الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بشّار.. وبشير

بشّار.. وبشير

14.04.2019
مهنا بلال الرشيد


سوريا تي في
السبت 13/4/2019
هل حضرتَ تلقينَ أحد الأموات في المقبرة في واحدة من المدن السّوريّة قبل انطلاق الثّورة؟ إذا كنت قد حضرتَ التّلقين فلا شكّ أنّك سمعت ما يشبه عبارة: (بشّار وبشير)، حين كان الشّيخ يقاطع النّاس، وهم يُهيلون التّراب على قبر المتوفّى، قبيل ظهور التّيّارات الدّينيّة المتشدّدة الّتي تُحرِّم التّلقين؛ ليدعو الشّيخ للمتوفّى، ويلّقنه حجّته؛ قائلًا: في هذه السّاعة المباركة يأتيك الآن مَلَكان، يُقال لهما: أنكر ونكير، وفي رواية أخرى للأمّة الإسلاميّة: مبشّر وبشير؛ فيسألانك عن ربّك ونبيّك ودينك...، ثمّ يختم الشّيخ تلقينتَه بقوله للمتوفّى: لقّنَك الله حجّتك، ورحم الله من أهال التُّراب...
هذا الطّقس الجنائزيّ كثيرًا ما يذكّرنا بسقوط واحد من قادة الأنظمة العربيّة الاستبداديّة أو طغاتها الانقلابيّين، الّذين يلتصقون بكراسي السّلطة، ولا يغادرونها إلّا بثورة تقتلع جذورهم، وتهدم أركان أنظمتهم الإجراميّة، وربّما غادر الحاكم المستبدّ كرسيّ السّلطة إلى المقبرة مباشرة، وقد يغادرها إلى مختبرات التّحنيط لدراسة فيزيولوجيا الجسد الّذي حكم البلاد مشلولًا لشهور أو سنوات.
زار (المخلوع) عمر البشير (المخلوع) بشّار الأسد منذ شهور قليلة، وكانت زيارته هذه آخر زيارة تجمع بين مجرمين؛ ليس لهما من اسميهما أيّ نصيب، وللإيضاح نقول: إنّ كلمة (المخلوع) في الذّاكرة الجمعيّة العربيّة تعني الحاكم الّذي خلعه شعبه، وثاروا ضدّه، حتّى أزاحوه عن الحكم، مثلما تعني المجنون الّذي تخلّى عن عقله؛ فرفع النّاس عنه القلم، حين صار يهذي بأقوال وخطابات وفلسفات انفصاميّة لا يفهمها حتّى أمثاله من المجانين، ومثلما تطلق العرب على (الملدوغ) من عقرب أو أفعى لقب (السّليم) تفاؤلًا بسلامته؛ كذلك جاز أن نطلق على أيّ حاكم مستبدّ لقب (المخلوع) تفاؤلًا بخلعه والخلاص منه.
هذا الطّقس الجنائزيّ كثيرًا ما يذكّرنا بسقوط واحد من قادة الأنظمة العربيّة الاستبداديّة أو طغاتها الانقلابيّين، الّذين يلتصقون بكراسي السّلطة، ولا يغادرونها إلّا بثورة تقتلع جذورهم
وربّما تكون عدوى الانفصام قد انتقلت من الحكّام المستبدّين المجانين المخلوعين أنفسهم إلى كثير من جماهيرهم ومرتزقتهم؛ الّذين أُشربوا من سموم (نهر الجنون)؛ جنون العظمة والتّشبّث بالكرسيّ؛ فصاروا يهذون مثل قائدهم المخلوع المجنون تارة، ويرحّبون بزيارة بشير (المخلوع) (للمخلوع) بشّار تارةً أخرى؛ بوصف الزّيارة انتصارًا ضدّ الحرب الكونيّة على بشّار ومزرعة آل الأسد ومرتزقتهم، وراح بعض المرتزقة-بعدما ثملوا بفتات موائد المخلوعين-يساندون المرأة السّودانيّة الثّائرة ضدّ بشير (المخلوع) صديق (المخلوع) بشّار، وينشرون صورَها مع قصائد الثّورة، وتبريكات الحرّيّة والخلاص في صفحاتهم على مواقع التّواصل، مع تجاهلهم التّامّ لصور النّساء المعتقلات والمغتصبات السّوريّات في سجون بشّار.
وهنا يمكننا أن نتساءل إذا ما كانت هذه الطّائفة المؤيّدة للإجرام والمجرمين من الجماهير السّوريّة خاصّة والعربيّة عامّة مصابة بعدوى الجنون أو الانفصام حين تبارك للشّعب الجزائريّ خلاصه، وتُجاهر بدعم المرأة السّودانيّة ومطالب الشّعب السّودانيّ الثّوريّة مع تجاهلها براميل بشّار وجرائمه الإنسانيّة؟ وإن لم تكن هذه الطّائفة مصابة بالجنون والانفصام، أيمكنُ توصيف منشوراتها بالنّفاق وازدواجيّة المعايير أم أنّها نوع من التُّقية؟ وإن جاز توصيف هذه المنشورات بالتُّقية، فما الّذي يدفع الجماهير الصّامتة إلى الإفصاح عن تُقيتها التّشبيحيّة؟ أليس في إمكانها أن تأخذ (وضع المزهريّة)؟ هذا الاصطلاح الّذي يبرّر للمزهريّة في البيت حياديّتها تجاه مجمل الأحداث والأفعال، الّتي تجري داخل البيت وخارجه؛ لذلك يمكننا أن ننصح المنفصمين والمنافقين والرّماديّين وأصحاب التُّقية التّشبيحيّة، ونقول لهم: لا يحقّ لكم حتّى أن تباركوا لأولئك الثّائرين في الجزائر، أو تهنّئوا تلك المرأة المنتفضة في السّودان، مع صمتكم المطبق حيال ما يقترفه نظام بشّار المجرم في سوريا؛ لذلك حافظوا على صمتكم من خلال (وضع المزهريّة)، مع الفارق الشّاسع بينكم وبين المزهريّة ذاتها؛ لذلك اصمتوا، واهدؤوا، واتّعظوا، وانظروا إلى الأشياء بعين واحدة، لقّنكم الله حجّتكم، ورحم الله على من أهال التّراب على أصحاب الضّمائر الميّتة من الشّعوب والحكّام.