الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بؤس القمة الاقتصادية العربية..أو سقوط بيروت

بؤس القمة الاقتصادية العربية..أو سقوط بيروت

21.01.2019
يوسف بزي


سوريا تي في
الاحد 20/1/2019
قد يكون واحداً من أسوأ الاجتماعات العربية. قمة خفيضة المستوى وبائسة، تليق فقط بوزير من طراز اللبناني، جبران باسيل، المتشاطر والمتحذلق.
تدرك الحكومات العربية، ويعرف الحكّام العرب، أن الخطر الداهم واليومي، الذي يهدد وجودهم واستقرارهم وسلطاتهم، هو الاضطراب الاجتماعي والاقتصادي الذي يموج في الأنحاء العربية، بلداً بلداً، من دون الاستهداء لاستقرار أو سكينة. فلا النقمة أو الاحتجاج أو التمرد في هذا البلد العربي أو ذاك بسبب "السياسة" الداخلية أو الخارجية. بل، وفي أحيان كثيرة، لا اعتراض على النظام إن كان جمهورياً أو ملكياً. لا اعتراض إن كان "صديقاً" أو "عدواً" لأميركا أو لغيرها. لا اعتراض إن كان النظام مؤمناً أو كافراً. لا يهم حتى إن كان جاداً بـ"تحرير فلسطين" أو كاذباً. كل من يمسك بإدارة الدول العربية موقن أن الخطر متأت أولاً من الغضب، الذي لم يهدأ منذ ثمانية أعوام، من قبل عشرات ملايين السكان، الذي يبحثون بيأس عن العيش بكرامة، عن حد أدنى من الحرية الإنسانية، عن منسوب مقبول من العدالة الاجتماعية، وعن الإنصاف في توزيع الثروة، وحق العمل والطبابة والتعليم والرعاية. بمعنى آخر، سكان العالم العربي ما عادوا قنوعين بهذا الحرمان من المشاركة السياسية، وهذا الفجور في الفساد، وهذا الفشل في التنمية وفي الإدارة وفي تدبير السلم الاجتماعي.
كان من المفترض أن "القمة الاقتصادية التنموية" العربية، هي واحدة من الوسائل السياسية في العمل العربي المشترك، التي يُعّول عليها بحثاً عن حلول جماعية وتعاونية لمعضلات عميقة وخطيرة تهدد جدياً الكيانات العربية. بل، ولأن الأنظمة العربية و"نخبتها" تنكر أحقية الإصلاح السياسي والتغيير في آليات إنتاج السلطة وتبني الديموقراطية، وتتبنى أكثر سردية الفقر (والأمية) والتخلف، كسبب وحيد للقلاقل، فالأجدى بها - والحال هكذا - أن تعمل على مكافحة الفقر والأمية والتخلف.
أجندة بهذه الأهمية، ورغم وهم فصلها عن السياسة، كانت جديرة أن تحفز أولئك القادة على الانغماس حقاً بأعمال القمة الاقتصادية المشار إليها، والتحضير لها قدر المستطاع، وتوفير الإمكانات اللازمة لنجاحها، ظاهرياً ودعائياً على الأقل، وبما يكفي لخداع الجمهور العربي بوعود وخطط على الورق وشعارات رنانة، طالما أنها عاجزة عن تحقيقها أصلاً، وستظل عاجزة، لأنها بنيوياً فاسدة أخلاقاً وسياسة ونظماً.
لكن لا، القمة في بيروت رديئة على نحو مخز. مناسبة تم ازدراؤها عمداً، لا لشيء سوى أن العاصمة اللبنانية ما عادت مكاناً مناسباً. هذا هو الحدث الذي انكشف مع موعد القمة. الحدث الذي وضع اللبنانيين أمام حقيقة بلدهم اليوم. بيروت ليست مكاناً جديراً لقمة عربية معتبرة.
وأن يكون لبنان على هذا الوجه البائس، وعاصمته على هذه الحال المخجلة، فهذه ليس فقط دليلاً على سوء البلد وتفاقم أزمته السياسية (والكيانية)، بل هي أيضاً واحدة من علامات الهزيمة العربية، وانحطاط أحوال مجتمعاتنا ودولنا، وبالأخص منها "الجمهورية اللبنانية" المعطوبة والرهينة. فالمدينة التي اقترن تاريخها بإقبال العرب عليها، وبوصفها مكان الالتقاء الرحب، والفسحة المريحة من غير تشنج للسياسات العربية المتخاصمة، باتت مكاناً عسيراً، غير آمن.. وغير حر.
يمكننا هنا التحدث عن "سقوط" بيروت. سقوط حصانتها ورمزيتها. حدث هذا، كنتيجة حتمية لانهيار المنظومة العربية أمام الاكتساح الإيراني للمشرق العربي، و"انتصار" النظام السوري، بمعية الإيراني - الروسي، لا على الشعب السوري وإنما أيضاً على تلك المنظومة العربية الفاشلة. ولهذا السبب، أي بعد أن غَنِم الإيراني العراق وسوريا، ها هو وفصيله المحلي، "حزب الله، يضعان اليد على لبنان، سياسياً وأمنياً.
ببساطة، وعلى الأرض، الطريق من مطار بيروت إلى فندق فينيسيا، حيث المؤتمر، والتي سيسلكها الضيوف العرب هي تحت السيطرة الأمنية لـ"حزب الله". ولا ننسى أن الفندق نفسه يبعد عشرة أمتار فقط عن مكان تفجير موكب رفيق الحريري واغتياله. فمن من القادة العرب يطمئن أمنياً للمجيء إلى بيروت؟
تم نشر أجواء إعلامية، أن تظاهرات واعتصامات ومسيرات قد تعترض المواكب الرسمية لبعض الوفد العربية، بما يوحي باستهداف السعودية أو البحرين والإمارات، من قبل مناصرين لـ"حزب الله" وللنظام السوري.
وبحساب سياسي آخر، وقبل أيام من بدء أعمال القمة، قام رهط من أنصار رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، بحرق الأعلام الليبية في شوارع بيروت. وتم نشر أجواء إعلامية، أن تظاهرات واعتصامات ومسيرات قد تعترض المواكب الرسمية لبعض الوفد العربية، بما يوحي باستهداف السعودية أو البحرين والإمارات، من قبل مناصرين لـ"حزب الله" وللنظام السوري. هذا كفيل وحده بإدراك أن السياسة الإيرانية والسورية (الأسدية) هي ابتزاز لبنان وابتزاز العرب معاً، وتوجيه إهانة سياسية واضحة، طالما أن مطلب الأسد لم يتحقق: استعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية.
وما لم يفعله الإيراني - الأسدي، أكمله الوزير اللبناني جبران باسيل، الذي ظن أن مؤتمر القمة سيعقد كرمى لطموحه السياسي الشخصي، وتنفيذاً لأفكاره، ولأجندته الداخلية البالغة الضيق. فالوزير (صهر رئيس الجمهورية ميشال عون)، مارس ما لا يُطاق في العرف الدبلوماسي وفي كيفية التفاهم حول جدول أعمال القمة، محاولاً التذاكي على الحكومات العربية، بالحديث عن إعمار سوريا وعن عودة النازحين السوريين، بل وعن ضرورة دعوة سوريا ممثلة بنظامها إلى القمة.. عدا محاولة فرضه بعض البنود الاقتصادية التي يُشتم منها أنانية لبنانية
إذا كان وزير خارجية لبنان يريد "تبييض وجهه" مع نظام الأسد، كما أراد أيضاً رئيس مجلس نوابه تحسين علاقته بالنظام السوري بشعار "لا قمة من دون سوريا"، فمارس الشغب على ليبيا، كما أراد حزب الله تخويف دول الخليج.. فالنتيجة أن مناسبة القمة كانت لحظة انكشاف الإفلاس في النظام اللبناني، وهو العاجز عن تشكيل حكومة جديدة حتى الآن. عجز يقول أن لبنان رهينة ثمينة بيد محور "الممانعة".
في هذه الأثناء، قد تختلف تفاصيل أحوال الدول العربية الأخرى، لكن كل واحدة منها تعيش نسختها الخاصة من الإفلاس، من بغداد ودمشق إلى صنعاء والقاهرة، ومن الخرطوم إلى طرابلس الغرب وأبعد.. لا اقتصاد ولا سياسة ولا تنمية.
لا غرابة، فهذا هو ثمن الغدر بشعوب الربيع العربي.