الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بعد قرار ترامب هل نُودِّع اللجنة الدستورية؟

بعد قرار ترامب هل نُودِّع اللجنة الدستورية؟

23.12.2018
عبد الرحمن الحاج


سوريا تي في
السبت 22/12/2018
وصلت لجنة سوتشي الدستورية إلى طريق شبه مسدود فقد أعلن ديمستورا فشل الجهود حتى الآن في تشكيل اللجنة والاتفاق على قواعد عملها ووظيفتها، وسبق هذا الإعلان إعلان سابق لديمستورا فشل أطراف أستانة الثلاث (تركيا مقابل روسيا وإيران) في التوصل إلى صيغة اتفاق حول اللجنة الدستورية، وتحديداً تسمية "الثلث الثالث" المنحدر من المجتمع المدني، في وقت اتفق الروس والأمريكيون على أن يتم تشكيل اللجنة قبل نهاية كانون الأول/ديسمبر الحالي، وديمستورا ذاته الذي طالما قال إن هناك تقدم، أعلن للمرة الأولى الفشل في الوصول إلى تشكيل اللجنة، ولأنه معني بشكل رئيسي بها فقد كان أحد الأطراف الرئيسية التي سوقت للجنة ومنحها الشرعية الأممية، فإن يوم 14 كانون الأول/ديسمبر قد يشكل يوماً فارقا في موضوع اللجنة، فديمستورا سيقدم إحاطة أخيرة لمجلس الأمن قبل أن يودع عمله، وهنالك بعض "الأمل" تحاول روسيا الإيهام بإمكانية تسمية اللجنة قبل هذا الموعد، وإن لم يكن هذا الموعد فقبل نهاية العام. أي في موعد أقصاه ثلاثة أسابيع من الآن.
وإنكم إذ تدفعون المعارضة ولو بحذر للذهاب إلى مؤتمر سوتشي فإنما تدفعونهم إلى ملعب الشيطان الروسي وقواعده وتتخلون عنهم
معظم الأطراف الدولية كانت مقتنعة بأن "مؤتمر سوتشي" ليس سوى خدعة روسية لحرف مسار العملية السياسية المفترض، قلنا للمبعوثين الدوليين مراراً في الاجتماعات التي سبقت سوتشي إن الهدف واضح، وإنكم إذ تدفعون المعارضة ولو بحذر للذهاب إلى مؤتمر سوتشي فإنما تدفعونهم إلى ملعب الشيطان الروسي وقواعده وتتخلون عنهم، لم يكن لدى "الأصدقاء" وقتها سوى إجابة واحدة، هي أننا نستطيع تجنب الانزلاق نحو الرغبة الروسية بإبقاء العملية حية في جنيف، وربط سوتشي بها، وفعلوا ذلك فعلاً، لكن الأمر كما ظهر خلال السنة الفائتة كان تذويب الحل السياسي في كأس الحل الروسي لا العكس!
وتبيّن بوضوح لاحقاً أن الأصدقاء الأوربيين يخشون أن ينجح الروس في فرض الحل الذي يناسبهم ويخرج الأوربيون بدون أن يكون لهم أي نصيب أو تأثير في أي شيء، خصوصاً وأنهم يفتقدون أي دور قوي للولايات المتحدة يمكن أن يشكل ظهيراً لهم، ولهذا السبب فقد كانت لهم رغبة في إبقاء "شعرة سليمان" مع الروس والنظام، أيضاً تمكّنهم من ضمان الحد الأدنى من مصالحهم فيما لو نجح الروس في فرض مسارهم السياسي، هذا الذي كان يجعلهم يبدون غير واضحين كفاية في التعاطي مع الدفع الروسي نحو حل يغير جذرياً جنيف1.
يعرف الجميع أن المبعوث الأمريكي جيمس جيفري استطاع مع وزير الخارجية إرباك ثلاثي أستانا، وحشرهم في الزاوية بعد تهديدهم بإنهاء مسار سوتشي برمته، وكانت مساعيه تهدف إلى تحقيق لجنة متوازنة وذات مصداقية بإشراف الأمم المتحدة وتعمل في إطار المرجعيات الدولية (قرارات مجلس الأمن، وبشكل خاص بيان جنيف 1 والقرار 2254/2015)، وبآليات واضحة. شكل ثلاثي أستانا قائمة مشتركة من المجتمع المدني، والتي كان من المفروض أن يقوم ديمستورا باقتراحها؛ لكنهم أرادوا بذلك سلبه حتى هذا الدور من أجل مزيد من التحكم بالعملية من قبلهم وإضعاف دور الأمم المتحدة.
في معمعة هذه المساعي الأستانية أعلن وزير الخارجية لافروف أن الضامنين الثلاثة اتفقوا على قائمة الثلث الثالث في استباق لكلمة ديمستورا التي كانت أول أمس، لكن ديمستورا أعلن الفشل في تشكيل اللجنة مستنداً إلى الموقف الأمريكي والأوروبي، وكان من الممكن لإعلان ديمستورا هذا أن يشكل أهمية كبيرة وعلامة فارقة في العملية السياسية لولا أن حدثت المفاجأة عشية عرض ديمستورا لمجلس الأمن، عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب الكامل والسريع من سوريا.. لا يكاد أحد يصدق أن هذا القرار اتخذ بالفعل، لكن كثير من المؤشرات توحي بجديته، وإن كان تطبيقه قابل لأن يكون موضوع تفاوض ومناورات سياسية. لكنه قرار اتخذ رسيما، ووُقّع من قبل الرئيس.
كان من الممكن لإعلان ديمستورا هذا أن يشكل أهمية كبيرة وعلامة فارقة في العملية السياسية لولا أن حدثت المفاجأة عشية عرض ديمستورا لمجلس الأمن، عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب الكامل والسريع من سوريا
ارتبك الجميع أمام هذا القرار غير المتوقع، فقد كانت جميع التصريحات حاسمة في تغيير بنية النظام تغييراً جذريا على حد تعبير المبعوث الأمريكي، والاستناد إلى الوجود الأمريكي لفرض موقف يوجب على الجميع التعاطي معه، وقد بدا أن هذا الموقف يثبت فعالية واضحة عندما أربك مسار أستانة وهدّده بالفعل وسرّع من مساعي تشكيل اللجنة الدستورية. بدت علامات الارتباك على ديمستورا نفسه الذي كان قد وزّع على الصحفيين نص كلمته أمام مجلس الأمن، وقام بسرعة بتعديل كلمته لتلائم هذا المستجد الهائل.
وإذ ينسحب الأمريكان عسكرياً من شرق سوريا ويتخلون عن مصدر قوتهم، وهو الذي أجبر الروس وغيرهم على التعامل مع موقفهم وتلبية مطالبهم والاهتمام من تلبية وجهة نظرهم، والآن ماذا تبقى من مصادر قوة للأمريكيين على الأرض السورية لكي يفرضوا وجهة نظرهم؟ ولماذا ينصاع الروس وشركاء أستانا لهم طالما صار الشرق مفتوحاً وأطلق سباق الاستحواذ على الأرض التي سيتخلى عنها الأمريكان؟ إنه لأمر بديهي أن يتم تأجيل العملية السياسية والمماطلة فيها إلى حين حصول توازن جديد في السيطرة على الأراضي شرق الفرات، والتي ستضع المناطق تحت النفوذ التركي في موضع تهديد غير مسبوق، وربما تجبر الأتراك على تفاوض سريع للخروج منها ضمن شروط محددة تتعلق جميعها بالأمن القومي وعودة اللاجئين.
النتيجة المباشرة لقرار ترامب هو وداع اللجنة الدستورية تحت مظلة الأمم المتحدة وإيقاف كل "المساعي" في تشكيلها، وتسليم سوريا للإيرانيين.