الرئيسة \  واحة اللقاء  \  انتفاضة العطشى في ايران 

انتفاضة العطشى في ايران 

25.07.2021
مهند الحاج علي


المدن 
السبت 24/7/2021 
منذ أكثر من أسبوع، تشهد ولاية خوزستان (جنوب غربي ايران) احتجاجات على خلفية النقص الحاد بالمياه فيها. سقط في الاحتجاجات ثلاثة قتلى مدنيين نتيجة قمع الشرطة للمتظاهرين. في المقابل، يلجأ النظام الى خطابه التقليدي في تبرير العنف، إما عبر اتهام "إرهابيين" أو "مندسين" أو من خلال التركيز على سقوط شرطي قتيلاً، لسحب بساط الشرعية من تحت التظاهرات (القول إن التظاهرات كانت شرعية ومطالبها محقة، لكن مندسين يستغلونها الان). بغض النظر عن هذه المحاولات، لا تُجدي المعالجة الأمنية لأزمات بنيوية مثل هذه. استهلاك الكهرباء والمياه في إيران يفوق قدرة الدولة على الإنتاج أو إعادة التدوير، ويخلق بالتالي عجزاً مستداماً. 
ومثل هذا العجز في الإدارة، يترافق أيضاً مع اختناق على المستوى السياسي، لجهة الفشل في رفع العقوبات الأميركية عبر المفاوضات في فيينا حول إعادة احياء الاتفاق النووي. هذا الأداء الفاشل في إدارة ملفات حساسة كالخدمات الأساسية، لا يستوي مع خوض مواجهة من هذه النوعية. ألا يفرض المنطق تحصين الجبهة الداخلية، أو أقله توفير الأساسيات للناس قبل الذهاب بهم إلى مواجهة كبرى مع الولايات المتحدة وحلفائها؟ 
وهذه ليست ولاية عادية أو غير مهمة في إيران. خوزستان، أو الأهواز أو عربستان كما يحلو لبعض العرب تسميتها، تضم 80 بالمئة من الاحتياطي النفطي في إيران، وهي في المرتبة الثانية (بعد طهران) من أصل 31 ولاية، لناحية العائدات التي توفرها للخزينة الإيرانية (16 بالمئة). الولاية تضم أيضاً أقلية عربية كبيرة، تقريباً ثلث السكان، إذ يتحدث معارضون عرب عن حركة استيطانية لتبديل ديموغرافية الولاية "على الطريقة الإسرائيلية". ورغم أن الولاية هي 6 أضعاف لبنان، إلا أن سكانها أقل من خمسة ملايين نسمة. هذه الأهمية دفعت بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) الى تسمية الولاية بـ"وتر العرقوب" الإيراني، كونها حساسة وتُمثل مصدراً مهماً للعائدات الاقتصادية. 
والواقع أن قضية المياه أيضاً مُسيسة، إذ يُشير حزب التضامن الأهوازي المعارض (الذي يدعو الى استقلال المقاطعة بقيادة عربية)، الى دور الحكومة المركزية في التسبب بالجفاف. بالنسبة للحزب ومقره لندن، يقف "التمييز والإهمال البيئي المتعمد للمنطقة والسياسات التدميرية لصالح حرف مياه الأهواز (خوزستان) للمناطق المركزية في ايران ... وراء هذه الكارثة". ويُحدد الحزب في بيان له مشاريع حكومية منها "بناء سدود غير مبررة وعمليات نقل المياه من مصادر نهر كارون إلى المحافظات الوسطى لسنوات عديدة، إذ كان من المتوقع بشدة أن تواجه الأهواز يوماً ما موجة جفاف غير مسبوقة، وبخاصة بالنسبة للمزارعين والصيادين والعاملين في المجالات ذات الصلة، وهم بطبيعة الحال بشكل أساسي من العرب ويدفعون الآن ثمن هذه السياسة". 
فقدان التنمية في الولاية (نسبة لغيرها) ليس خافياً، لكنه يندرج ضمن سياسات الإنماء غير المتوازن (بين المركز والهامش غالباً) في أنحاء المنطقة وخارجها. وهو في هذه الحالة يتقاطع مع ظاهرة التصحر، وشح المياه عموماً، من جهة، وآثار العقوبات الأميركية المتواصلة منذ حوالى أربع سنوات، من جهة ثانية. وفي الشأن الأخير، لا يبدو أن هناك انفراجة قريبة بين ايران والولايات المتحدة في شأن الاتفاق النووي، بل تهديدات أميركية بفرض عقوبات على شركات صينية تتعامل مع طهران نفطياً. من شأن ذلك زيادة الضغط على إيران، لا التخفيف منه. 
يبقى أن ارتفاع حدة التوتر في هذه الولاية، مع وجود هذا التنوع الإثني فيها، قد يُعطي زخماً لأي حراك هناك، على عكس احتجاجات السنوات الماضية، والتي انطفأت سريعاً نتيجة قمع السلطات. لن يعني ذلك بالتأكيد سقوط النظام أو انفصال الولاية أو حتى خروجها عن السيطرة، هذا غير ممكن حالياً. لكن الولاية قد تتحول الى صداع دائم للنظام، يزيد من متاعبه، وربما يُضاعف خسائره، في حال اتسعت دائرة العنف والاحتجاج.