الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بداية أفول مغامرة طهران في سورية؟

بداية أفول مغامرة طهران في سورية؟

21.05.2018
مصطفى كركوتي

   
الحياة
الاحد 20/5/2018
منذ نهاية حرب الثماني سنوات المهلكة بين العراق وإيران في 1988، لم تتورط هذه الأخيرة في مواجهة مباشرة مع جيرانها، ولكنها لم تنأ من التدخل بشؤونهم، لا سيما في العراق وسورية ولبنان واليمن. سياسة التدخل تلك موضوعة الآن تحت مجهر التدقيق لدى أصحاب القرار في طهران إثر قصف إسرائيل قواعدها في سورية، ما قد يعني بدء عملية إعادة النظر في سياستها الإقليمية. لا شك في أن المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل في سورية وأجوائها قد تعجل من عملية المراجعة، لا سيما أن الرئيس فلاديمير بوتين بدأ يضيق من التوسع الإيراني الذي قد يصعب عليه ضبطه في المستقبل.
إيران وإسرائيل تجنبتا طوال عمر "الثورة الإسلامية" المواجهة المباشرة، ولكن الرد الإسرائيلي على صواريخ إيران بقصف قواعدها المنتشرة في سورية هو أكبر مواجهة في تاريخ البلدين. على رغم ذلك فإنهما لمّحا بطرقٍ شتى الى أنهما لا يرغبان في التصعيد، ولكن يبدو أن المواجهة الكبرى قد تحدث في ميادين أخرى.
من جهة، الهجوم الإسرائيلي تم على نطاق واسع إذ استهدف كل موقع إيراني استطاع الإسرائيليون تحديده داخل الأراضي السورية. هذه الأهداف بدت واضحة جداً بالنقاط الحمراء على خارطة سورية من شمال-غربها حتى جنوبها. والملاحظ أن أياً من الأهداف المضروبة لم يكن سورياً، بل كان موقعاً عسكرياً إيرانياً أو وحدات "حرس ثوري". ما حدث كان بالفعل إنجازاً ضخماً لإسرائيل يتم خلال ساعات قليلة، وهو أمر كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو متلهفاً للقيام به منذ زمن لولا ضبط واشنطن له. نتانياهو كان حريصاً قبل الهجوم على ألّا يُغضِب الرئيس الروسي بوتين. ولكن تبريره الرسمي للهجوم هو ما يشكله التوسع العسكري الإيراني في سورية وتحشيده المتزايد في مناطق قريبة من الجولان المحتل، مما يعتبره تهديداً لأمن إسرائيل.
لذلك، جاء الهجوم الإسرائيلي كما تراه تل أبيب ضربة استباقية، وهو تقليد معروف تتبعه إسرائيل منذ قيامها قبل سبعة عقود، وتاريخ الحروب العربية- الإسرائيلية أكبر شاهد على تلك السياسة. بالنسبة إلى طهران، هي تعتبر تحشيدها العسكري المباشر أو عبر ميليشيات تابعة لها (حزب الله وغيره)، جزءاً حيوياً من استراتيجيتها في الإقليم بهدف تثبيت نفوذها السياسي - والعسكري إذا لزم الأمر - في المشرق وفي اليمن حيث خاصرة السعودية.
من ناحية ثانية، يجب عدم استبعاد شن هجمات أخرى على أهداف داخل إيران بهدف التشجيع على خلق مناخ يخدم فكرة الدفع نحو تغيير النظام. وفي ضوء ما اتخذه الرئيس الأميركي ترامب من إجراءات بشأن اتفاقية النووي الإيراني، فنحن الآن أمام ولايات متحدة تختلف إدارتها مئة في المئة عن الإدارة السابقة التي حرصت باستمرار على كبح جماح نتانياهو ومنعه من توجيه ضربات إلى الأهداف الإيرانية في سورية منذ التوقيع على الاتفاقية في 2015، وأمام رئيس في البيت الأبيض أكثر توقاً من نتانياهو لضرب النظام في طهران. هذان الأخيران متلهفان لقيام إيران أو "حزب الله" أو حتى عسكر الرئيس بشار الأسد، بهفوة مهما كانت بسيطة، لتبرير هجومهما المقبل.
ولعل هذا الفهم يوضح لهجة التراضي التي استخدمها الرئيس الإيراني حسن روحاني في مكالمته الهاتفية مع المستشارة الألمانية مركل في الأسبوع الفائت، إذ قال على موقعه: "إننا لا نريد التوتر في الشرق الأوسط ونحن نسعى دائماً إلى خفضه وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة".
بالنسبة إلى روسيا، لافتٌ سلوكها قبل وبعد القصف الإسرائيلي الأخير. واضح أن الروس المنتشرين بقوة في الأراضي والأجواء السورية لم يقدموا لشريكهم في جرائم الحرب أي نوع من أنواع الحماية، ولا حتى الإنذار المبكر، علماً بأن الإسرائيليين أبلغوا موسكو بخطتهم ضرب الأهداف الإيرانية فيها. هذا التنسيق الإسرائيلي-الروسي في سورية يتعزز على قدم وساق بين الطرفين كما شهدت على ذلك زيارة نتانياهو الأخيرة إلى موسكو ولقاؤه بالرئيس بوتين، وهو الثامن منذ تعزيز الوجود العسكري الروسي في سورية في 2015.
العلاقات الثنائية الممتازة بين البلدين تتيح لنتانياهو وبوتين إبقاء طهران تحت المجهر، إذ لم يعد سراً كيف أن روسيا تغذي إسرائيل بالمعلومات الاستخباراتية حول مواقع إيران العسكرية في الأراضي السورية، وهذا ما حدث فعلاً قبل الهجوم الإسرائيلي الأخير وقبل هجوم نيسان (ابريل) الفائت أيضاً. إيران أقرت بفقدها 18 عسكرياً من رجالها في ذاك الهجوم، لكن دائرة البحوث في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن نسبت إلى مصادر "سورية مستقلة" أن خسائر طهران "اقتربت من 200".
ترى موسكو أن دور طهران في سورية لم يعد مفيداً لها كما كان عليه الأمر في مرحلة سابقة، لا سيما أثناء المعركة ضد خصوم نظام الأسد والتخلص منهم وأثناء عمليات دحر عناصر "داعش". على كل حال، إيران كانت مفيدة للأجندة الروسية في تلك المرحلة من الحرب ولكن الوضع تغير جوهرياً. فمع تصاعد نفوذ إيران السياسي المقلق، باتت طهران غير ملائمة للروس، ولذلك يُنظر إلى الهجوم الإسرائيلي على القواعد الإيرانية وضرب هيبتها السياسية على وجه الخصوص، بمثابة عطيّة مجانية مهمة تحصل عليها موسكو في هذه المرحلة الحرجة من تطورات الأوضاع في سورية.
هذا لا يعني بالضرورة نهاية الوجود الإيراني الفوري في سورية. فقواتها وميليشياتها لا تزال متجذرة في الأرض السورية، وكذلك نفوذها السياسي والاقتصادي والمالي. ولكن مع تعدد القوى الدولية والإقليمية المتورطة في حروب سورية المتنوعة، وفي ضوء انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق الملف النووي وإعلان واشنطن عن نهايته، فإن المنطقة على وشك أن تدلف في مرحلة من المواجهة الكبرى تماثل ما حدث لها قبل 15 عاماً في 2003.
وما يعزز هذا الاعتقاد وجود شخصيات في غاية التطرف أمثال جون بولتون في الأمن القومي ومايك بومبيو في الخارجية، يجلسون في المقاعد الأمامية لصنّاع القرار في واشنطن إلى جانب ترامب. أضف إلى ذلك أن غالبية العرب وغيرهم يتطلعون بشغف إلى نهاية أي نفوذ إيراني في المنطقة الآن قبل غدٍ.