؤوس حربية في عام 1991 إلى 13708 رؤوس حربية في عام 1992 وإيجاد إحساس زائف بالأمان في بيئة الأمن العالمي.
وتُرجِم هذا التصور عن الاستقرار إلى شهية سياسية أقل للإنفاق الدفاعي ونقص في الاعتراف بالأدوار العديدة التي يلعبها مشروع الأمن النووي لصالح الولايات المتحدة في أهداف السياسة الخارجية للدولة، ونتيجةً لذلك، اليوم يترك قرار إلغاء تمويل المشروع الإدارةَ الوطنية للأمن النووي ونصف منشآتها يزيد عمرها على 40 عامًا، ويمتد هذا القصور مرةً أخرى إلى مجالات أخرى مثيرة للقلق من خلال التأثير في قدرة الحكومة الأمريكية على العمل في مجالات الحد من التسلح، وخفض التهديد، والدفاع النووي البحري، وعدم الانتشار، وتقييم برامج الأسلحة النووية الأجنبية، ومكافحة (الإرهاب) النووي، والاستجابة لحالات الطوارئ.
ونتيجةً لذلك، تواجه الولايات المتحدة صعوبة في الاستجابة للتطورات غير المتوقعة في البيئة الإستراتيجية، مثل التطوير السريع لأنظمة الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت في الصين، أو التوسع المستمر في القدرات النووية لكوريا الشمالية، إن التعقيد المتزايد لبيئة الأمن العالمية يجعل من المهم أكثر من أي وقت مضى أن يتلقى مشروع الأمن الوطني تمويلًا مستدامًا طويل الأجل لمواصلة تحقيق أهداف سياسة الحكومة الأمريكية.
أهمية الإدارة الوطنية للأمن النووي
ينوه الكاتبان إلى أنه على الرغم من أن الأسلحة النووية مثيرة للجدل، فإن الإدارة الوطنية للأمن النووي تخدم مجموعة كاملة من المهام المشتركة بين الحزبين بما يتجاوز تصنيع الرؤوس الحربية النووية، وفي الواقع، فإن الوكالة مكلفة بالحفاظ على مخزون الولايات المتحدة النووي، لكن مشروع الأمن النووي الأساسي هو أيضًا مفتاح للإشراف والحفاظ على عدد كبير من أهداف الأمن القومي الأخرى، وأحد الأمثلة على ذلك هو أنظمة الدفع النووية للغواصات وحاملات الطائرات النووية الأمريكية.
والقدرات التقنية والعلمية لمختبراتها الوطنية هي السبب الذي يجعل حكومة الولايات المتحدة قادرة على ضمان سلامة مخزونها بأمان وفعالية دون الرجوع إلى التجارب النووية تحت الأرض، وتدعم قدرات الإدارة الوطنية للأمن النووي مجالات البحث والتطوير والاختبار والتقييم الفريدة من نوعها، الرادع النووي، لكنها تدعم أيضًا أهداف المنظمة في مجال منع الانتشار والسيطرة على الأسلحة ومكافحة الإرهاب.
لا مفر من التحديث والاستثمار
على سبيل المثال، جرت الاستفادة من هذه الخبرة العلمية لدعم تشكيل خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني)، وضمان امتثال حكومة الولايات المتحدة والدول الأخرى لشروط معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، والحفاظ على إمكانية التحقق من اتفاقيات الحد من الأسلحة، مثل معاهدة ستارت الجديدة، وتعني هذه الحافظة الواسعة أن البنية التحتية العلمية والتكنولوجية لمشروع الأمن النووي ستظل ركيزة أساسية لاتفاقيات الحد من الأسلحة المستقبلية المحتملة مع روسيا والصين، بالإضافة إلى الانخراط الإستراتيجي مع دول مثل إيران وكوريا الشمالية.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك عدد لا يحصى من البرامج التي تهدف إلى تأمين مصادر فضفاضة للمواد المشعة والحد من التهريب – مما يحد في نهاية المطاف من توافرها للجهات الفاعلة السيئة، ومن حيث الجوهر، لعب مشروع الأمن النووي دورًا في تحقيق مجموعة واسعة من الجهود المدعومة من الحزبين.
ويختتم الباحثان مقالهما بتأكيد أن البنية التحتية للإدارة الوطنية للأمن النووي تُعد العمود الفقري لمجموعة واسعة من أهداف الأمن والسياسة الخارجية. وعلى الرغم من أن تركيبة المخزون النووي للولايات المتحدة لا تزال مثيرة للجدل، فإن الاستثمار في مشروع الأمن النووي لا ينبغي أن يكون كذلك، إن مشروعًا نوويًّا حديثًا يُعوَّل عليه يضمن أن يظل الردع النووي الأمريكي ذا مصداقية فيما يوفر لحكومة الولايات المتحدة أكبر مجموعة متنوعة من خيارات السياسة الممكنة في مفاوضات الحد من التسلح المستقبلية.