الرئيسة \  واحة اللقاء  \  انكفاء الشرعية العربية سهّل على الإيرانيين ابتلاع لبنان 

انكفاء الشرعية العربية سهّل على الإيرانيين ابتلاع لبنان 

08.09.2020
علي حماده



النهار العربي 
الاثنين  7/9/2020 
أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهلة زمنية محدودة لتحقيق تقدم في مبادرته اللبنانية التي أطلقها على مرحلتين غداة الانفجار الكارثي الذي أصاب قلب بيروت في الرابع من آب (أغسطس) الفائت. أمامه مهلة لا تتعدى الأشهر الثلاثة المقبلة، أي أن عليه أن يحقق تقدماً جوهرياً قبل نهاية العام الحالي، أكان على صعيد إنجاز تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة الرئيس المكلف مصطفى أديب، أو على صعيد إطلاق حزمة الإصلاحات العاجلة في قطاعي الطاقة (الكهرباء)، والاتصالات، فضلاً عن المباشرة بإجراءات إصلاحية على صعيد مصرف لبنان، وقطاع المصارف المتداعي بسبب الأزمة المالية الخانقة في لبنان. وأمام الرئيس الفرنسي مهلة محدودة من الزمن نظراً لتداخل المبادرة الفرنسية مع المواجهة الحاصلة في الحوض الشرقي للمتوسط مع تركيا التي تلعب على حافة الهاوية مع كل من اليونان وقبرص، وتتدخل مباشرة في النزاع الليبي، مهددة الأمن القومي المصري، إضافة الى حصولها مؤخراً على غطاء أميركي لدورها في منطقة إدلب شمالي سوريا، بما يمنع روسيا من دعم أي هجوم للنظام السوري في الوقت الراهن، ولا ننسى نقطة جوهرية بارزة في الأجندة السرية للمبادرة الفرنسية في لبنان، وتتعلق باحتمالات توسع النفوذ التركي في الوسط السني اللبناني نتيجة للفراغ الكبير الذي خلّفه انهيار معظم الزعامات السنية، وعجزها عن الإمساك بخيوط "اللعبة" الشعبية في مناطق الحضور السني الكبير، مثل محافظات شمال لبنان، والبقاع الغربي، والقطاع الجنوبي لمحافظة جبل لبنان. هنا تترد معلومات عن اندفاعة تركية تبني على "المظلومية" السنية، وعلى الشعور بالضعف إزاء فائض القوة العدواني الذي يمثله مشروع "حزب الله" الإيراني في لبنان. كل ذلك في ظل قرار الانكفاء الخليجي العربي الذي ترك فراغاً كبيراً في الساحة السنية عموماً، وفي الساحة المعارضة لمشروع إيران في لبنان خصوصاً.  
 بناءً على ما تقدم، يمكن اعتبار المهلة الزمنية المحدودة أمام المبادرة الفرنسية في لبنان، امتحاناً دولياً للرئيس الفرنسي ولقدرات فرنسا في صوغ تحالفات متقاطعة في المنطقة، لمقاسمة الإيرانيين نفوذهم في لبنان، وفي الوقت عينه منع تركيا من التمدد بحرية في بيئة تعاني من الفراغ، ترامناً مع محاولة إنقاذ لبنان من الانهيار التام، الذي يقول الفرنسيون لنظرائهم الأميركيين إنه يخدم المشروع الإيراني (عبر "حزب الله") أكثر مما يضرّه، ويدمّر مشروع الدولة اللبنانية التي يعوّل عليها مستقبلاً لإحداث تغيير في تركيبتها الحالية، وفي دفعها للامتثال العملي لقرارات الشرعية الدولية، وأولها بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وإنهاء ظاهرة ثنائية الدولة والدويلة. كل هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن فرنسا لا تسعى الى مواجهة مع الإيرانيين لا في لبنان، ولا في أي بقعة أخرى من المنطقة، حتى في العراق التي زارها ماكرون مباشرة بعد زيارته الأخيرة لبيروت. فالسياسة الفرنسية حيال إيران متمايزة في الأساس عن الأميركية، والخلاف واضح في ما يتعلق بموضوع الاتفاق النووي الذي خرجت منه الولايات المتحدة، لتتبنى سياسة الضغط الأقصى على إيران لدفعها الى عقد اتفاق جديد أفضل من السابق لجهة المهل الزمنية، وضم بنود جديدة (برنامج الأسلحة الباليستية)، وتغيير سلوكها في منطقة الشرق الأوسط. وبالرغم من معارضة جميع شركاء أميركا في الاتفاق النووي، ما استطاعوا، ولا استطاعت فرنسا مواجهة برنامج العقوبات الأميركي المشدد على إيران. ومع ذلك حافظ الفرنسيون على قنوات الاتصال السياسي، والمخابراتي مع الإيرانيين في انتظار جلاء صورة الموقف الأميركي بعد الانتخابات الأميركية المقبلة. ويمكن القول إن الاختراق الذي حققه الفرنسيون في مبادرتهم اللبنانية ما كان ليحصل لولا تقاطع موافقتي إيران والولايات المتحدة على إعطاء ماكرون ضوءاً أخضر للمضي قدماً. وبالطبع قايض الفرنسيون "تسهيلات" إيران بتأجيل البنود السياسية التي تضمّنتها المبادرة الفرنسية (الانتخابات النيابية المبكرة، وواقع "حزب الله")، والاكتفاء بالجانب الحكومي والتقني للإصلاحات، وإنقاذ لبنان من الانهيار التام، بما لا يهدد نفوذ إيران ("حزب الله")، بل يمنحه في مكان ما فسحة للتنفس.  
 ثمة من يعتبرون في لبنان أن المبادرة الفرنسية جاءت لتريح الإيرانيين في لبنان، وأنه كان الأجدى مواصلة سياسة الضغط الأقصى لمدة أطول. أما الرأي الفرنسي في هذا المجال فيعتبر أن لبنان وصل الى القعر، وأن ترك الوضع من دون تدخل سيدفع البلاد نحو فوضى أمنية، وربما حرب أهلية لا يستفيد منها سوى الطرف الأقوى، والأكثر تنظيماً، أي "حزب الله"، ومن خلاله الإيرانيون. والأفضل، حسب الفرنسيين، الاستفادة من تضعضع الإيرانيين الحالي في لبنان والعراق، للدفع قدماً نحو مقاسمتهم نفوذهم شبه التام في لبنان بدور غربي تقوده فرنسا نيابة عن الغرب، والشرعية العربية في انتظار تظهير الصورة في واشنطن في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل! في الانتظار، يلعب الفرنسيون دورهم بقوة، وبعجلة من أجل خلق واقع جديد يكون من الصعب التراجع عنه. ومع ذلك تبقى نقطة جوهرية غائبة عن المشهد اللبناني، عنينا دور الشرعية العربية المنكفئ الذي ترك لبنان لزمن طويل ضحية لتوسع إيراني عدواني مثله سلوك "حزب الله" في الداخل، وإن تكن القيادات اللبنانية الاستقلالية (سابقاً) قد سهّلت مهمة الإيرانيين في ابتلاع لبنان، عبر تشتتها، ثم استسلامها بالتتابع أمام "بولدوزر" إيران في لبنان!