الرئيسة \  واحة اللقاء  \  انهيار نظام العدالة الدولي

انهيار نظام العدالة الدولي

05.12.2018
رضوان زيادة


سوريا تي في
الثلاثاء  4/12/2018
يمكن القول إن ما جرى ويجري يوميا في سوريا كان له الأثر الكبير في إثارة الشكوك في مدى جدية نظام العدالة الدولي تحقيقاً لمبدأ "Never again" أو "ليس مرة أخرى" الذي ساد بعد مذابح الهولوكست ومن ثم المجازر الرهيبة في حرب البلقان والإبادة الجماعية التي حصلت في رواندا عام 1994.
فقد تطور النظام الدولي بعد ما ارتكب من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في يوغسلافيا سابقاً؛ باتجاه ما يعرف بمبدأ حماية المدنيين ومنع وقوع جرائم الإبادة قبل معالجة آثارها ونتائجها بعد وقوعها، فتأسست محكمة الجنايات الدولية في عام2002، وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مبدأً بات يعرف بمبدأ حماية المدنيين (Responsibility to Protect) في عام 2005، متجاوزة المبدأ التقليدي في حماية سيادة الدول وإدراك أنه عندما ترتكب الأنظمة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فإنها تفقد سيادتها ويصبح لزاماً على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته في اتخاذ كل التدابير الضرورية من أجل حماية المدنيين ومنع وقوع الجرائم بحقهم.
لقد ترك المجتمع الدولي السوريين كي يعيشوا الألم وحدهم، يُقتلون يومياً بأنواع مختلفة من الأسلحة لا قبل لهم بها، فالقصف الجوي بالطائرات الحربية المقاتلة والسلاح الكيماوي وحصار الجوع والصواريخ والقنابل العنقودية وغير ذلك من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية كلها حصدت أرواح أكثر من 600 ألف شخص إلى الآن وربما يكون العدد أكبر من ذلك بكثير، كما كثف الأسد ومن بعده النظام الروسي استخدامهما للصواريخ بعيدة المدى والقنابل العنقودية ضد المناطق التي خرجت عن سيطرته غير عابئين بعدد الأرواح التي يمكن أن تحصدها هذه الصواريخ وغير مكترثين لحجم الدمار الذي يمكن أن تخلفه في المناطق السكنية والبنى التحتية، هذا فضلاً عن ترسانة كاملة من الأسلحة المحرمة دولياً والتي استخدمت وتستخدم يومياً بحق الشعب السوري من القنابل العنقودية والفراغية إلى الألغام الفردية والبحرية وغيرها.
لقد ترك المجتمع الدولي السوريين كي يعيشوا الألم وحدهم، يقتلون يومياً بأنواع مختلفة من الأسلحة
وحتى إذا ما قورن ما يجري في سوريا - على اعتبار أنه حرب أهلية - بعدد من الدول التي شهدت حروباً أهلية، (رغم القناعة التامة لدى كثير من السوريين ببعد هذا المصطلح تماماً عما يجري داخل الأراضي السورية إذ يعتبرونها ثورة شعبية ضد نظام استبدادي قطعاً)، سيلاحَظ بمقارنة بسيطة لعدد الضحايا في سوريا مع عددها في بلدان أخرى عاشت ظروف حرب أهلية حقيقية كالبيرو على سبيل المثال التي امتد فيها الصراع المسلح بين الدرب المضيء المدعومة من الأرياف وبين الأجهزة الأمنية الحكومية التي قررت القضاء على الإرهاب بما أسمته إرهاب البيئة الحاضنة  لمدة عشرين عاماً (من عام 1980 وحتى عام 2000) وبلغ عدد القتلى أكثر من 70 ألفا وفقاً لتقرير لجنة الحقيقة والمصالحة النهائي، في المقابل وفي سبعة أعوام بلغ عدد القتلى أكثر من 600 ألف، أكثر من 90 في المئة منهم من المدنيين.
لقد سُمح للأسد بالاستمرار في حربه ضد الشعب السوري بضوء أخضر من المجتمع الدولي ولذلك فإن عدد الضحايا و القتلى سيكون مرشحاً للازدياد بشكل يومي بسبب التزايد الملحوظ للعنف والارتفاع الكبير في عدد المختفين قسرياً والمعتقلين الذين هم عرضة للوفاة تحت التعذيب الشديد كما تشهد حالات مماثلة يومياً ومنذ بداية الثورة، إذ لم تكف آلة التعذيب عن حصد ضحاياها بشكل يومي في مؤشر على مدى وحشية الأجهزة الأمنية التابعة للنظام واستخفافها الكامل بالأرواح البشرية للسوريين.
فالبعد الرادع التي توقعنا أن تقوم محكمة الجنايات الدولية به قد انتفى تماماً مع استمرار الأسد بجرائمه
هذا يعني فشل نظام العدالة الدولي الذي اعتقدنا أنه كاف أو قادر على حماية المدنيين ومنع تكرار جرائم الإبادة أو جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية فحدوثها في سوريا بهذا التكرار وبهذا الحجم وهذا العدد الكبير من القتلى المدنيين يظهر فشل نظام العدالة هذا ويدفعنا مجدداً إلى التفكير في أفضل الإجراءات لمنع تكرار ما حصل في سوريا مجدداً في دولة أخرى قادمة.
فالبعد الرادع التي توقعنا أن تقوم محكمة الجنايات الدولية به قد انتفى تماماً مع استمرار الأسد بجرائمه بشكل يومي وبنفس الوقت فشل مجلس الأمن بسبب انقسامه في إحالة هذه الجرائم للمحكمة جعل المحكمة بدون أي تأثير أو فعالية لما يجري في سوريا، وبنفس الوقت غياب أي منظومة إقليمية للعدالة على المستوى العربي جعل هذه الجرائم تتكرر بشكل يظهر المنطقة بأكملها وكأنها منيعة على العدالة حصينة على المحاسبة وهو يظهر مدى التأخر مقارنة مع منطقتي أمريكا اللاتينية أو أفريقيا إذا لم نرد أن نجري المقارنة مع أوروبا أو أمريكا الشمالية.
كل ذلك يدفعنا إلى التفكير مجدداً اليوم كيف يمكن أن نفكر بما جرى في سوريا على المستوى الدولي وكيف يمكن أن تكون سوريا درساً لعالم أكثر عدالة وإنسانية.