الرئيسة \  واحة اللقاء  \  انتهى البحث يا ولدي

انتهى البحث يا ولدي

03.04.2019
سلام الكواكبي


سوريا تي في
الثلاثاء 2/4/2019
لغرضٍ علميٍ بحت، أرغمت نفسي على متابعة أعمال القمة العربية التي لم يعد ترتيبها الرقمي مجدياً في ظل خواء المفهوم وتضعضع الهيكل المتهالك أصلاً. وبدأت مهمتي الشاقة هذه، ولكن الضرورية نظرياً لإعداد ورقة بحثية عن "العمل العربي المشترك" وآفاق تطويره، بمتابعة الجلسة الافتتاحية، مرغماً أخاك لا بطل.
كان من الممتع مسرحياً، وأكاد أقول من أشد مشاهد "المضحك المبكي"، أن أتابع مشاهد وصول القادة العرب إلى قاعة المؤتمر مصحوبين بمرافقين من أمنيين ومن دبلوماسيين وفرقة "حسب الله" الإعلامية، والتي فاق عدد وعديد كل منها مجموع المجتمعين في أي قمة إقليمية أو دولية تجري خارج أراضي أهل الضاد. وقد تميّز كل رئيس أو ملك أو أمير بمشهده المسرحي الخاص الذي يتناسب مع أطرف ما يمكن لكتاب الكوميديا السوداء أن يجنحوا إليه في خيالهم. والمفارقة الثانية في هذا المسرح العبثي، فهي تكمن في عقد مثل هذه القمة لمثل هذا النظام العربي "المشترك" العاجز سريرياً وضميرياً وبنيوياً وأدواتياً، في تونس، عاصمة الثورة العربية اليتيمة التي نجحت
في مصر، أم الدنيا، نجحت "ثورة" مضادة بانقلاب عسكري أجهزت من خلاله قوات الجيش وأجهزة الأمن والدولة العقيمة على جنين الفعل السياسي الديمقراطي
نسبياً حتى الآن في صون الحد الأدنى من مكتسبات الربيع العربي الموءود على الرغم من تكالب أعداء الحرية الداخليين والخارجيين على مساراتها، وعلى الرغم من طفولية العمل السياسي أو كهولته لدى بعض من نادى بها أو ركب قطارها متأخراً وهو يعبر أمامه بسرعة معقولة.
في المقابل، وفي مصر، أم الدنيا، نجحت "ثورة" مضادة بانقلاب عسكري أجهزت من خلاله قوات الجيش وأجهزة الأمن والدولة العقيمة على جنين الفعل السياسي الديمقراطي. جنينٌ كان يتخبّط ويتعثّر من خلال سياسات أثارت غضب الشارع وتمت ترجمتها بتصرفات إقصائية تستند إلى فهم خاطئ للديمقراطية وحصرها بنتائج الاقتراع بعيداً عن الإدماج السياسي والتحالف الموضوعي.
من جهة أخرى، وبعد أن أجهض تحالف الأعداء، الحراك الشعبي المطالبي في البحرين، تضافرت جهود وأموال بعض ذات القوى الإقليمية على إجهاض الثورة اليمنية وتحويلها إلى صراع طائفي يتشبّه بمموليه المعادين بنيوياً للمسألة الديمقراطية من إيرانيين وسعوديين. وقد تم تدمير البلاد وتشريد العباد واستنباط حالة دمار إنساني لا تغطية إعلامية تُذكر له. كما يستمر تصارع أصحاب المصالح على ليبيا ونفطها وموقعها، وذلك بعد التخلص من عدوٍ/ صديقٍ متمثّل بشخص القذّافي. فتارة، يضخ البعيدون مالاً لتأجيج صراع ديوك الحرب أو لدعم سقطٍ من متاع القذافي للعودة إلى سدة الحكم أو فقط للانتقام ممن يعتبرونهم، وبشكل ثأري بدائي، أعداءً للمصالح وللطموحات الشخصية.
وفي المقتلة السورية، تم الأمر تباعاً من خلال استخدام العنف البشري والناري ضد احتجاجات سلمية، ومن ثم تم التحول إلى صراعات عسكرية عبثية، وللوصول إلى تتويج المقتلة مرحلياً بانتصار عسكري روسي/ إيراني على الأرض المدمرة. "انتصارٌ" سيفرض معطياته وتناقضاته وأثمانه في قريب المفاوضات مع الغرب المتفرج عجزاً وانحرافاً. وأما السوريون، فإما دفنوا في باطن أرض الوطن المعطاء أو غادروها لبلاد الله غير المرحبة بهم، أو أنهم آثروا الأمان والاطمئنان الجزئي واعتنقوا مذهب الخوف والمواربة.
بموازاة هذه المآسي مجتمعة، يعيش الفلسطينيون احتلالات متشابكة. فمن جهة، هناك الغاصب الإسرائيلي الذي يسرح ويمرح، يقتل ويستوطن، يعتقل ويُشرّد. ومن جهة ثانية، سلطة ذاتية لا سلطة لها، فاسدة التكوين والممارسة، قمعية العقيدة ضد معارضيها، متعاونة لأقصى حدود التعاون مع المحتل، وذلك للحفاظ على مكاسب ذاتية. وثالثة الأثافي، جماعة دينية تستغل المقدّس من النصوص لتمارس أشد أنواع الترويع ضد الأهالي مُسببة لهم دمار تلو دمار، بحجة مقاومة الغاصب المحتل.
يجتمع القادة إذاً، والذين يُنتظر منهم نظرياً اتخاذ خطوات عملية في بعض هذه الملفات حتى لا يُصار إلى المبالغة
بيانهم الختامي مستنسخ من بيانات يتم اجترارها منذ تأسيس جامعتهم العربية هلامية الشكل وفارغة المحتوى وعاجزة الأداء
ومطالبتهم باستعراضها جميعاً. ينام جُلّهم أمام شاشات التلفزة من دون خجل ولا حياء. أعمارهم تجاوزت صلاحية الاستيقاظ، حتى الاصطناعي منه. يتداولون القبلات والضحكات والعبارات الفارغة من قبيل تسمية القمة بقمة "العزة والتضامن".
بيانهم الختامي مستنسخ من بيانات يتم اجترارها منذ تأسيس جامعتهم العربية هلامية الشكل وفارغة المحتوى وعاجزة الأداء، يتصدرها أمينٌ عامٌ من مخلفات الدولة المصرية العقيمة، وليثبتوا للعرب جميعاً بأنهم عاجزون ليس فقط جسدياً وسياسياً، بل حتى تنظيمياً. فقد فشلوا حتى في الاتفاق على مكان انعقاد القمة القادمة التي لن تختلف عن سابقاتها إلا بتسجيل بعض حالات الغياب لمن سيزورهم ملاك الموت خلال مرحلة الانتظار، مخلفين وراءهم ورثة جديرين بالحمل، وقادرين على متابعة المسيرة في العجز أمام أعداء الأوطان، والقوة والاستبداد والعجرفة ضد أولاد الأوطان.
ما كادت أعمال القمة أن تنتهي، إلا وأنا مرسلٌ كلمات اعتذار إلى المؤسسة الأكاديمية التي طلبت مني القيام بتحرير البحث حول العمل العربي المشترك لعجزي عن القيام بتحليل علمي محايد إزاء مثل هذه المسرحية العبثية التي يعيشها العرب منذ عقود. وختاماً، اتصلت بي إذاعة فرنسية لكي أُعلّق على نتائج القمة، فقابلت السؤال بضحكة ملؤها المرارة، وودعت المذيعة بمثل ما اسْتُقْبِلَتْ فيه الوفود من حفاوة ومن ترحيب ومن تطنيب.