الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بشار أسد إيران

بشار أسد إيران

05.07.2018
إبراهيم الزبيدي


العرب اللندنية
الاربعاء 4/7/2018
إن الدوافع الأولى لثورة الشعب السوري على نظام القمع الأسدي، وبين اندلاع الاحتجاجات الشعبية المتجددة في إيران مختلفة، إلا أن نتيجتها لا بد أن تكون واحدة في النهاية.
فقد خطر لأحد التلاميذ اليافعين المتأثرين بموجة الربيع العربي، في فبراير عام 2011 أن يكتب على أحد جدران مدينة درعا عبارة “إجا دورك يا دكتور”.
وكان يمكن للسلطة، لو كانت عاقلة وتحترم الحد الأدنى من حقوق شعبها، أن تلفلف القضية بهدوء، وتكتفي بجرة أذن التلاميذ الصغار، وتمر العاصفة بسلام.
ولكن رئيس النظام المتجبر المتكبر الذي ورث العنف الدموي وفلسفة العقاب الجماعي من أبيه الذي دكّ مدينة حماة بكل أنواع الأسلحة المحللة والمحرمة فمحاها كاملة ودفن أهلها تحت أنقاضها، لم يأمر بمعاقبة التلاميذ، وحدهم، بل أمر وكيله في درعا بإهانة آبائهم إهانة جارحة لا يمكن أن تمر دون احتجاج، فانطلقت التظاهرات الشعبية الغاضبة طالبةً معاقبة المسؤول.
وحين واجه النظام تظاهرة درعا بقوة السلاح، تفجرت التظاهرات الشعبية السلمية في المدن والقرى في جميع أنحاء سوريا مطالبة بسقوط النظام، هذه المرة
وهنا أخرج بشـار الأسد خزينه من همجية فاقت همجية أبيه بمراحل، وراح يرش المتظاهرين بالنار، ويعتقل المئات ثم الألوف، لتدخل سوريا نفقها الدامي الطويل. أما في إيران، فقد اعتاد الحرس الثوري على تفريق التظاهرات الاحتجاجية المحدودة، هنا وهناك، بالهراوات، وأحيانا بالرصاص الحي. وقد كانت تلك التظاهرات، كافة، تخف أو تتوقف لأن أسبابها ودوافعها لم تكن تستحق المواجهة الشاملة مع النظام.
أما التظاهرات الجماهيرية الجديدة التي عمت إيران كلها، هذه الأيام، فمحركها الأساس هو الضرر الذي لحق بالأسر الفقيرة بسبب انهيار العملة الإيرانية، وتصاعد العقوبات الأميركية التي تنبئ بالمزيد من الخنق الاقتصادي لشرائح، هي أصلا، مختنقة بفساد النظام وسوء إداراته وسياساته الداخلية الفاشلة.
يصعب على المتابع لما يجري في إيران أن يتنبأ بمصير المواجهات الجديدة، لأنها هذه المرة، بين نظام قمعي لا يختلف عن نظام بشار الأسد بشيء، وبين شعب وصلت النارُ الحارقة إلى لقمة عيشه وعيش أطفاله
ويبدو واضحا أن النظام الإيراني لا يملك حلولا حقيقية وجذرية فاعلة لأزمة العملة، في مجتمع بلغ فيه معدّلُ البطالة أرقاما غير مسبوقة، وتزايدت فيه أعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر بما لم تشهده إيران من قبل.
وهنـا أصبح المجتمع الإيـراني على مفترق طريقين. فإما أن يستعير المـرشد الأعلى جنون بشار الأسد وديكتاتوريته وعناده لمواجهة المتظاهرين بكل أنواع السلاح، وصولا إلى البراميل المتفجرة، ثم الاستعانة بصديق، أو بأصدقاء من الخارج، لتصبح إيران سوريا ثانية. وإما أن يفاجئ العالم بتحوله إلى نيلسون مانديلا جديد، فيتخلى عن السلطة، سلميا، ويتنازل عن الحكم لهيئة إنقاذ وطني مستقلة تتولى إدارة أزمة البلاد الاقتصادية بإجراءات وسياسات عقلانية جديدة تُوقف مسلسل العقوبات الدولية، وتعيد لإيران علاقاتها الطبيعية مع دول الجوار، وتستعين بالمؤسسات المالية الدولية لإصلاح ما يمكن إصلاحه قبل فوات الأوان.
وهذا من رابع المستحيلات، ويصعب على المرشد الأعلى علي خامنئي أن يجنح إليه، بحكم طبيعته السلفية المتزمتة القمعية الديكتاتورية المتشددة، التي لا تحتمل أي معارضة أو مخالفة.
وما جرى أمس في مـدينة المحمرة عاصمة إقليم عربستان، حين قام الحرس الثوري بإطلاق النار على المواطنين العزّل، وقتل أربعة متظاهرين، يثبت ذلك بكل وضوح.
أما الشيء الجديد في طبيعة احتجاجات الجماهير الجديدة فهو أن المواطن الإيراني، بغض النظر عن طائفته وقوميته ودينه، بدأ يدرك أن سياسات المرشد ومساعديه ومستشاريه هي سبب الضيق الاقتصادي والبطالة واتساع دائرة الفاقة والعوز، وهي المسبب الأول والوحيد للعقوبات الأميركية والدولية المتجددة.
فقد أفصح متظاهرون كثيرون أن ما ينفقه النظام على حروبه الخارجية، وعلى تمويل أحزاب وتنظيمات وميليشيات في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، يعد هدرا غير عقلاني وغير مبرَّر لأموال طائلة، لو أنفق النظام نصفها في الداخل لمَكَّـن المجتمع الإيراني مـن تجاوز هـذه الأزمة، وغيرها من أزمات معيشية أخرى متلاحقة.
ناهيك عن أن سياسة النظام القائمة على التدخل في شؤون الدول الأخرى واستهداف أمنها واستقرارها فرضت على الشعب الإيراني العزلة وحرمته من فرص العمل والتبادل التجاري والمالي مع دول الجوار، واستدرج أميركا إلى الدخول في مواجهة مع إيران، حكومة وشعبا، لحماية مصالحها التي تهددها سياسات خامنئي في المنطقة.
ويصعب على المتابع لما يجري في إيران هذه الأيام أن يتنبأ بمصير المواجهات الجديدة، لأنها، هذه المرة، بين نظام قمعي دموي لا يختلف عن نظـام بشار الأسد بشيء، وبين شعبٍ وصلت النارُ الحارقة إلى لقمة عيشه وعيش أطفاله ومرضاه وجياعه، فأصبح من الصعب عليه أن يتوقف عن الاحتجاج حتى تتحقق مطالبه المشروعة مهما بلغت التضحيات ومهما غلا الثمن.