الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بروباغندا روسيّة في سوريا

بروباغندا روسيّة في سوريا

07.01.2019
ماجد عزام


سوريا تي في
الاحد 6/1/2019
الاحد 6/1/2019كانت زيارة الرئيس السوداني عمر البشير لسوريا ولقاؤه بشار الأسد منذ أسبوعين تقريباً مفاجئة وصادمة، ولم نكن بحاجة إلى رؤية الطائرة الروسية التي أقلته لنستنتج أنها حقيقة مؤسفة ضمن حزمة أكاذيب في سياق بروباغندا إعلامية وحرب نفسية روسية لإعادة تعويم نظام الأسد، وإعطاء الانطباع بأن زيارة البشير ممنهجة لتكون بداية لتسونامي زيارات مماثلة وصولاً إلى إعادة النظام للجامعة العربية، ودعوة بشار الكيماوي للقمة السنوية المقررة في تونس  شهر آذار/ مارس القادم.
حضور السودان في الثورة السورية كان لافتاً منذ البداية، فقد اتصل البشير نفسه بالأسد فى نهاية مارس 2011 ناصحاً بحزمة إصلاحات من أجل الانتقال السياسي وعارضاً التجربة السودانية في هذا المجال - تجربة الحوار الوطني التي أثمرت وثيقة جامعة تقول المعارضة  الآن أنه تم التنصل منها - وقد أرسل فعلاً إلى دمشق في أوائل نيسان/ إبريل وزير العدل آنذاك محمد بشارة دوسة حيث أصر الأسد على استقباله منفرداً كما فعل مع زوار وأصدقاء وناصحين كثر، وبينما عرض دوسة التجربة مركزاً تحديداً على ضرورة صياغة قوانين أساسية للأحزاب والكسب غير المشروع والأمن الوطني ردّ بشار قائلاً: إن هذا ما تحتاجه سوريا بالفعل، إلا أن الحزب والعائلة لن يسمحوا له بالقيام بهذه الإصلاحات.
حضور السودان في الثورة السورية كان لافتاً منذ البداية، فقد اتصل البشير نفسه بالأسد فى نهاية مارس 2011 ناصحاً بحزمة إصلاحات من أجل الانتقال السياسي
بعد ذلك، وفي نهاية العام الأول للثورة اختارت الجامعة العربية الجنرال السوداني محمد مصطفى الدابي ليكون رئيس بعثة المراقبين العرب إلى سوريا؛ الدابي تصرف كصديق وبنعومة شديدة مستفزة حتى مع النظام، بحجة أن البعثة تهدف إلى مساعدة سوريا والسوريين، وخلص في النهاية إلى حقيقة أن النظام يهرب إلى الأمام، وأنه ليس بوارد تلقي النصيحة، أو حتى مساعدة نفسه للخروج من المأزق، أو الحل الأمني الذي اعتمده ، ولا شك أن المعطيات السابقة هي التي دفعت البشير نفسه-مارس 2016- لتوقع نهاية مأساوية للأسد، وأنه سيموت قتلاً بعد إيغاله فى الحل العسكرى ورفضه للحلول السلمية.
هنا يصبح السؤال منطقياً عن أسباب تغيير الموقف السوداني، وسفر البشير نفسه إلى دمشق من أجل إعطاء شرعية للأسد وإعادة تعويم نظامه.
صورة الطائرة الروسية كشفت القصة كلها، الزيارة كانت بترتيب روسي، وكما يقال في الخرطوم فإن الحكومة قررت تمتين تطوير علاقتها مع روسيا، وصولاً حتى إلى التحالف بين البلدين بعد اليأس من احتمال تحسين العلاقة مع أمريكا وأوروبا، قيامهم مساعدة السودان على حل مشاكله وأزماته المتعددة.
القرار تجاه روسيا يعبر كذلك عن اليأس من قيام الدول العربية الخليجية بتقديم المساعدات الاقتصادية  اللازمة للخرطوم، رغم المساهمة السودانية الكبيرة والمهمة في عملية عاصفة الحزم باليمن، وقيامها بإرسال أكبر قوة عسكرية برية للحملة.
الرئيس السودانى كان قد زار موسكو منذ شهور، وتم التوافق على إحداث نقلة في العلاقات ويبدو واضحاً أن القيادة الروسية طلبت منه القيام بزيارة دمشق لخدمة سياستها ومصالحها في المنطقة.
في كل الأحوال كان يجب إبقاء العلاقات في الإطار الثنائي دون الانخراط في السياسة الروسية الإقليمية الإجرامية الدموية المدمرة، وحتى في الإطار الثنائي، ليس لدى روسيا ما تقدمه للسودان كونها تعاني هي الأخرى مشاكل وأزمات اقتصادية عديدة نتيجة للعقوبات الغربية ضدها، وباستثناء السلاح - ربما الدعم السياسي - لا  شيء جدي يمكن أن تساعد به السودان الذي لا يحتاج إلى مزيد من الأسلحة العاجزة أصلاً عن حل مشاكله وأزماته.
وبالعودة إلى السياق السوري الجوهري المتعلق بالزيارة، فإن روسيا رتبتها من أجل استغلالها لأحداث صدمة سياسية إعلامية، وجعل فكرة تعويم أو شرعية النظام وكأنها حقيقة لا جدال فيها. وفي نفس اليوم الذي تمت فيه الزيارة، وخلال الأيام  والفترة التي تلتها لجأت الدعاية أو البروباغندا الروسية إلى بث حزمة من الأكاذيب التي تصب في نفس الغرض، حيث حرفت تصريح وزير الخارجية التركي شاويش أوغلو في الدوحة عن التعامل مع نظام الأسد علناً،  علما أنه أجاب عن سؤال افتراضى يتعلق بإمكانية فوز بشار الكيماوي في انتخابات حرة شفافة نزيهة بإشراف ورعاية الأمم المتحدة - هذا احتمال مستحيل طبعاً - فلا فرصة لإجراء الانتخابات الآن، لا احتمال حتى نظري لفوز الأسد في هكذا انتخابات، ناهيك عن القبول به حتى كمرشح .
البروباغندا الروسية روّجت كذلك لزيارة مماثلة للرئيس العراقي برهم صالح، كما فبركت خبرا عن دعوة تونس لبشار الكيماوي للمشاركة في القمة العربية التي تحتضنها بعد شهور، وهي كلها أنباء عارية تماماً عن الصحة، حيث نفتها رسمياً مصادر في الرئاسة العراقية، كما الخارجية التونسية التي قالت أن دعوة بشار أصلاً من اختصاص الجامعة العربية وليس تونس.
البروباغندا الروسية قامت كذلك بحملة تشويه مركزة بحق أصحاب الخوذ البيضاء في سياق شيطنة الثورة والثوار ووصمهم بالإرهاب وإضفاء الشرعية على بشار الأسد، ونفي صفة الإرهاب عنه، بل تصويره كمن قاتل ويقاتل الإرهابيين.
لم تكن زيارة البشير على سوئها جزءاً من سياسة إقليمية شاملة منسقة بين موسكو الدول العربية بما فيها دول الثورات المضادة غير أن موسكو أرادت استغلالها لتشجيع المترددين وكسر الحاجز النفسي أمام التعامل المباشر مع  نظام الأسد علماً أن عاصمة الثورة المضادة أبو ظبي كانت تستعد لإعادة فتح سفارتها بدمشق حتى قبل زيارة البشير، فتح السفارات الذى لا يندرج بالتأكيد في سياق مواجهة إيران، ولكن ضمن سياسة إفشال الثورات ومنع الشعوب من فرض إرادتها وتقرير مصيرها بنفسها.
يتشابه ما تفعله روسيا الآن فيما يتعلق بإعادة العلاقات مع النظام تماماً مع حملتها السياسية والإعلامية الفاشلة منذ شهور لتشجيع بل الضغط لعودة اللاجئين، وإعادة إعمار-ما دمره النظام- دون ربط ذلك بأي ضمانات أممية، أو حتى تحقيق الحل السياسي المتفق عليه وفق القرارات الدولية.
عموماً حتى لو أعادت كل الدول العربية فتح سفاراتها فى دمشق المحتلة، ولو أعادت الجامعة العربية سوريا إلى حضنها- ليست سوريا العظيمة طبعاً، إنما سوريا الأسد المتجانسة الطائفية البغيضة، لو استخدمت روسيا كل أبواقها الإعلامية لترويج كذبة الانتصار وانتهاء القضية السورية دون الحاجة لحل سياسى عادل لها ، فإن هذا لن يوفر الشرعية للنظام الذي ظل طوال السنوات الماضية مغتصباً لشرعية تمثيل البلد في المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة دون أن يفت ذلك فى عضد الثوار السورىين، كون الشرعية الحقيقية والمستدامة هي داخلية بامتياز، تمنحها الشعوب لمن يستحق، وهذا غير متوفر بالتأكيد في الحالة السورية بعد قتل النظام لمليون مواطن وتشريد عشرة ملايين وتدمير نصف البلد على الأقل ، وبدون موافقة ورضا السورىين لا مجال لأي شرعية أو ترتيبات سياسية وديبلوماسية سواء أتت من الاحتلال الروسي، أو من أنظمة الفلول والثورات المضادة العربية المتناغمة معه.