الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بماذا تواجه "قانون قيصر"؟

بماذا تواجه "قانون قيصر"؟

30.06.2020
يحيى العريضي



سوريا تي في
الاثنين 29/6/2020
في لندن، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية و"الكومنولث" البريطاني "جاك سترو"، وصف وزير خارجية الأسد القرار الدولي 1559 بـ"القرار التافه"؛ وعلى إثره خرجت قوات الأسد ذليلة من لبنان. وحدها إسرائيل تستطيع أن تضرب عرض الحائط بالقرارات الدولية، وما من أحد يعكر صفوها، حيث أطفأت مثلاً القرار 242 دون اكتراث. حدث ذلك في وقت كانت سوريا والعرب يتمسكون به بأظافرهم؛ ليتبيّن أن ذلك التمسك كان خلّبياً؛ وليتّضح أن عودة الجولان لسوريا تُسقط مبرر "المقاومة والممانعة"، الذي عاش عليه نظام الاستبداد. والآن، كما القرار 1559 (الذي كان دولياً، لكن أمريكا تحديداً وراءه)، كذلك قانون قيصر، الذي يأتي بزخم وثقل يتجاوز بقوته ما واجه المنظومة الأسدية تاريخياً؛ فبأي أدوات سيواجه هذا القانون، وهل يراه تافهاً أيضاً؟
هل يواجه النظام قانون قيصر بمزيد من الانفصام عن الواقع، كأن يعتبر كلام "جيمز جفري" الذي دعا فيه النظام لتغيير أو تحسين سلوكه، عرضاً أمريكياً لبقاء النظام؟! فهل من جديد في تصريح جفري، عندما يعرف القاصي والداني أن النظام وسلوكه شيء واحد. هل ستكون المواجهة ببيع المزيد من مقدرات سوريا إلى المحتل من أجل البقاء. وهل يفكر النظام بمواجهته بمجتمع نهب ثرواته، وأفقره، ودمّر نسيجه، وشرّده، وأذلّه؟!
بعد توقيعه من الجهة التي سنّته، أعطى القانون هذه العصابة نصف عام لرفع مفاعيله؛ ولكنها ضربت بهذا الوقت الطويل عرض الحائط. لقد قال القانون برفع الحصار ووقف التجويع؛ فزادت العصابة الحصار، وتفاقم العوز. قال بإطلاق سراح المعتقلين؛ فزاد الاعتقال، ووصل المزيد من بيانات الوفاة في السجون إلى أهالي المعتقلين. قال بزيارة المعتقلين؛ فزادت الرشاوى لسماسرته. قال بالدخول الجدي في العملية السياسية، فزاد التلاعب والتهرب والعرقلات.
يعرف أن أركان الحرب -برضاه- منشغلون بالتعفيش وتهريب أولادهم وأموالهم خارج سوريا
لم يجمع رئيس النظام أركان حربه، ولا جبهته الوطنية التقدمية، ولا أركان حزبه، ولا وزارته، ولا عقول مراكز البحوث وإدارة الأزمات لمواجهة هذا القانون؛ بل اكتفى باجتماع مع بعض القطيع من الماعز والأغنام في الطريق إلى غداء عائلي. يعرف أن أركان الحرب -برضاه- منشغلون بالتعفيش وتهريب أولادهم وأموالهم خارج سوريا، بعد أن أخرسوا ما تبقى من "الشعب الإرهابي"؛ ويدرك أن جبهته الوطنية وحزبه البعثي يسهرون على اختيار مرشحين لـ“مجلس الشعب" أفضلهم راشٍ ومرتش، أو من أقرباء ومحاسيب المكلفين بمهمة الاختيار. أما وزارته فغير معروف مَن رئيسها؛ أهو "الخميس" الذي ساهم بتوجيهاته بالسرقة والخراب، والمودع في السجن الآن، أم "العرنوس" السمسار الآخر المُحرج بالتعرف على قريبه بين صور "قيصر". ربما يعتمد في المواجهة على مراكز البحوث وإدارة الأزمات، والتي تأتي على رأسها الدكتورة البروفيسورة المستشارة السياسية والإعلامية بثينة شعبان التي ترى أن كل مسألة قيصر مفبركة، وما على السوريين إلا "الصمود".
أراهن أن تلك المخاليق الإجرامية وجدت في قانون قيصر أداة وفسحة جديدة لشد الحبل على عنق الإنسان السوري، لجعله بلا صوت على الإطلاق. وإذا كان هذا النظام أساساً يأخذ الشعب السوري رهينة، فإنه سيجد في هذا القانون أداةً إضافية لمزيد من الابتزاز والخنق والمساومة. لقد كانت ردة فعله الرسمية الأولى بأنه اعتبر القانون جزءاً لا يتجزأ من "المؤامرة الكونية" التي- كما يعتقدون ويشيعون- لم تتمكن من نظام "الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة"، فتلجأ للحرب الاقتصادية. هكذا بالضبط أتحفنا وزير خارجية العصابة، الذي قرر يوماً إزالة أوربا عن الخريطة. باختصار، ربما يرون فيه المشجب الذي تعلق عليه العصابة الفتك بكل مناحي الحياة السورية. وكما داعش والنصرة كانت الحجج التي ساقتها العصابة لوصم السوريين بالإرهاب، كذلك هذا القانون الذي ستعلق عليه جوع السوريين، وتشردهم، ودمار بلادهم. وهو الذي ستبرر من خلاله ارتماءها بأحضان الاحتلال الإيراني والروسي كـ “حلفاء".
إن الطريق الأقصر والأنجع لمواجهة قانون قيصر تكون بتطبيق القرار الدولي 2254؛ وهذا يعني ويستلزم الدخول في مفاوضات العملية السياسية؛ ومعروف أن النظام مستعدٌ لفعل أي شيء إلا الدخول في العملية السياسية، لأن تفاوضه سيكون على رحيله. ولذلك سيجدد طرقه في التحايل على المفاوضات وعرقلتها ونسفها إن استطاع لذلك سبيلاً. ومن هنا على السوريين دفع المجتمع الدولي وخاصة صناع القرار إياه لدعوة مَن لم يشاركوا النظام إجرامه للقيام بعملية التفاوض؛ وعلى "المعارضة" أن تجعل ذلك شرطاً للتفاوض.
لا يرفع مفاعيل هذا القانون (غير التافه) إلا زوال المتسبب بكل هذا الدمار لسوريا وأهلها. وها نحن أمام سباق مع الزمن بين شعب يريد أن يعود إلى الحياة، ومنظومة لا تعيش إلا بسحق هذا الشعب. منظومة تعرف أن بقاءها هو الموت النهائي لسوريا. ومن هنا، على السوريين أن يدركوا درجة اللامسؤولية والأنانية واللاوطنية بموقف هذه الطغمة. ومن هنا، فإن آخر من يحق له التحدث عن الوطنية والفداء والصمود والمقاومة هو هذه المنظومة. قانون قيصر سيرتفع؛ ولكن ذلك لن يحدث إلا بزوال الاستبداد. وعلى السوريين أن يختاروا بين استمرار مأساة نصف قرن، أو الطلوع إلى الحرية.