الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بايدن يقود "ثورة تصحيح" للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط 

بايدن يقود "ثورة تصحيح" للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط 

11.02.2021
إبراهيم نوار



القدس العربي 
الاربعاء 10/2/2021 
خلال أيام قليلة استطاع الرئيس الأمريكي الجديد تغيير وجه السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط، معتمدا على عدد من المقومات والأدوات، أهمها أولا خبرته هو بشؤون المنطقة، التي اكتسبها على مدار فترة طويلة داخل مجلس الشيوخ، وفي إدارة باراك أوباما. وثانيا، استخدامه للأوامر الرئاسية التنفيذية، كأداة سريعة للإنجاز، تتجاوز متاعب المواجهة مع الجمهوريين في الكونغرس. وثالثا، انطلاقه من رؤية واضحة ترى دور الولايات المتحدة في العالم بعينين هما، عين المبدأ وعين المصلحة، وليس بعين واحدة. ورابعا، اختياره لفريق العاملين معه على أسس ومعايير الخبرات والمهارات والمعرفة بالمنطقة والقدرة على التنفيذ. وخامسا أن الرئيس وفريق العاملين معه يتجهون جميعا في تنفيذ هذه الرؤية للاعتماد على دبلوماسية "متعددة المسارات" تقدم الحوافز وتفرض الضغوط في وقت واحد. 
الملف النووي الإيراني 
وفي ما يتعلق بالمسألة الإيرانية، يبدو أن هذه الرؤية تحاول فصل الملف النووي الإيراني عن ملفات الأمن الإقليمي في المرحلة الأولى، بما يؤكد حقيقة أن الملف النووي هو ملف دولي في جوهره، يتعلق بمنع الانتشار النووي، وتختص به مجموعة (5الاربعاء 10/2/20211) وتختلف محدداته عن ملفات الأمن الإقليمي، رغم علاقات التداخل بينهما، على أن يتم بحث إقامة إطار جماعي للأمن الإقليمي، بمشاركة كل الأطراف في مرحلة تالية. هذه الرؤية تختلف عن فرضية نتنياهو، الذي يتبنى فكرة وحدة الملف، ويريد إشراك إسرائيل ودول الخليج في المفاوضات النووية مع إيران. وإذا نجح بايدن في فك الاشتباكات بين الملف النووي والأمن الإقليمي، وتوجيه كل منهما في مسار منفصل، فإن هذا سيسهل فرص التوصل لحلول قريبة لمشاكل الاتفاق النووي والقضايا الإقليمية العالقة. وقد كشفت التصريحات الصادرة عن القيادتين الأمريكية والإيرانية في الأيام الأخيرة، عن استعدادهما للتفاوض بشأن الملف النووي، ولكن مع وجود مسافة كبيرة تفصل بين الطرفين، فيما يتعلق بكيفية تحقيق ذلك. إيران تشترط رفع العقوبات الأمريكية بأكملها أولا، ثم تعود للالتزام بالقيود المتفق عليها في اتفاق 2015. بينما ترى القيادة الأمريكية ذلك السيناريو مقلوبا، بمعنى أن تلتزم إيران أولا، ثم يتم رفع العقوبات ثانيا. هناك سيناريو آخر كان قد ألمح إليه ضمنا وزير الخارجية الإيراني بأن يقترب الطرفان من المفاوضات بخطوات متزامنة. لكن الرئيس الأمريكي قال بشكل قاطع في برنامج "واجه الأمة" على قناة "سي بي أس" يوم الأحد الماضي، إنه لن يرفع العقوبات لمجرد "أن تحضر إيران للجلوس على مائدة المفاوضات". وأوضح في رد على سؤال لاحق بأنه يتعين على إيران أولا "أن تتوقف عن تخصيب اليورانيوم". وأظنه يقصد هنا التوقف عن التخصيب بنسبة تتجاوز تلك المنصوص عليها في الاتفاق النووي التي تبلغ 3.67%. 
سيناريو للمفاوضات 
بهذا التصريح، فإن بايدن يفتح طريقا لسيناريو آخر، ربما يسير على الوجه التالي: بعد موافقة الشركاء في الاتفاق، والتشاور مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ومع زعماء الكونغرس: أولا تعلن إيران وقف التخصيب بنسبة 20%، والالتزام بالنسبة الواردة في الاتفاق. ثانيا تحتفظ إيران تحت إشراف دولي باليورانيوم المخصب بنسبة أعلى من المتفق عليها، والكميات الزائدة عن حدود المخزون المسموح به. ثالثا في مقابل ذلك ترفع الولايات المتحدة العقوبات الثانوية، بما يسمح للأطراف الأخرى مثل دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان والهند وغيرها، بالتعامل مع إيران، بما في ذلك شراء النفط، على أن تتعهد برفع العقوبات تماما بعد الانتهاء من تحديث الاتفاق، أو تدريجيا خلال المفاوضات. رابعا تبدأ مفاوضات جديدة بين القوى العالمية الرئيسية وإيران لتحديث الاتفاق القائم، أو التوصل إلى اتفاق جديد أكثر شمولا. خامسا يجري رفع العقوبات الأمريكية تماما وبالكامل، بدءا من إنهاء تجميد الأرصدة المالية الإيرانية، وإلغاء العقوبات المفروضة على شخصيات ومؤسسات إيرانية، وفتح أبواب المبادلات التجارية والاستثمارات. وليس من المتوقع أن تصبح إسرائيل أو السعودية والإمارات أطرافا في الاتفاق الجديد، لكن يمكن لهذه الدول وغيرها من دول الشرق الأوسط الرئيسية أن تشارك في مرحلة تفاوضية تالية، أو في مفاوضات موسعة، يكون الهدف منها تحقيق "وفاق إقليمي عربي ـ إسرائيلي – إيراني- تركي" بمشاركة القوى العالمية الرئيسية. 
سياسة بايدن تنطلق من رؤية واضحة ترى دور الولايات المتحدة في العالم بعينين هما، عين المبدأ وعين المصلحة 
أما بالنسبة للمدى الزمني، في ظل المعطيات الراهنة، فإننا نتحدث عن سيناريو للمرحلة الأولى (المفاوضات النووية) يستغرق من سنة إلى عدة سنوات، وسيناريو آخر طويل المدى للمرحلة الثانية المتعلقة بإقامة وفاق إقليمي شامل، وهو مشروع طموح، يتسم بطابع الرومانسية السياسية في الوقت الحاضر. وتدل تطورات الأمور منذ أعلن بايدن سياسته الجديدة تجاه الشرق الأوسط، على أن الدبلوماسية الأمريكية سوف تعمل على المسارين النووي والإقليمي في وقت واحد، مع التعامل مع قضايا الأمن الإقليمي واحدة بواحدة. 
أولويات الأمن الإقليمي 
وقد تمت خلال الأسبوع الماضي اتصالات هاتفية، وعبر قنوات مختلفة بين الولايات المتحدة والمسؤولين في المنطقة، شارك فيها من الجانب الأمريكي وزراء الخارجية والدفاع، وقائد القيادة العسكرية المركزية، والمبعوثان المكلفان بملفي إيران واليمن، وكذلك سفراء الولايات المتحدة في بعض دول المنطقة ذات الأوضاع الملتهبة مثل ليبيا. وجرى خلال هذه الاتصالات تحديد أولويات العمل المشترك خلال الفترة المقبلة. 
تحديث القواعد العسكرية 
ومن أهم الأولويات المتفق عليها، التعاون في المجالات الدفاعية مع دول الخليج لتأمين القدرة على صد الهجمات، سواء من إيران، أو القوى الحليفة لها، مع استمرار التنسيق والتعاون في مكافحة الإرهاب. ولتحقيق ذلك تجري حاليا تحركات لإعادة ترتيب أوضاع القوات الأمريكية في السعودية والإمارات والبحرين، وتحديث تسليحها، بما يساعد على القيام بدورها. وتمتد هذه الترتيبات إلى إعادة تأهيل القواعد العسكرية الأمريكية الجوية والبحرية في غرب وشمال غرب السعودية، المطلة على البحر الأحمر، وكذلك القواعد العسكرية في جنوب وشرق ووسط السعودية. ويبدو أن تطوير الدفاع عن دول الخليج يجري أيضا بالتنسيق مع إسرائيل، حيث أن تحديث القواعد العسكرية وتسليحها، يتم بحثه في إطار زيارات ولقاءت متزامنة ومكثفة، يقوم بها الجنرال كينيث ماكينزي قائد القيادة المركزية لعواصم الدول المعنية وإسرائيل. وفي هذا السياق تجري مشاورات لتزويد القوات الأمريكية المستأجرة وقوات الدول الخليجية الثلاث بأسلحة متطورة، منها نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي المعروف بـ"القبة الحديدية" على أن تتحمل الدول الخليجية تكلفة تحديث الأسلحة والقواعد العسكرية. 
حقوق الإنسان 
وفي مقابل المساعدات العسكرية الأمريكية للدول الخليجية، فإن الوجه الآخر للدبلوماسية الأمريكية يكشف أولويتين رئيسيتين، هما ضرورة التزام هذه الدول باحترام حقوق الإنسان، وضرورة إنهاء حرب اليمن. وبذلك فإن تلك الدبلوماسية بشقيها تتسق مع مبدأ "التوازن بين المصالح والقيم". وعلى صعيد احترام حقوق الإنسان فإن الدول الخليجية، وعلى وجه الخصوص السعودية، ستجد نفسها تحت ضغوط دولية شديدة، لتنفيذ إصلاحات داخلية، لضمان حرية وسلامة دعاة حقوق الإنسان، بمن فيهم المدافعات عن الحقوق المدنية الأساسية للمرأة. وقد ظهر تأثير الدبلوماسية الجديدة بالافراج عن اثنين من المواطنين المتهمين في قضايا تتعلق بالدعوة للحريات العامة، والمعتقلين منذ إبريل 2019 هما الصحافي بدر الإبراهيم، والمعلق الإعلامي صلاح الحيدر، ويحمل كل منهما الجنسية الأمريكية، مع تحديد موعد عاجل لمحاكمتهما. كما صدر أمر ملكي بإلغاء حكم الإعدام الصادر بحق علي النمر ابن شقيق الفقيه الشيعي نمر النمرن الذي تم إعدامه عام 2016. ومن المرجح أن يتم الإفراج سريعا عن علي النمر الذى أمضي في السجن حوالي 10 سنوات. كذلك أعلنت الولايات المتحدة، أنها ستنشر تقرير المخابرات الأمريكية عن جريمة ذبح الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر 2018، وهو الأمر الذي يمكن أن يفتح جرحا غائرا في العلاقات بين البلدين، نظرا لأنه سيثير من جديد علامات استفهام عن دور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في تدبير الجريمة. 
خطوات لإنهاء حرب اليمن 
أما الدبلوماسية الأمريكية الجديدة الهادفة لإنهاء حرب اليمن، فإنها تمر عبر محطات رئيسية تتضمن الانخراط عن قرب في الأزمة، وقد تم ذلك بإعلان الرئيس بايدن تسمية الدبلوماسي تيموثي ليندركينغ، نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الخليجية، الذي عمل سابقا في السفارة الأمريكية في الرياض، ليكون مبعوثه الخاص إلى اليمن. وترافق ذلك مع إعلان وقف تأييد الولايات المتحدة للتدخل العسكري السعودي في اليمن، وإعلان وقف صفقات الأسلحة الأمريكية للسعودية، وتم على الفور وقف صفقتين لتصدير قذائف وقنابل ذكية موجهة، مع استمرار الضغط على السعودية لوقف عملياتها العسكرية، وتمهيد الطريق لاستئناف العملية السياسية بين أطراف الأزمة اليمنية بالتنسيق مع مبعوث الأمم المتحدة في اليمن مارتن جريفيث. وقد توجه جريفيث بالفعل إلى طهران، للمرة الأولى منذ تولى مهمته، لإجراء مباحثات مع وزير خارجيتها بشأن التهدئة العسكرية والتمهيد لاستئناف العملية السياسية.