الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بشار الأسد واللغة البيشوغليفية 

بشار الأسد واللغة البيشوغليفية 

06.06.2021
أحمد عمر


سوريا تي في  
السبت 5/6/2021 
يبدي الكاتب التركي الساخر عزيز نسين في رواية "زوبك" إعجابه بلغة أوليا جلبي، وهو رحاله عثماني طريف، يكثر من المجاز والمبالغات والتضخيم، ويذكر عزيز نسين أمثلة عليها من أقواله في مذكراته، مثل: " تقادير الرب"، "بدأت الغربة الأبدية" و"من نسل العاهرات". 
وصف أوليا جلبي ذات مرة السفينة والعاصفة على هذا النحو: كانت ترتفع تارة حتى يلامس عمودها الغيم، وتنخفض تارة حتى تظن أنها نزلت إلى الهاوية التي يسمونها الدرك الأسفل. ومن ذلك، وصفُ شارب العكيد: أحد طرفي شاربه عند الشمس، والآخر عند القمر، هي لغة التوكيد والحقيقة، وهي لغة شخصيات زوبك الذين ينظرون إلى العالم عبر مكبرة. 
لغة أوليا جلبي معروفة في الإعلام العربي، ويُعدّ أحمد سعيد رائدها، وهو علّامة في مجاله 
 تجد عبارات تعبّر عن الملل مثل: "وصلت روحي الحلقوم"، و"أدر أذنك للكلام" حتى يسمع ويتعظ، وفي ادعاء الكرم؛ "طمرته بالمال طمرًا"، ويكون الطامر قد رشا الموظف بمئة ليرة لا غير. إعلامنا كان يتكلم بلغة أوليا جلبي، خذ مثال مذيعة المطر: خرج الشعب السوري للتظاهر فرحًا بهطول المطر، وكأنَّ المطر لم يهطل منذ الحركة التصحيحية، أو أن المطر هو المهدي المنتظر. وعدّ الرئيس السوري المنتخب في دورته الرابعة، الانتخابات السورية ثورة ديمقراطية، بعد فوز السلحف الصلب الصندوق، في السباق الديمقراطي على أرنبين يضعان النظارات كعب الفنجان ويحبّان الجزر. 
لغة أوليا جلبي معروفة في الإعلام العربي، ويُعدّ أحمد سعيد رائدها، وهو علّامة في مجاله، ووجدت رجلًا يمدح وزير إعلام صدام حسين محمد سعيد الصحاف، بشعره المصبوغ بالأسود، الذي كان يهدد الغزاة بأنهم سيسقطون على أسوار بغداد، وهي مدينة ضعيفة الأسوار، ولم تعد الأسوار مهمة في الحروب المعاصرة، ويفضل أن تكون العاصمة في الوسط، وفي منطقة وعرة حتى يصعب بلوغها، ومكان العاصمة العراقية غير مناسب حسب الباحثين وعلماء السياسة، والرجل كان يغشنا نحن ولا يغش الغزاة، الذين أوهمونا بأنهم سيغزون العراق من البصرة، فهاجموا بغداد من طريق آخر. 
وكانت طائرات العدو تتساقط بلغة أحمد سعيد مثل الذباب إبان حرب حزيران العتيدة، والقدس باتت على مرمى حجر، ثم فتحنا أعيننا على الهزيمة، وأطلقنا عليها اسم نكسة، خشية على مشاعرنا الرقيقة. 
وقد أتقنّا هذه اللغة حتى في البيت والعمل، وقد فرض السيسي بمرسوم من لدنه وبركاته لغتين أخريين غير لغة أوليا جلبي وأحمد سعيد، وغير اللغات الأجنبية، الإنجليزية والفرنسية على الطالب المسكين، هما لغة الفراعنة، وهي لغة إغريقية قديمة، واللغة الصينية، فالصينيون قادمون للاحتلال، والسيسي يمهّد لهم، ويعدّ لاستقبالهم بالورود. وفي سوريا كثرت اللغات الأجنبية التي كلف بها الطالب، فهي الإنجليزية والفرنسية والفارسية والروسية، وهي أقل من لغات المنهج المصري بلغة. وهذا يذكرنا بأسطورة الضحاك اليمني، أول الفراعنة، حسب رواية ابن الأثير الذي يروي أسطورته ويكّذبها في نهاية الخبر، وإنه كان ساحرا فاجرا، بسط يده بالقتل في الناس، وكان من الفرس في أقوال أخرى، هوَّل على الناس بالحيّتين اللتين على منكبيه، وكانتا شرهتين وتقتضيان بالطعام، وتتحركان إذا جاعتا، ولقي الناس منه جهدا شديدا، لأنَّ الحيّتين كانتا تتغذيان بأدمغة الصبيان، والضحاك المعاصر  المصري والضحاك السوري يغذّيان الحيّتين بأدمغة الصبيان في المدارس بإشغالهم باللغات الكثيرة، فإشغال الدماغ بما لا يفيد هو افتراس معاصر له، والضحاكان لهما أكثر من حيّة على مناكبهما، حيّات فرعونية وأميركية وفارسية وروسية وكلها تحبُّ أدمغة الصبيان. 
اسم سوريا الرسمي هو الجمهورية العربية السورية، وليست بجمهورية. وتسمى مصر بجمهورية مصر العربية، وليست بجمهورية، وعروبتها تتآكل ونيلها ينحسر، فرئيسها يتكلم و"ما يجمعش" إلا بصعوبة، وله مترجمون يترجمون كلامه من المصرية إلى المصرية. 
الرؤساء يتكلمون بلغة أوليا جلبي ولغة أحمد سعيد من غير إتقان. 
بشار الأسد سمى انتخاباته ثورة، وعرسًا ديمقراطياً، وانتصر على ثلاثٍ وثمانين دولة، أما في مصر، فإن السيسي انتصر على حزب معارض، وأقصاه بالحيل والخداع والغدر عن حكم مصر، بعد انتخابات ليس لها مثيل، واتهمه بأسلحة نووية تحت منصة رابعة، واحتفل بالنصر عليه أكثر من احتفاله بحرب أكتوبر. 
كتبتُ مقالات كثيرة عن طريقة تزوير الأسد وعبثه بالأرقام، فلم أجد فيها جديدًا، فنحن نعلم كيف يزوّرها، وهو ليس بحاجة إلى كل هذا التمحل للتزوير، فليس في سوريا جهات رقابية، وهي كذلك في مصر، فرئيسها لا يشرب سوى الماء، فهو يتقن لغة أحمد سعيد، وهو يستقبل استقبال الأبطال في إسرائيل وفي غزة، والطرفان كلاهما يعرفان أن السيسي ليس سوى جسر، فهو باني جسور، وينسبان إليه التهدئة ووقف إطلاق النار، حتى أن البرلمان العربي منحه جائزة ووسام بطولة. 
فيصل المقداد قال بالحرف: إن الانتخابات السورية أفضل بآلاف المرات من الانتخابات الأميركية! 
تقول نكتة قديمة إن بخيلًا زار صديقًا له مريضا، وقال إنه كان يودّ أن يهديه بعض البرتقال، لكن الطريق إلى السوق بعيد، فقال له المريض: لا تعذب نفسك أيها الصديق، زيارتك تكفي، فنهض البخيل وقال: قسمًا بالله ستأكلون البرتقال، فيه فيتامين سي، وهو مفيد، كلوا. 
فيصل المقداد قال بالحرف: إن الانتخابات السورية أفضل بآلاف المرات من الانتخابات الأميركية! 
كان جلبي، وأشخاص رواية زوبك ينظرون إلى العالم بمكبرة، ومثلهم رؤساؤنا لكنهم ينظرون إلى شعوبهم بمصغّرة، ولا تجد في لغة إعلامهم عبارات مثل: "وبدأت الغربة الأبدية"، و"من نسل العاهرات"، فهي كذلك حقا وفعلا.