الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بايدن الشرق أوسطي 

بايدن الشرق أوسطي 

17.11.2020
أسعد عبود



النهار 
الاثنين 16/11/2020 
ثلاث قضايا ملحة في انتظار الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن في الشرق: عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية المجمدة منذ 2014، والملف النووي الإيراني والأزمة السورية.  
وبرغم أن أولوية الأولويات بالنسبة الى بايدن هي قضايا داخلية، مرتبطة بمكافحة جائحة كورونا وإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد الأميركي واتباع سياسة خضراء تعيد الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس للمناخ، الذي كان الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب قد انسحب منه، فإن الشرق الأوسط يفرض نفسه عادة على الرؤساء الأميركيين، حتى ولو حاول هؤلاء أول الأمر تفاديه أو في أفضل الأحوال عدم إدراجه أولوية في السياسة الخارجية.  
وليس خافياً أن إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما التي كان بايدن يشغل فيها منصب نائب الرئيس، ولا سيما في الولاية الثانية، ركّزت اهتمامها على مواجهة الصعود الصاروخي للصين اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً. وأتى ترامب ليزيد من الانشغال الأميركي بالصين إلى درجة إعلان حرب تجارية عليها. ومع ذلك، كان عليه أن يهتم بالشرق الأوسط، فانسحب من الاتفاق النووي مع إيران، ومارس حيالها سياسة "الضغوط القصوى". وأطلق خطة لتسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي عرفت بـ"صفقة القرن"، ورعى عملية التطبيع بين دول عربية وإسرائيل، وطبق "قانون قيصر" الذي يتضمن أقسى عقوبات أميركية على نظام الرئيس بشار الأسد، وفرض دفعات متتالية من العقوبات على "حزب الله" وبعض حلفائه في لبنان.  
بطبيعة الحال، بايدن يختلف عن ترامب. ومع ذلك، فإن الرئيس الديموقراطي، سيجد نفسه في مواجهة واقع جديد في الشرق الأوسط. وبرغم أن الرئيس المنتخب كان قد أعلن عزمه العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، فإن هذه العودة لن تكون مجانية ومن دون مقابل. ويدور كلام عن أن أي توجه أميركي نحو تخفيف العقوبات على طهران، سيكون مرتبطاً بعودة القيادة الإيرانية إلى تنفيذ كامل التزاماتها الواردة في الاتفاق، والتي كانت قد انتهكتها بعد انسحاب ترامب منه ومعاودة فرض العقوبات. ليس هذا فحسب، بل إن بايدن سيسعى إلى تطوير الاتفاق لجهة إطالة المدة التي سيكون في مقدور إيران خلالها الحصول على ما يكفي من الأورانيوم لصنع قنبلة نووية، فضلاً عن تحديد مدى الصواريخ الباليستية والبحث في النشاطات الإقليمية لإيران في المنطقة، من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان.  
وبمطلق الأحوال، فإن هذه الشروط التي سيضمنها بايدن الاتفاق النووي الجديد أو حتى تطوير الاتفاق الحالي، ستكون موضع جدل واسع في الداخل الإيراني بين التيار الإصلاحي الذي يرى أن مجيء ترامب يمثل فرصة يجب استغلالها نظراً الى الإنهاك الاقتصادي الذي وصلت إليه إيران، والتيار المتشدد الذي يرفض أصلاً أي اتفاق مع الولايات المتحدة ويدعو إلى مواصلة تخصيب اليورانيوم وتطوير القوة الصاروخية وتعزيز النفوذ الإقليمي. وأياً كان الاتجاه الذي سيرسو عليه القرار الإيراني، فإن نتائج ستترتب عليه بالنسبة الى العلاقات الإيرانية - الأميركية مستقبلاً.  
وفي ما يتعلق بعملية السلام، فلا أحد يتوقع أن يمضي بايدن في خطة ترامب. بل سيعاود الدفع نحو مفاوضات فلسطينية - إسرائيلية مباشرة برعاية أميركية. لكن بايدن لن يتراجع عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس ولا عن اعتراف واشنطن بالسيادة الإسرائيلية عليها وعلى مرتفعات الجولان السورية المحتلة. لكن قد يعاود الرئيس الديموقراطي منح المساعدات للسلطة الفلسطينية ولوكالة "الأونروا" ويعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، ويعود إلى السياسة الأميركية التي كانت تعتبر المستوطنات "عقبة" في طريق عملية السلام.  وموقف بايدن هذا سيكون مشروطاً بعودة التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وأجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية. وحتى الآن، لم يصدر عن بايدن ما يفيد بوجود خطة كاملة للتعاطي مع المسألة الفلسطينية. 
والأمر الأكيد، هو أن بايدن لن يتقدم بأي اقتراحات يعتبرها نتنياهو مستفزة، مثل العودة للحديث عن دولة فلسطينية على حدود 1967 أو الطلب من إسرائيل تجميد الاستيطان، على غرار ما فعل أوباما، ما أثار حال عداء بينه وبين نتنياهو. وفي الوقت نفسه، سيواصل بايدن تشجيع الدول العربية على التطبيع مع إسرائيل.  
أما في سوريا، فمن غير المتوقع حصول تغيير جذري في السياسة التي كان يتّبعها ترامب، ولا سيما في ما يتعلق بالعقوبات الأميركية. وسيكون بايدن حاسماً في دعمه أكراد سوريا ومطالبتهم بحكم ذاتي على غرار أكراد العراق. وهذه سياسة ستزعج دمشق وأنقرة على حد سواء. وهناك تكهنات بوجود توجه لدى بايدن للضغط على الأسد حتى يقبل بحل سياسي للأزمة انطلاقاً من عملية جنيف وقرار مجلس الأمن 2254.  
انطلاقاً من هذه الخطوط العريضة، لا أحد ينتظر تحقيق تحولات جذرية في الموقف الأميركي حيال قضايا الشرق الأوسط، إلا إذا حدثت أمور ليست في الحسبان، في منطقة تبقى زاخرة بالأحداث الساخنة ولا يمكن التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع بين ليلة وضحاها.