الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "فاينانشال تايمز": كيف يحاول ماكرون إعادة "الاستعمار الفرنسي" لأفريقيا؟ 

"فاينانشال تايمز": كيف يحاول ماكرون إعادة "الاستعمار الفرنسي" لأفريقيا؟ 

03.11.2020
ساسة بوست


ساسة بوست 
الاثنين 2/11/2020 
نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية تقريرًا لفيكتور ماليت، مدير مكتب الصحيفة في العاصمة الفرنسية باريس، ونيل مونشي، مراسل الصحيفة في غرب أفريقيا، وديفيد بيلينج، محرر الشؤون الأفريقية في الصحيفة، تناولوا فيه الصعوبات التي يواجهها الرئيس الفرنسي في أفريقيا، والتي تقف عقبة في طريق تحقيق طموحاته في القارة  السمراء. 
ماكرون رجل الحاضر والنوايا الحسنة تجاه القارة! 
بدأ التقرير بالتذكير بالخطاب الذي ألقاه ماكرون عام 2017 في جامعة واجادوجو في دولة بوركينا فاسو الأفريقية؛ حيث أعلن نهاية ما يُسمَّى بـ"فرنسافريك أو Françafrique" وهي الاستراتيجية الفرنسية لممارسة النفوذ العسكري والسياسي والتجاري على مستعمراتها السابقة في القارة. 
وحينها أعلن ماكرون، الذي كان قد انتُخِب رئيسًا قبل ستة أشهر فقط من هذا الخطاب، قائلًا: "لم أحضر إلى هنا لأخبركم ما سياسة فرنسا تجاه أفريقيا كما فعل آخرون، لأن فرنسا لم يعد لديها سياسة تجاه أفريقيا"! وتابع حديثه معلنًا عن صندوق مساعدات بقيمة مليار يورو للشركات الصغيرة للابتكار، وفي مَلْمَح لافت للنظر، تعهد ماكرون بإعادة الأعمال الفنية الأفريقية المنهوبة إلى موطنها الأصلي. 
لم يكن ماكرون أول رئيس فرنسي يعلن بدء فصل جديد في العلاقات العميقة والمؤلمة لبلاده مع إقطاعياتِها السابقة في أفريقيا، لكن ماكرون، الذي كان يبلغ من العمر 39 آنذاك، قدَّم نفسه بحماسة كونه الرجل الذي خرج من رِبْقة نظام الماضي المظلم لأنه أصغر سنًّا ولم يعهد تلك الحقبة التي كانت فيها هذه البلدان مستعمرات أوروبية. لكن اليوم وبعد ثلاث سنوات من ذلك الخطاب،  يبدو أن محاولات ماكرون لإعادة ضبط الأمور في القارة السمراء ذهبت أدراج الرياح؛ تاركةً القوات الفرنسية متورطة في حرب ضد الإرهاب الإسلامي في منطقة الساحل الأفريقي، ودبلوماسييها متورطين في السياسات المتعنِّتة لعديد من مستعمراتها السابقة الغنية بالموارد، مثل مالي وغينيا. 
وفي ساحل العاج، التي كانت ذات يوم جوهرة تاج الأراضي الفرنسية غرب أفريقيا، اتُّهم ماكرون بالتدخل في سياسة البلاد قبيل انتخابات السبت التي يسعى فيها حسن واتارا للفوز بولاية ثالثة مثيرة للجدل، على الرغم من أن المسؤولين الفرنسيين يقولون إن تدخلهم كان للتحذير من مدة الحكم الإضافية المشكوك فيها دستوريًّا، والتوصية بتأجيل الانتخابات في الوقت الراهن لتجنب خطر العنف في البلاد. ومع تصاعد التوترات قبل موعد التصويت، ووجود 20 ألف فرنسي في البلاد، تراقب فرنسا الأحداث في ساحل العاج بقلق.تقدم رغمًا عن المشكلات 
يلفت التقرير إلى أن هذه المشكلات تهدد بحجب بوادر التقدم التي تحرزها حملة ماكرون لترك الحقبة الاستعمارية في الماضي: ففي هذا الشهر، أقرَّ المجلس الوطني الفرنسي قانونًا لإعادة 27 عملًا فنيًّا إلى بنين والسنغال من متحفين في باريس في غضون سنة؛ وفاءً بجزء من الوعد الذي قطعه ماكرون بإعادة التراث المنهوب. كما أحرز هو ووزراؤه تقدمًا في التودد لدول غير ناطقة بالفرنسية، والتي كانت خارج نطاق النفوذ التقليدي لباريس مثل: نيجيريا وكينيا وإثيوبيا، وحصلوا على بعض عقود البنية التحتية الكبيرة أيضًا. 
إلا أن هذا التغير في اتجاهات ماكرون لم يكن مقنعًا بالنسبة لبعض المراقبين الأفارقة. ونقل كتَّاب التقرير عن عبد الله باتيلي، السياسي السنغالي المعارض، الذي أقصى السيد واتارا، وماكي سال رئيس السنغال، الذي يُنظر إليه على أنه حليف يُعتمد عليه ومن أبناء فرنسا المُهمِّين، قوله: "مشروع فرنسافريك ما يزال حيًّا إلى حد كبير، ولهذا يعتقد الناس أن ماكرون لم يغير شيئًا سوى لغة خطابه". وأضاف: "هناك استياء من الفرنسيين اليوم أكثر من السابق بسبب قضية الأمن في الساحل الأفريقي". 
مشكلة ما بعد الاستعمار 
يواصل التقرير: يشير تعليق باتيلي إلى عقبتين كبيرتين في طريق طموحات ماكرون لتجديد الدبلوماسية الفرنسية والتجارة الفرنسية في المنطقة؛ حيث يجري السجال مع منافسين قدامى مثل المملكة المتحدة، ومنافسين جدد مثل الصين وروسيا وتركيا. وكذلك من أجل تحسين صورة فرنسا لدى الشباب والشعوب الأفريقية التي يتزايد عددها بسرعة كبيرة. 
والعقبة الأولى هي تكثيف المهمة الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي التي أطلق عليها بعض المُعلِّقين اسم "أفغانستان فرنسا" لإغاظة مستشاري السيد ماكرون؛ إذ يشارك أكثر من 5 آلاف جندي فرنسي في أكبر صراع تشهده البلاد منذ حرب الاستقلال الجزائرية في عهد شارل ديجول. وتمتد "عملية برخان"، المُكلَّفة بمحاربة تنظيم القاعدة وداعش في منطقة شبه الصحراء الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، لمسافة 4 آلاف كيلومتر من ساحل المحيط الأطلسي والذي يعبر موريتانيا، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وتشاد. 
ويصر ماكرون على أن هذا الكفاح ضروري لطرد الإرهاب الإسلامي بعيدًا عن أوروبا، لكن العملية تعوقها عديد من المشكلات. إذ يشجب المسؤولون الفرنسيون الفساد وسوء الإدارة سرًّا في بلدان مثل بوركينا فاسو، بينما يتهم منتقدو فرنسا في الساحل الأفريقي أسلوبها القيادي المتشدد والأبوي المتسلط. حتى الحكومات الخمسة المشاركة في هذه العملية تناقض نفسها أحيانًا بشأن وجود القوات الفرنسية على الأراضي الأفريقية. وهناك عامل آخر وهو عدم الاستقرار في ليبيا في الشمال من المنطقة بعد التدخل الغربي الذي ساهم في إطاحة معمَّر القذافي عام 2011. كما أن معظم حلفاء فرنسا الأوروبيين مترددون في تخصيص الموارد اللازمة للصراع في الساحل الأفريقي. 
مالي: العقبة الكؤود في وجه فرنسا 
يشير التقرير إلى الضربة الأخيرة التي أصابت ماكرون في المنطقة عندما أطاح الجيش المالي الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، حليف فرنسا، إن لم يكن الرجل الذي يحظى بأكبر قدر من احترامها، في انقلاب أغسطس (آب)، ودعا ماكرون حينها لعودة سريعة إلى الحكومة المدنية. وفي مالي وحدها، قُتل حوالي 4 آلاف شخص العام الماضي في قتال شاركت فيه جماعات عِرْقية وجماعات مرتبطة بالقاعدة وداعش. وتقول باريس إن على مالي ألا تتفاوض مع الجهاديين على الرغم من الدعم الواسع الذي تلقاه هذه الفكرة في أوساط الماليين الذين سئموا العنف. 
وفي مواجهة التهديدات الأمنية وجائحة فيروس كورونا، تعاني مالي ودول الساحل الأفريقي الأخرى من الفقر الشديد إلى الحد الذي قالت معه الأمم المتحدة إن 13 مليون شخص بحاجة الآن إلى مساعدات عاجلة. 
يقول فرانسوا جولم، من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، إن قرار ماكرون بإرسال مئات الوحدات العسكرية لدعم عملية برخان يؤكد ما يراه تحولًا خطيرًا في تركيز مشروع فرنسافريك من قطاع الأعمال إلى المجال العسكري. 
ويضيف: "إن فرنسا جيدة جدًّا في إرسال القوات إلى أفريقيا، ولكنها ليست كذلك في إرسال المستثمرين. وكانت فكرة أن الاستعمار انتهى وأنني ولدتُ بعد الاستعمار، واحدة من بنات أفكار ماكرون، إلا أنه محاصر بعلاقة ما بعد الاستعمار". 
أفريقيا الفرنكفونية في ذروتها 
 كيف يحاول ماكرون إعادة " استعمار فرنسي جديد" في إفريقيا؟ 
المصدر: فاينانشال تايمز: تتضمن الخريطة الأقاليم والجزر التي ذابت في الاتحاد الفرنسي (اتحاد سياسي أنشأته الجمهورية الفرنسية الرابعة ليحل محل التنظيم الاستعماري الفرنسي القديم ولإنهاء ما كان يعرف بنظام قانون الأهالي). 
أعمال لم تنته 
وأفاد التقرير بأن تصميم بعض "الأفيال القديمة" الذين يحكمون المستعمرات السابقة على البقاء في السلطة مهما كان الثمن، يُمثِّل مشكلة أخرى لماكرون في محاولته إعادة تعريف علاقة فرنسا بمستعمراتها السابقة في أفريقيا. ويبدو أن الاعتراضات الصادرة عن شعوبهم أو المسؤولين الفرنسيين ليس لها تأثير يُذْكر في هؤلاء الطغاة. 
استضاف ماكرون سرًّا واتارا البالغ من العمر 78 عامًا – الذي انتُخِب وعُيِّن رئيسًا لساحل العاج قبل عقد من الزمن بدعم من القوات الفرنسية التي ساعدت في إطاحة منافسه لوران جباجبو – لتناول الغداء في قصر الإليزيه في سبتمبر (أيلول)، لكن ماكرون فشل في إقناع واتارا بتأجيل الانتخابات. 
وتُعد فرنسا موطنًا لشتات أفريقي يضم الملايين من شمال القارة وغربها ووسطها، بينما تظل باريس نقطة محورية للنخبة الأفريقية الناطقة بالفرنسية (الفرنكفونية). وقد استخدم جيوم سورو، زعيم سابق للمتمردين في ساحل العاج وكان رئيس وزراء واتارا في يوم من الأيام، غرفة فرساي في فندق لو بريستول الفاخر، الواقع بالقرب من قصر الإليزيه، في سبتمبر للتنديد برئيسه السابق وإعلان أن الانتخابات لن تُجرى في الموعد المحدد لأنه استُبعِد ظلمًا. وحُكم على سورو بالسجن لمدة 20 عامًا غيابيًّا في أبريل (نيسان) بتهمة الاختلاس. 
وقال في حديثه آنذاك: "ساحل العاج على حافة الهاوية". ووفقًا لما تورده الأمم المتحدة، لقي ما لا يقل عن 20 شخصًا مصرعهم في الاشتباكات المتعلقة بالانتخابات في البلاد، والتي كان يدير شؤونها أوفوي بوانيي فيليكس، العاشق لفرنسا وثقافتها منذ الاستقلال عام 1960 حتى وفاته في عام 1993. 
ساحل العاج ومالي ليستا المستعمرتَيْن الفرنسيتَيْن السابقتين الوحيدتين اللتين خضعتا لمحاولات ماكرون للتجديد. وفي غينيا، كان الرئيس ألفا كوندي البالغ من العمر 82 عامًا زعيمًا آخر أعاد كتابة الدستور من أجل الترشح لولاية ثالثة. وأعلن فوزه في الانتخابات بعد الجولة الأولى في 18 أكتوبر (تشرين الأول) وسط مزاعم بالتزوير والاشتباكات العنيفة بين أنصار المعارضة وقوات الأمن أسفرت عن مقتل 21 شخصًا. وفي توجو، يواجه فور جناسينجبي، وهو أحدث سليل لسلالة حكمت لأكثر من 50 عامًا، حكومة منافِسَة في المنفى بعد انتخابات أخرى مُتنازَع عليها. 
السياسة الجديدة متعثرة ولكنها تغير المفاهيم 
وأشار التقرير إلى ما قاله مسؤول فرنسي كبير مقرب من ماكرون: "على مدار ثلاث سنوات، عملنا على دفع هذه (السياسة الجديدة لأفريقيا). إنه عمل لم ينته، لكننا على الأقل نُغيِّر المفاهيم".  وأضاف: "لكن الأمر صعب عندما تأتيك أخبارٌ عن الإرهاب والانقلابات العسكرية ورؤساء يحصلون على ولايات رئاسية ثالثة، وطغاة لا يريدون الرحيل". 
وعندما ينظر إليها من باريس، إن لم يكن من البلدات والمدن عبر القارة، فقد ابتعدت علاقة فرنسا بأفريقيا بوضوح عن العلاقة القديمة لفرنسا بمستعمراتِها الأفريقية السابقة. وبعد سقوط فرنسا في يد النازيين في عام 1940، فرَّ ديجول إلى لندن، ولكن برازافيل في الكونغو الفرنسية أصبحت العاصمة الفرنسية الحرة. وفي سياق إنهاء الاستعمار السريع الذي أعقب الحرب، حافظ ديجول، من خلال جاك فوكارت الذي أدار "خلية أفريقيا" في الإليزيه، على علاقات عسكرية وسياسية وثيقة مع المستعمرات الفرنسية السابقة. وكذلك فعل خلفاؤه، ففي ظل حكم فاليري جيسكار ديستان، قدَّمت فرنسا التمويل للتتويج الباذخ لجان بيدل بوكاسا بوصفه إمبراطورًا لأفريقيا الوسطى في عام 1977، لكي ترسل قواتها لإطاحته وتنصيب ابن عمه بعد ذلك بعامين. 
فرنسا وأفريقيا لا تبتعدان بعضهما عن بعض 
وكتب باسكال إيرو، وجان بيير بات في Françafrique: العمليات السرية وشؤون الدولة: "لا يمكن لأي منهما أن يجافي الآخر. ولم يرغب أي رئيس (فرنسي) في التخلي عن مجاله الأفريقي المحجوز؛ إنه الحمض النووي الحقيقي للرئاسة في ظل الجمهورية الخامسة". 
ومع ذلك، فقد تغير المزاج تدريجيًّا. وفي الوقت الذي يعارض فيه عديد من الشباب الأفارقة بشدة أي تلميح للاستعمار الجديد، من الصعب تخيل زعيم أفريقي يكرر شعار الاعتماد المتبادل الذي هتف به عمر بونجو رئيس الجابون في عام 1996: "أفريقيا من دون فرنسا سيارة بلا سائق. وفرنسا من دون أفريقيا سيارة بلا وقود". 
يقول مومار نجيوير المدير التنفيذي لشركة "توتال"، ورئيس قسم أفريقيا لاتحاد أرباب العمل الفرنسيين (ميديف) Medef، إن عديدًا من الشباب الأفارقة من المرجح أن ينزعجوا من المواقف الأوروبية العدائية تجاه المهاجرين الأفارقة مثلما ينزعجون بشأن الحقبة الاستعمارية التي لم يشهدوهَا أبدًا. 
يقول نجيوير: "أمامنا رئيس فِرنسي وُلِد بعد الاستقلال، وفي أفريقيا وُلِد عدد متزايد من رؤساء الدول أيضًا بعد الاستقلال. والعلاقة بين الجانبين الآن مباشرة وأكثر صراحة. وهناك مشكلات أقل تتعلق بإرث الماضي، ولذلك، فإن الشعور بالذنب أقل". 
الاستثمار الفرنسي في أفريقيا جنوب الصحراء 
وألمح التقرير إلى أن ماكرون يمكن أن يشير إلى الإنجازات الأخيرة التي تشمل تخفيف حدة التوترات المناهضة للاستعمار بشأن عملة المنطقة وهو فرنك الجماعة المالية الأفريقية CFA. ووقف ماكرون إلى جانب واتارا في أبيدجان قبل عام واحد مضى وأعلن نهاية فرنك الجماعة المالية الأفريقية الذي تستخدمه ثماني دول في غرب أفريقيا. 
وفي النهاية، توقفت عملية فك الارتباط، جزئيًّا بسبب الخلاف حول الإيكو eco، وهو اسم العملة البديلة المقترحة، وجزئيًّا لأن بعض دول فرنك الجماعة المالية الأفريقية تخشى عدم الاستقرار إذا ما ضَعُف الارتباط باليورو. لكن فرنسا أجرت تغييرين رمزيين مُهمَّين، حيث ألغت شرط الاحتفاظ بنصف احتياطيات العملة في باريس، كما تخلَّت عن تمثيلها في البنك المركزي الإقليمي. 
كما أصلح ماكرون علاقة فرنسا برواندا ورئيسها المؤثر، بول كاجامي – على الرغم من أن ذلك يبرز مشكلاتها الدبلوماسية بسبب سمعة الزعيم الرواندي بصفته مستبدًّا. 
وتخلَّت رواندا عن اللغة الفرنسية واتجهت إلى الإنجليزية، وهدمت المركز الثقافي الفرنسي في كيجالي وانضمت إلى الكومنولث، المجموعة التي تربط المملكة المتحدة بمعظم مستعمراتها السابقة. لكن ماكرون تودد إلى كاجامي من خلال الإفراج عن ملفات تتعلق بضلوع فرنسا المزعوم في الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 وتأييد الرواندية لويز موشيكيوابو لتولي منصب الأمين العام للمنظمة الدولية للفرانكوفونية، وهي هيئة مؤلفة من 88 عضوًا تربط البلدان التي يتحدث فيها السكان الفرنسية – معظمهم من المستعمرات السابقة – وهي منظمة مماثلة للكومنولث. تقول موشيكيوابو إن ماكرون "مهتم بصدق بطي الصفحة الخاصة بنوع العلاقة التي تربط فرنسا بأفريقيا"، رغم أنها تضيف تحذيرًا: "لكن الرئيس وحده لا يكفي. ولستُ متأكدة ممن حوله من الآخرين في النظام الفرنسي. وبعض العادات السيئة يصعب إنهاؤها". 
إن مساعي الرئيس لتنويع المصالح التجارية الفرنسية في أفريقيا بعيدًا عن أسواقها التقليدية والصغيرة نسبيًّا في المنطقة الفرنكفونية هي مبادرة أخرى يبدو أنها ستؤتي ثمارها. 
مرحلة جديدة من العلاقة 
يقول فرانك ريستر وزير التجارة الدولية: "إنها مرحلة جديدة في العلاقة بين فرنسا ودول أفريقيا المختلفة. ولا يتعلق الأمر بنسيان تاريخ مشترك (مع الدول الفرنكفونية) أو إنكاره، ولكن يتعلق بالعمل مع البلدان التي تمثل شركاء محتملين للمستقبل، بغض النظر عن تاريخهم معنا". 
ماكرون 
وأشار تقرير صدر العام الماضي عن وزارتي الخارجية والمالية الفرنسيتين، حول إعادة إطلاق الوجود الاقتصادي للبلاد في أفريقيا إلى أن حصة فرنسا في السوق من تجارة القارة انخفضت إلى النصف لتصل إلى 5.5% بين عامي 2000 و2017 في مواجهة المنافسة من الصين والمنافسين الآخرين. وبلغت الصادرات الفرنسية أكثر من الضعف لتصل إلى 28 مليار دولار سنويًّا، لكن السوق تضاعف أربع مرات في غضون ذلك. 
ومنذ ذلك الحين، أعلنت فرنسا سلسلة من الصفقات خارج مناطق الصيد القديمة، بما في ذلك أكثر من ملياري يورو من عقود البنية التحتية للنقل في كينيا، وعقد لشركة "أكسن Axens" الفرنسية للمساعدة في بناء مصفاة نفط جديدة في نيجيريا تبلغ طاقتها 200 ألف برميل يوميًّا. وشركة "توتال" هي واحدة من عدة شركات أجنبية اجتمعت لاستثمار ما يصل إلى 50 مليار دولار في مشروعات الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق، ووقَّعت صفقة أمنية لمساعدة الحكومة على حماية منشآت الطاقة في المستعمرة البرتغالية السابقة. 
الواقع السياسي 
وشدد التقرير على أنه على الرغم من علامات التنويع هذه، يكافح ماكرون للتخلص من الانطباع بأن علاقة فرنسا الجديدة بمستعمراتِها السابقة في أفريقيا ليست أكثر من مجرد تمرين لتغيِير العلامة التجارية. ومن المرجح أن تواجه إدارته والإدارات التي ستأتي من بعده  تهديداتٍ أمنية ونزاعاتٍ سياسية مستمرة في المستعمرات الفرنسية السابقة، وستكون خارجة عن سيطرة الذراع الطولى لباريس، على الرغم من أن إدارته تبذل قصارى جهدها في هذا الصدد. وأدَّت الحملة الداخلية الفرنسية للانقضاض على الإسلاموية الراديكالية في أعقاب مقتل مدرس في باريس إلى مقاطعة البضائع الفرنسية في بعض دول الشرق الأوسط، وتأمل باريس ألا تمضي الدول الأفريقية ذات الكثافة السكانية المسلمة في الطريق نفسه. 
واختتم المراسلون تقريرهم بقول كارولين روسي، باحثة في شؤون أفريقيا في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية IRIS، "فرنسا تمضي في طريق مسدود مهما فعلت". وتقول إن مناهج ماكرون الجديدة في التعامل مع القادة الأفارقة المشاكسين لم تنجح دائمًا، وستكون هناك حاجة إلى استراتيجية أكثر ذكاءً. 
وتضيف كارولين: "إن ماكرون يواجه عقبات تتعلق بشخصيته والواقع الذي لا يستطيع إدارته. وفي مرحلة ما علينا إنهاء هذه العلاقة غير الصحية بين فرنسا وأفريقيا".