الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بوتين، وبهلوانيات الهروب إلى الأمام

بوتين، وبهلوانيات الهروب إلى الأمام

18.06.2017
د. يحيى العريضي


كلنا شركاء
السبت 17/6/2017
في عالم يفتقد قانوناً فاعلاً للمحاسبة على جريمة القوي، يصعب أن تجد قانوناً يحاسب على “الوقاحة”. فعندما يصرح الرئيس الروسي بانه جرّب واختبر أهم الأسلحة الروسية في سورية- ما يساهم بازدهار تسويق السلاح الروسي- فإنه لا يتوقع أي حساب أو ردع على “التبجح”، الذي لا يمكن اعتباره أقل من تسويق للجريمة والإرهاب. رغم أن هذه ليست المرة الأولى التي يصرح فيها مسئوول روسي حول تحويل سورية إلى ميدان تجارب وسوق لترويج أداة القتل في سورية، إلا أن تصريحات بوتين هذه أتت في سياق مختلف عمّا سبقها؛ وتمثّل في جزء منها هروباً واضحاً إلى الأمام من استحقاقات داخلية مؤلمة وخارجية أكثر إيلاما. تصريح السيد بوتين هذا ياتي بعد أيام على مظاهرات شعبية للمعارضة الروسية في عموم روسيا تقريباً. إنها تاتي في ظل وضع إقتصادي خطير وفساد ينخر المنظومة الحاملة لبهلوانيات بوتين بين الرئاسة ورئاسة الوزراء مع اقتراب نهاية ولايته الرئاسية، وارتباكه في العودة إيها.
       في البهلوانيات الخارجية، التي يحاول بوتين الهروب إليها؛ وبعد التمترس الأمريكي بمنطقة التنف السورية الاستراتيجية المتحكمة بحدود ثلاث دول؛ وبعد استشعاره أن تكتيكاته “الأستانية” (في تحديد مناطق تهدئة قابلة للقضم من قبل منظومة الإجرام التي يحميها في دمشق) أضحت مكشوفة؛ يستنجد بوتين بأمريكا ودول أخرى كي تساعده بحل ما يسميه خبثاً بـ “”ازمة””” سورية.  فإذا كان بوتين يعترف بعجزه عن إيجاد حل في سورية، عليه بداية ألاّ يستمر بـ “تكتكته” المقيتة، والمتمثلة بداية بإطلاقه عبارة “” أزمة “” على القضية السورية، هناك بداية “قضية” سورية لا “أزمة” سورية؛ والقضية تتمثل بثورة شعب على الاستبداد والدكتاتورية؛  ثورة على نظام  قرر أن يقتل شعبه إن فشل في حكمه؛ وفشل. قضية ثورة أهل سورية على الاستبداد وتضحياتهم الجسام للتغيير لا يمكن أن تُختصر بمفردة”أزمة” تسعى العصابة الحاكمة ومن يدعمها لتسويقها.  الأحرى بالسيد بوتين  أولاً إن كان صادقاً أن يعترف وينطلق من أن “النظام” الذي أتى ليحميه هو نظام إجرام ولا يكتفي بعبارة “إن النظام ارتكب بعض الأخطاء“؛ فهذا تزوير ومكابرة وفشل.
      يدرك السيد بوتين ان السوريين سمعوا كثيراً عن “حل سياسي” لقضيتهم – التي يصرّ على تسميتها “أزمة”- ويعرفون تماماً أنه لم ينهج إلا الحل /الأمني العسكري/ تماماً كما يشتهي نظام الإجرام الذي يحميه؛ وكما تخطط إيران؛ التي لعبت ببوتين ذاته لحاجتها إلى قوة كبيرة غاشمة في إنجاز مشروعها الاستراتيجي. يعرف السوريون أنهم بالحل العسكري خاسرون بحكم القوة الشرسة الإجرامية التي تواجهم، وكذلك بـ /الحل السياسي/ حيث لا يجدون نصيراً صادقاً لقضيتهم. ولكنهم يعرفون ويعرف الآخرون وعلى السيد بوتين أن يعترف أن قضيتهم قضية حقوق؛ وبهذه يكسبون. حق السوريين كالرمح، لا بوتين ولا أي قوة في الدنيا يمكنها إنكاره أو سحقه. نظامهم الذي يسميه بوتين “شرعياً” لم يحمل مسؤولية حمايتهم- وهذا أحد واجباته- بل هو من نسف أمنهم وأمانهم وحياتهم؛ والأهم أن السيد بوتين شارك بذلك؛ وما يحمله هذا النظام من جرائم بحقهم هو شريك بها؛ فهو مَن استخدم الفيتو ثمان مرات لحماية الجريمة. كان الغرب الذي يسجل عليه نقاطاً مغتبطاً؛ وكان السوريون ينزفون. ارتكب النظام الذي يحميه جرائم حرب وموثّقة؛ ولكنه تصوّر بهلوانياً أنه تستطيع انتشال تلك العصابة من جرائمها بالانكار والتزييف والكذب؛ ولكن الوثائق تلاحق العصابة؛ ولا بد ستلاحق الحامي أيضاً. اغتبط بداعش والإرهاب كذرائع لتبرير جرائم من يحميهم؛ وكل ذلك لم يجده نفعاً. هددّ السوريين بالتقسيم أخيراً؛ ولا زال يحاول إخراج ذلك كالحاوي في مناطق “منخفضة التوتر”؛ وهذا لن يجده نفعاً أيضاً.  وها هو الآن يستجدي مساعدة لحل للـ “أزمة” السورية.
         “تكتيك” بوتين يجبره على الهروب إلى الأمام مدركاً في أعماقه أن خطوته الأولى لحل أزماته الداخلية والدولية أن يسعى، بحكم وجوده العسكري الأقوى في سورية، إلى إخراج إيران وأذنابها من الأرض السورية. فهل سيتمكن من ذلك؟ ربما يكون قادراً، ولكنه لن يفعلها، بحكم تعليقه آمالاً كبيرة على “التكتيك” متذرعاً بان  إيران- التي استثمرت في سورية وخرّبت في البنية الإثنية والديموغرافية والإقتصادية- يصعب زحزحتها؛ ولذلك يداريها ويسعى لاستخدامها كورقة ضغط على من يضغطون عليه ويستخدمونه كوجه قباحة. كل ذلك رغم استشعاره “العين الحمراء” تجاه إيران في واشنطن، فيسعى لاستغلال ذلك كمعين؛ ولكنه يُصدَم بتمرير “الكونغرس” الأمريكي تشديداً مخيفاً وتوسيعا خانقاً على العقوبات المفروضة على روسيا، ليصبح كدجاجة ضُرِبَت على رأسها. ينتظر لقاء العشرين الكبار في “هامبرغ” ويتطلع إلى ذلك اللقاء مع /ترامب/؛ ولكنه من الآن على يقين بأن ذلك لن يكون كما يشتهي؛ فترامب يسعى بقدر جهده النأي بنفسه عن كل ما رائحته روسيّة، علّه ينجو من “لعنة التواصل مع الروس” التي تلاحقه؛ وقد تودي به.
         بالعودة إلى القضية السورية، هناك حقائق لا بوتين وتكتيكاته وبهلوانياته وهروبه إلى الأمام ولا غيره يمكنه القفز فوقها:
*  “النظام” الذي يسميه “شرعيا” مات وشبع موتاً عسكرياً واقتصادياً وسيادياً؛ والأهم أخلاقياً.
*   قضية الشعب السوري وحقه في الحرية والكرامة تماماً كحق الشعب الروسي الذي يحاول الهروب منه.
*   كل محاولات بوتين وإيران والنظام من استحضار الإرهاب إلى داعش إلى التشويه والشيطنة والأستنة والدسترة والإجرام؛ إضافة إلى من تنكّر بثوب صديق للشعب السوري ودعم القتلة خفية…. كل ذلك فشل في هزيمة حق السوريين في الحرية والكرامة.
سيّد بوتين، عليك أن تصحى وتوقف “تكتيكاتك” وإلاّ لن تعود رئيساً وتتحكم برقاب الروس مرة رابعة.