الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الولاية القضائية العالمية في ملاحقة مجرمي النظام

الولاية القضائية العالمية في ملاحقة مجرمي النظام

08.11.2018
د. رضوان زيادة


سوريا تي في
الاربعاء 7/11/2018
أصدر قضاة فرنسيون البارحة مذكرات توقيف دولية – وكانت قد صدرت في 8 تشرين الأول/أكتوبر وتم الإعلان عنها البارحة - ضد ثلاثة من كبار ضباط النظام السوري؛ وهم علي مملوك، وجميل حسن، وعبد السلام محمود، بتهم التورط في جرائم ضد الإنسانية.
كما وجهت لعبد السلام محمود تهم التورط في جرائم حرب، على خلفية اختفاء وتعذيب وقتل كل من مازن وباتريك عبد القادر الدباغ، من حاملي الجنسيتين الفرنسية والسورية كما ذكر بيان الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH)، حيث كان الأب وابنه قد تعرضا للاعتقال من قبل ضباط المخابرات الجوية السورية في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، وجرى احتجازهما في مطار المزة العسكري سيء السمعة. وتم رفع القضية في فرنسا في تشرين الأول/أكتوبر 2016 من قبل عبيدة الدباغ، بمساعدة من الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان (LDH)، وبدعم من المركز السوري للإعلام وحرية التعبير.
يسمح مبدأ "الولاية العالمية" لهيئات الادعاء الوطنية بملاحقة من يُعتقد أنهم مسؤولون عن جرائم دولية خطيرة بعينها، مثل التعذيب وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، حتى إذا كانوا ارتكبوها في أماكن أخرى، وحتى إن لم يكن المتهم أو الضحايا من مواطني الدولة.
سوريا ليست دولة عضواً أو مُصدِّقة على اتفاق روما
أهمية مثل هذه الملاحقات القضائية آخذة في الازدياد ضمن الجهود الدولية لمحاسبة الجناة المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سورية، لاسيما مع إغلاق كل المنافذ الأخرى وعلى رأسها رفض مجلس الأمن الدولي إحالة الجرائم في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية بحكم أنّ سوريا ليست دولة عضواً أو مُصدِّقة على اتفاق روما المنشأ لمحكمة الجنايات الدولية.
في الحقيقة بدأ تفعيل هذا المبدأ في ألمانيا والسويد والآن في فرنسا، وفي تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش تذكر أنه إلى أن في كل من ألمانيا والسويد عناصر عديدة متوفرة تسمح بإجراء التحقيقات والملاحقات القضائية على الجرائم الفظيعة في سوريا؛ والأهم بينها توفر أطر قانونية متكاملة، ووحدات متخصصة جيدة الأداء معنية بجرائم الحرب، وتجارب سابقة في الملاحقات القضائية في هذا الصنف من الجرائم.
وبسبب أعداد طالبي اللجوء واللاجئين السوريين الكبيرة في أوروبا، فإن الضحايا والشهود الذين لم يكونوا متوفرين للمحاكم من قبل، فضلا عن بعض الأدلة المادية بل وحتى بعض المشتبه بهم، قد أصبحوا في متناول يد السلطات. بصفتهما أكبر مستَقَرَّين لطالبي اللجوء السوريين في أوروبا، كانت ألمانيا والسويد أول دولتين يُحاكَم فيهما أفراد على جرائم دولية خطيرة في سوريا ويُدانون.
لكن هناك تحديات من نوع آخر ،إذ لا يمكن اعتبار هذه المذكرات كبديل عن إنشاء محكمة دولية خاصة تحاكم مجرمي الحرب في سورية وعلى رأسهم بشار الأسد المسؤول السياسي الأول عن ارتكاب كل هذه الفظائع في سوريا، ولذلك يجب اعتبار هذه المذكرات القضائية كخطوة على الطريق الصحيح.
هذه المذكرات تحقق الحد الأدنى من العدالة للضحايا السوريين
إن هذه المذكرات تحقق الحد الأدنى من العدالة للضحايا السوريين ويكفي أن نذكر ما ذكره عبيدة الذي رفع الدعوى في حوار له مع تلفزيون سوريا، حيث سرد عبيدة تفاصيل عملية الاعتقال، حيث قال إنه في يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2013، جاءت دورية تابعة للنظام إلى منزل العائلة في حي المزة الدمشقي واعتقلت عبد القادر، ابن شقيقه، وأبلغت العائلة أنّها سوف تأخذه من أجل "دردشة بسيطة" وأنّه سوف يخرج بعد يومين فقط. في اليوم التالي لم يخرج عبدالقادر، بل جاءت الدورية نفسها واعتقلت والده مازن دباغ، بحجّة أنّه "لم يعرف أن يربّي ابنه"، وفي طريقها اعتقلت مدنيين آخرين من حي المزة.
وقال إن "النظام لم يعلن عن مصيرهما بشكل رسمي، ولم يسلّمنا أي شهادات وفاة، بل نحن عرفنا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك قوائم بنحو 8 آلاف معتقل قُتلوا في أفرع الأمن السورية، وبعد أن سألنا من خلال معارفنا بدمشق علمنا أن مازن وابنه كانا من ضمن المتوفين".
ومع إصدار سجلات النفوس السورية إخطارات وفاة لعدد كبير من الأشخاص المختفين قسرياً، تلقت عائلة الدباغ في يوليو/ تموز 2018 إخطاراً رسمياً بوفاة باتريك عبدالقادر (دبّاغ) ووالده مازن دباغ. ووفقاً للوثائق التي تلقتها عائلة دباغ، فقد توفي باتريك عبدالقادر في 21 يناير/كانون الثاني 2014، بعد فترة وجيزة من اعتقاله، فيما توفي والده مازن بعد نحو أربع سنوات، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
الرحمة لروح الصديق العزيز مازن دباغ الذي عرفته من أيامي في دمشق وخلال نشاطه في معارض الكتب، وآمل أن تكون هذه الخطوة بداية على طريق العدالة الطويل في سوريا.