الرئيسة \  واحة اللقاء  \  انتصارات؟

انتصارات؟

29.07.2017
علي نون


المستقبل
الخميس 27/7/2017
بين سقوط القصير في حزيران عام 2013 ثمّ "شراء" يبرود في آذار من العام 2014، كان "حزب الله" "يسعى" في جبال القلمون السوري المتداخلة مع جرود عرسال اللبنانية.. وأتذكّر مثل كثيرين غيري، أنّه أذاع يومها خبريات وخلاصات عن "تحرير" الجزء الأكبر من تلك المنطقة النائية.. الجزء الذي يعود في هذه الأيام ليعلن "تحريره" مجدّداً.
.. والأرشيف حاضر، والبيّنة (المعاكسة) على المفتري والمشكّك!
ولم تقتصر أناشيد "الانتصار" آنذاك على الشق التحريري الميداني، بل تخطّته بأشواط الى الادّعاء، والانتشاء بالادّعاء، بأنّ "الثورة انتهت" وبأنّ رئيس سوريا السابق بشار الأسد "باقٍ وانتصر".. وبأنّ سوريا نجت من السقوط في "أيدي الإرهابيين والتكفيريّين والصهاينة والأميركيين" والعرب أجمعين!
بين الأمس واليوم فوارق لا تُخفى. وهذه في قمّتها، تفيد بأنّ المعارضة السورية تئنّ بأوجاعها، وتتراجع تحت وطأة التكالب عليها شرقاً وغرباً وتكفيراً وإرهاباً، ونتيجة حسابات كبرى إقليمية ودولية، وتدفع أثمان تلك الحسابات مع أنّها يُفترض أن تقبض في مقابل تضحياتها الأسطورية!
وهذا التراجع مكّن الأعداء والدخلاء من الإطباق عليها في أكثر من نقطة وجبهة وميدان.. ومن ذلك جبال القلمون وجرود عرسال جغرافياً وجزئياً، وتظهير الجماعات الإرهابية وكأنّها هي الأساس والأصل نهجاً وبرنامجاً، وليست الدفرسوار الذي عبرت منه قوى الثورة المضادة لإكمال الانقضاض وتتويج التشويه والاستمرار في المذبحة!
ولكن، هل يكفي ذلك لتبرير نشوة مدّعي "الانتصار" هذه الأيام؟ وهل صحيح أنّ قوى الممانعة حسمت كل الأمر؟ وأنّ بشار الأسد "باقٍ وأعمار الشعوب قُصار"؟! أم أنّ الممانعين المنتشين يفضّلون الإقامة في صالة الأفراح، والتعامي عن كل المشهد المحيط بتلك الصالة، والقائل إنّ حسابات المتحكّمين بهذه النكبة من الروس الى الأميركيين تكاد أن تتطابق على اعتبار إيران جزءاً من المشكلة وليست جزءاً من "الحل"! وإنّ دورها ونفوذها مطلوبان مرحلياً ومرفوضان مبدئياً واستراتيجياً! وإن سوريا التي كانت راحت ولن تعود! وإن بقايا السلطة الأسدية لم تعد تعني النظام ولن تعني ذلك في أي تركيبة مستقبلية! وإن "الحرب على الإرهاب" تشمل "كلّ" الإرهاب وليس الجزء المتّصل بـ"داعش" أو "النصرة" فقط، وإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالأمس تحديداً أعاد التشديد على هذه النقطة تماماً ومباشرة! وإنّ سيرغي لافروف وزير خارجية فلاديمير بوتين قال في الأسبوع الماضي إنّ "مصالح إسرائيل" مأخوذة في الحسبان ومرعيّة بالطول والعرض في أي تدبير سياسي أو ميداني مشترك بين موسكو وواشنطن؟!
أم أنّ المنتشين "بالانتصارات" اليوم لا يريدون تعكير أمزجتهم بحقيقة أنّهم حتى شهر أيلول 2015 كانوا في سياق تنازلي من جنوب سوريا الى شمالها ولولا "عاصفة السوخوي" لكانت دمشق سقطت في "غضون أسبوعين"، على ما أكّد لافروف أيضاً! وإنّ الخطوط الراهنة لتكريس الترتيبات التهدويّة لا تعني في واقع الحال، سوى أنّ موسكو تركت إيران في منتصف الطريق! وإنها لن تُعطى شيئاً من مردود الحرب على الإرهاب، لا في الجنوب السوري ولا في الغوطة الشرقيّة، ولا في الخط الحدودي الشمالي باستثناء منطقة الساحل، ولا في البادية الممتدة من الرقّة ودير الزور الى حدود العراق.. وإنّ الترتيبات الميدانية الحاصلة لا تعني تكريساً للنفوذ حتى في المنطقة الحدودية الغربية المحاذية للحدود الشرقية اللبنانية، طالما أنّ إسرائيل "متأهّبة للدفاع عن مصالحها"، وأنّ موسكو وواشنطن "تتفهّمان" موقفها تماماً بتاتاً! وإن المقايضة بين "التزام" طهران عدم التحرّش بالمنطقة المحاذية للجولان أو بحدود الأردن أو باستكمال الربط البرّي بين مراكز نفوذها، والمعركة الراهنة في القلمون والجرود العرساليّة، لا تعني تسليماً دائماً بنفوذها وإنما خطوة إضافية على طريق تقليص ذلك النفوذ!!
لا تهتمّ قوى الممانعة من نواحينا كثيراً بالتفاصيل، بل المهم عندها هو تأكيد أنّها "دائمة الانتصار" ولا تنكسر! حتى لو حوت تلك "التفاصيل" على حقائق من نوع أنّها تنحني أمام الغارات الإسرائيلية المتكرّرة! وتتراجع أمام الخطوط الحمر الأميركية! وتطنّش عن حسابات الروس وارتباطاتهم الميدانية بالإسرائيليين! وغير ذلك الكثير.. المهمّ عندها أن تدّعي مراكمة "انتصارات" على عرب ومسلمين ليس إلاّ!!