الرئيسة \  تقارير  \  بلومبرغ : ما يعنيه العيش في ظل تضخم مرتفع طويل المدى

بلومبرغ : ما يعنيه العيش في ظل تضخم مرتفع طويل المدى

25.04.2022
أليسون شرايغر


أليسون شرايغر
بالاتفاق مع “بلومبرغ”
الشرق الاوسط
الاحد 24/4/2022
إذا كان عمرك أقل عن 45 عاماً وتعيش في أميركا أو أوروبا، فالاحتمال الأكبر أن العام الماضي كان أول تجربة حقيقية لك مع التضخم. وباستثناء فترة وجيزة عام 2008، فقد تجاوز التضخم بالكاد 3 في المائة على مدار الأعوام الـ30 الماضية.
اليوم، عاد التضخم، وارتفع متجاوزاً 8 في المائة الشهر الماضي، وربما يزداد الأمر سوءاً قبل أن يتحسن. الاحتمال أن بعض العوامل الدافعة وراء ارتفاع الأسعار اليوم واضطرابات سلسلة التوريد والحرب في أوكرانيا، ستنحسر نهاية الأمر. ومع ذلك، ثمة أسباب تدعونا للاعتقاد بأننا لن نعود إلى نسبة التضخم 2 في المائة بعد الآن. لقد أصبح الاقتصاد مختلفاً اليوم، وأعتقد أن خط الأساس الجديد للتضخم سيتراوح بين 4 في المائة و5 في المائة.
من ناحيتهم، اعتاد الأميركيون على التعايش بشكل جيد عندما شكل التضخم المرتفع القاعدة السائدة، لكن العالم أصبح مختلفاً الآن، ذلك أن مستوى التضخم البالغ 4 في المائة يفرض تكاليف ويحمل مزايا جديدة أمام جيل جديد.
والآن، ماذا يعني أن تعيش حياتك أو تدير عملك في وقت يتأرجح فيه التضخم بين 4 في المائة و5 في المائة بدلاً من نسبة 1.5 في المائة إلى 2.5 في المائة التي اعتبرناها أمراً مضموناً لفترة طويلة؟ لرسم هذه الصورة، نحتاج إلى افتراض درجة معقولة من الاستقرار. إذا كان التضخم أعلى، لكن ظل في نطاق ضيق، فلن يسبب كثيراً من الضرر. في الواقع، كان متوسط معدل التضخم 4 في المائة أو 5 في المائة لسنوات كثيرة واستمر الاقتصاد في النمو.
ومع ذلك، تغير الكثير منذ أواخر الثمانينات عندما كان التضخم يحوم حول مستوى 4 في المائة. ويعد هذا المعدل ضعف ما اعتاد عليه الناس في الوقت الحالي، وسيتعين على جميع قطاعات الاقتصاد التكيف. جدير بالذكر هنا أن الحصول على زيادة في الراتب كان أقل أهمية عندما كان التضخم 1 في المائة أو 2 في المائة. واعتاد أرباب العمل إعطاء زيادات أقل. وفي المرة الأخيرة التي كان فيها التضخم مرتفعاً، تفاوضت النقابات على زيادة علاوة تكاليف المعيشة السنوية المضمنة في رواتب كثير من العمال. الآن، سيحتاج معظمهم إلى المطالبة به لأنفسهم. أما فيما يخص العمال الذين لا يتفاوضون ـ أو لا يستطيعون التفاوض ـ على الزيادات التي يمكن أن تواكب التضخم، فإن تعويضهم الحقيقي سيتقلص كل عام لأن رواتبهم تساوي أقل. وحتى إذا حصلت على زيادة مناسبة، فإن هذه الزيادات تأتي بشكل عام مرة واحدة فقط في العام، في الوقت الذي يحدث فيه التضخم باستمرار، ما ينقص قوتك الشرائية.
ولن يكون الأمر سهلاً على الشركات أيضاً، ذلك أنها ستواجه تكاليف أعلى للعمالة والإيجار والسلع التي تستخدمها. وستحتاج الشركات إلى زيادة أسعارها على نحو متكرر، الأمر الذي قد يفقدها عملاءها. ويخلق هذا الوضع ظروفاً غير مواتية أمام الشركات الصغيرة، ذلك أنه يدفع الطلب الشركات الكبيرة ذات هوامش الربح الأكبر التي يمكنها تحمل بعض التضخم، وبالتالي تنقل قدراً أقل من الألم إلى المستهلك.
والمعتقد أن التضخم سيمثل مشكلة أكبر للشركات الصغيرة عما كان عليه الحال في الثمانينات، بسبب هيمنة شركات كبرى على السوق في الوقت الراهن. ونتيجة وجود “الإنترنت” التي دفعت الأسعار نحو الانخفاض من خلال تعزيز الشفافية، ستزداد صعوبة رفع الأسعار لمستوى أعلى عن المنافسين، الأمر الذي سيشكل ضربة جديدة للشركات الصغيرة.
من جهتها، سترتفع أسعار الفائدة لأن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة لإبقاء التضخم تحت السيطرة، وسيطالب المستثمرون بمعدلات أعلى للتعويض عن التضخم. ويعني ذلك بدوره زيادة تكلفة قروض الرهن العقاري، الأمر الذي يؤدي في العادة إلى إلحاق الضعف بأسعار المساكن. ومع هذا، فإنه طالما أن الطلب يفوق العرض ـ وهو ما نراه الآن ـ وإذا استمرت سوق الإيجار في الارتفاع، فليس بإمكانك أن تعوّل على مسألة انخفاض أسعار المساكن.
ومع ذلك، إذا كنت تمتلك بالفعل منزلاً برهن عقاري بسعر ثابت، فإن هذا يعني أن راتبك سيرتفع، في الوقت الذي ستبقى مدفوعات الرهن العقاري الشهرية كما هي، ما يعني أن تكاليف المسكن الحقيقية ستنخفض (وإن كان الأمر نفسه لا ينطبق على ضرائب الممتلكات أو تكاليف الصيانة).
بجانب ذلك، ستزداد صعوبة الادخار والاستثمار. في الوقت الحالي، تدفع البنوك في الأساس ما يقرب من صفر فائدة على مدخراتك. وإذا ارتفع التضخم، فستدفع فائدة أكثر قليلاً، لكن لا تتوقعوا معدلات 8 في المائة المدفوعة على شهادات الإيداع في الثمانينات. اليوم، أصبحت البنوك في حاجة أقل إلى الخدمات المصرفية للأفراد مما كانت عليه في الثمانينات، لذا فإن الاحتمال الأكبر أنها ستكون أقل ميلاً نحو زيادة الأسعار لجذب العملاء لفتح حسابات.
وتوفر السندات الحكومية خياراً آخر للاستثمار منخفض المخاطر، وستزيد هذه المعدلات هي الأخرى. إلا أنها قد لا تزيد بما يكفي لتعويض التضخم، لأنه، بالمقارنة مع الثمانينات، لا تزال الأصول الآمنة مطلوبة بشدة من جانب الحكومات والبنوك الأجنبية لأسباب تنظيمية. لذلك، إذا كنت ترغب في حماية مدخراتك من التآكل بفعل التضخم، فسيتعين عليك الاستثمار في الأصول مرتفعة المخاطر.
وإذا اضطررت للجوء إلى الأصول ذات المخاطر المرتفعة، فإن التنويع سيكون المفتاح، ذلك أن الاحتفاظ بكثير من الأسهم يقلل المخاطر التي تواجهها من دون تقليل العائد المتوقع. وتكمن أسهل وأرخص السبل نحو التنويع في شراء صندوق مؤشر أسهم بسيط، مثل “ستاندرد آند بورز 500”. وإذا كنت تريد مزيداً من التنويع، فاختر صندوق أسهم عالمياً. تعد هذه الاستثمارات وسيلة جيدة للتحوط من التضخم، خصوصاً أنها متنوعة بشكل جيد وذات سيولة عالية، ما يتيح لك بيعها إذا كنت بحاجة إلى سيولة نقدية.
وإذا كنت ترغب في مزيد من المخاطر ومزيد من التنويع، فيمكنك تضمين صندوق سلع أو صندوق سندات يتضمن سندات شركات أو البلدية. المفتاح هنا يكمن في العثور على الأموال التي تفرض رسوماً منخفضة، وتكون سائلة، وتتضمن أكبر عدد ممكن من الأوراق المالية المختلفة. أيضاً، تمثل العقارات وسيلة جيدة للتحوط من التضخم، لكنها أقل سيولة وتحمل رسوماً أعلى، لذلك لا ينصح بها إلا إذا كنت تخطط لامتلاكها لفترة طويلة.
من ناحية أخرى، عادة ما يكون المتقاعدون الأكثر تضرراً من التضخم لأنهم يعيشون على دخل ثابت. والخبر السار هنا أن الضمان الاجتماعي مقيد بالتضخم. إلا أنه عندما كان التضخم عند مستوى منخفض، قللت بعض خطط المعاشات التقاعدية من تعديلات تكلفة المعيشة، التي لم تكن تبدو كبيرة في ذلك الوقت. إلا أنه في ظل وجود تضخم عند مستوى 4 في المائة أو 5 في المائة، فإن المتقاعدين سيلحظون الاختلاف بالتأكيد.
في المقابل، سيكون للتضخم المرتفع بعض الفوائد، خصوصاً إذا كانت لديك ديون أكثر عن المدخرات، وذلك مع ارتفاع دخلك في الوقت الذي تبقى قروضك كما هي، ما يعني أن لديك مزيداً من المال لتسديد المدفوعات أو سدادها بالكامل. وستكون هذه نعمة لأصحاب ديون الطلاب وأصحاب المنازل الذين لديهم قروض عقارية بسعر ثابت.
* بالاتفاق مع “بلومبرغ”