الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بشـار والهوية العربية في سياق التنظير

بشـار والهوية العربية في سياق التنظير

13.11.2017
ياسر الزعاترة


الدستور
12/11/2017
قبل أيام، كان بشار الأسد يتحدث لمجموعة من الكتاب العرب قيل إنهم شاركوا في ندوة حول وعد بلفور، ومن أبرز ما نقل على لسانه، وركز عليه إعلامه، والإعلام المؤيد هو القول: إن “ما تتعرض له سوريا اليوم يمثل امتدادا بشكل أو بآخر لما تعرضت له الأمة العربية على مدى أكثر من مئة عام من محاولات الغزو الفكري والعقائدي وتشويه مفهوم الهوية”.
  بشار ينصب نفسه منظّرا في الأفكار، وربما كان حاله أحسن قليلا حين يتحدث في السياسة بشكل عام، لكن الزوار لا يمنحونه فرصة التخلي عن مهمة المفكر والفيلسوف، فيضطر إلى مجاراتهم والتنظير عليهم، وقد ينصت له بعضهم بكل خشوع، لأن عين الرضا عن كل عيب كليلة، كما قال الشاعر.
هنا، وفي هذه المناسبة تقمّص بشار شخصية المفكر القومي، ربما بسبب طبيعة الضيوف الذين كان يتحدث عنهم، ولو كانوا إيرانيين مثلا، لقال شيئا مختلفا، وكذلك الحال لو كانوا من روسيا، وقد يختلف الأمر مثلا لو كانوا من الشيشان التابعة لروسيا، فلكل مقام مقال!!
لم يقل لهم المفكر القومي العظيم ما صلة ما يجري في سوريا بما تعرّضت له الأمة، وما هو الذي تعرّضت له الأمة، وهل كان خروج الناس إلى الشوارع في الربيع العرب مؤامرة تعرّضت لها الأمة، أم أنه هو (وبعض من يتهمهم بالتآمر عليه للمفارقة) من حوّلوا المشهد إلى موت ودمار؟!
أليس هو من عسكر الثورة السلمية التي هتفت “واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد”، حين أخرج السلفيين الجهاديين من السجن بعد شهور قليلة على الثورة، وهو يعرف بخبرته معهم بعد الغزو الأمريكي للعراق إلى أين سيذهبون؟!
هل يمكن لهذه الكذب  أن ينسي الناس كلام نائبه فاروق الشرع (كان للمفارقة ضمن حوار مع صحيفة “الأخبار” التابعة لحزب الله)، عن الشهور الأولى للثورة التي كان فيها النظام ينتظر رصاصة واحدة، لكي يتهم الثورة بالإرهاب، مع أن الرد على القتل ليس إرهابا.
على أن الأكثر إثارة للسخرية فيما قال، هو حديثه عن الأمة العربية، من دون أن يقول لنا هل جاءت مليشيات “زينبيون”، و”فاطميون”، الأفغانية والإيرانية إلى سوريا دفاعا عن الهوية العربية، فيما يعلم الجميع أن لا شيء يثير جنون حكام إيران أكثر من وصف الخليج العربي بالفارسي؟!
أين هي الهوية العربية التي يتحدث عنها، وهل جاء خامنئي إلى سوريا لكي تدافع عن الهوية العربية، أم جات تحفزها مشاريع التمدد والهيمنة، واستعادة ثارات التاريخ؟! وهل جاء بوتين إلى سوريا لكي يحمي الهوية العربية أيضا؟!
هو يعلم ذلك تمام العلم، وبالذات في الحالة الإيرانية، وصرخات الثأر المذهبية تصل أسماعه، بل تصله أيضا من أبناء طائفته الذي تمت تعبئتهم طائفيا لكي يخوضوا هذه المعركة المدمرة، ولن يقول لنا إنهم كانوا أيضا يموتون من أجل الهوية العربية.
بوسع الطاغية أن يهذي بما يشاء لتبرير افعاله، لكن أحدا غير مَنْ يرتبطون به، وبمشروعه لن يصدقوا ما يتدفق على لسانه من هراء، وستبقى الحقيقة الناصعة هي ذاتها ممثلة في أن من ثاروا عليه هم شرفاء الشعب السوري الحريصون على هوية سوريا العربية والإسلامية، ولم يكونوا ممن يهددون تلك الهوية، لاسيما أن الثورة لا تقاس بالفصائل وحسب، بل بعموم الشعب الذي منحها الحاضنة، وقدم أعظم التضحيات، وما وجود فصائل إسلامية سوى الرد الطبيعي على طوفان مذهبي من لون آخر، مارس الإقصاء والطائفية في العراق، ثم امتد إلى سوريا، ورحل بعد ذلك إلى اليمن.
بوسع هذا ومن يساندونه أن يكسبوا المعركة العسكرية في الظاهر (هي ستستمر بأشكال شتى)، لكنهم سيعجزون عن تزييف واقع ثورة نبيلة، فجّرها شعب رائع في مواجهة دكتاتور فاسد، استلم السلطة من أبيه الدكتاتور كما لو كان يورّثه مزرعة، وليس وطنا وشعبا.