الرئيسة \  تقارير  \  الولايات المتّحدة وجهود إحياء نظام الأسد

الولايات المتّحدة وجهود إحياء نظام الأسد

18.10.2021
علي حسين باكير


علي حسين باكير
عربي 21
الاحد 17-10-2021
نشرت مجلة نيوزويك الأمريكية الأسبوع المنصرم مقالاً رئيسياً للغلاف تحت عنوان "بشار الأسد يعود إلى المسروح العالمي.. هزيمة للولايات المتّحدة وانتصار لأعدائها". المقال كتبه توم أو كونور ويقول فيه إنّ بشار الأسد لم يكتف بالصمود والبقاء بعد أن تحوّل إلى منبوذ على الساحة الدولة لحوالي عقد من الزمان، وإنما يبدو مستعداً للعودة بقوة إلى المسرح الدولي.
يشير توم إلى أنّ الأسد يقف قوياً على ركام دولة محطمة لديها القليل من الخيارات البديلة للقيادة. وبمساعدة الحليفين القدامى إيران وروسيا، تمكن الأسد من استعادة جزء كبير من سوريا من أيدي المتمردين والجهاديين الذين حاولوا الإطاحة به. الآن، وإدراكًا للواقع، بدأت العديد من الدول التي قطعت علاقاتها بالأسد قبل ١٠ سنوات ترحّب بعودته من جديد وذلك على الرغم من معارضة الولايات المتّحدة الأمريكية لحكمه.
هذا المقطع يشير الى حجم المغالطات الرهيبة التي يتمّ تسويقها في الإعلام الغربي (العالمي) عن سوريا وما آلت إليه الثورة السورية. صناعة "رواية الثورة السورية" لما جرى ويجري هناك منذ ما يزيد على الـ١٠ سنوات هي جزء من الخدمات الجليلة والعظيمة التي قدّمتها الولايات المتّحدة والدول الغربية لنظام الأسد وحلفائه. فلا الأسد قوي، ولا الجهاديون هم من قرروا الإطاحة به، ولا الفضل الأكبر في بقائه يعود إلى روسيا وإيران، ولا الولايات المتّحدة تعارض بقاءه بشكل حقيقي، ولا حلفاء واشنطن يطبّعون معه ذاتياً رغماً عن إرادة الولايات المتّحدة ودون علم أو معرفة أو حتى ضوء أخضر منها.
آن الأوان لكي يتم حذف هذه البروبغندا الأمريكية في سلة المهملات. كتابة التاريخ مسؤولية، والحفاظ على الحقائق وعلى السيرة الصحيحة لما جرى في سوريا مسؤولية أكبر خاصّة إذا ما أراد السوريون إبقاء الأمل بالتغيير قائماً لديهم. إدارة أوباما السابقة لها الفضل الأكبر في بقاء نظام الأسد حتى الساعة. صحيح أنّ إيران تدّخلت عسكرياً منذ اليوم الأوّل للثورة في محاولة للدفاع عن حليفها، لكنّها اضطرت هي الأخرى إلى طلب المساعدة من روسيا عندما كان الأسد قاب قوسين أو أدنى من السقوط. ولا أعتقد أنّ هناك من نسي تصريحات لافروف حول خشية موسكو من إقامة نظام يحكم باسم أغلبية السوريين (أي السنّة).
لكنّ الذي سمح لإيران بإرسال الآلاف من المرتزقة الموالين للحرس الثوري الإيراني علاوةً على جنودها إلى سوريا، وأمّن لها الحصانة من الملاحقّة، وقوّض جهود المنتفضين فضلاً عن الدول المنافسة لإيران في سوريا، هو الرئيس الأمريكي باراك أوباما وليس أي أحد آخر. أوباما كان يريد التوصل إلى الاتفاق النووي مع طهران وتحقيق إرثه العظيم الذي لم يسبقه إليه أحد مهما كان الثمن. لقد قدّم سوريا كواحدة من القرابين الرئيسية على مذبح الاتفاق النووي.
لم يكتف أوباما بذلك، بل منع كل جهد حقيقي لمعاقبة الأسد على خرقه كل الخطوط الحمر بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية وحتى خرق الاتفاق الكيماوي الذي تمّ مع إدارته برعاية روسيا. أوباما كان العائق الرئيسي أمام أي دعم حقيقي للثوّار، وتسببت سياسته بالسماح للأسد بخلق البيئة المناسبة لإنشاء وإنتشار التطرف والإرهاب، وقد قامت إدارته بتوظيف هذه النتيجة في تطوير تعاون مع دول مثل إيران وروسيا بحجّة محاربة الإرهاب، وإرغام أخرى كدول الخليج على الانخراط في هذا التحالف وتناسي موضوع الأسد وإيران. وبذلك نجح أوباما في تحويل الموضوع من ثورة ضد الأسد والنفوذ الإيراني إلى تحالف مع هذه الأطراف والأطراف الموالية لها في حرب ضد الإرهاب.
قبيل فترة وجيزة طُرح مشروع لنقل الغاز من مصر إلى الأردن ومنه إلى سوريا وصولاً إلى لبنان. من الواضح أنّ المشروع جاء بناءً على مبادرة أمريكية بالأساس لأنّه من غير الممكن تفعيله عبر نظام الأسد من دون موافقة أمريكية في ظل العقوبات الموجودة.
 ولضمان عرقلة اللاعب الأكبر والأكثر قدرة على التأثير في مصير الأسد في المنطقة، قامت إدارة أوباما بالتحالف مع ميليشيات (واي بي جي) الكردية ضد تركيا، ودعت عملياً روسيا إلى ملء الفراغ في سوريا. وتحوّلت سوريا بذلك إلى إرث دموي لإدارة أوباما. فموقف إيران وروسيا في نهاية المطاف مفهوم لناحية دعم حليفهم الأسد، لكنّ إدارة أوباما ضحت بسوريا للتقارب من إيران وإيجاد مجالات عمل مشتركة مع روسيا، وتقويض دور تركيا.
لا تختلف أولويات إدارة بايدن الحالية كثيراً عن أوباما. إيران مرّة أخرى في دائرة الاهتمام، والتقارب معها يفترض تقديم المزيد من القرابين تماماً كما فعل أوباما. خلال أقل من عام على قدومها إلى البيت الأبيض، قدمّت إدارة بايدن جملة من التنازلات على شكل قرارات أو على شكل تسويات أو على شكل غض نظر. ومن الواضح أنّ هذه التنازلات ضخّت الروح من جديد في دور إيران الإقليمي ودور أذرعها في لبنان وسوريا والعراق واليمن بعد فترة قصيرة من التراجع نهاية عهد ترامب نتيجة سياسة الضغط القصوى التي مارسها.
التصريحات الإيرانية الرافضة لإستئناف المفاوضات تشير إلى أنّ هذه التنازلات ليست كافية. ولإبداء المرونة اللازمة، لم تعترض إدارة بايدن على انفتاح الدول العربية على نظام الأسد، وتحاول تسويق هذه الجهود على أنّها جهود فردية نابعة من حسابات ذاتية لا علاقة للولايات المتّحدة بها. بدورها، تقوم الدول العربية بتسويق خطاب آخر مفاده أنّ الانفتاح على نظام الأسد هو للحد من نفوذ طهران وتأثيرها عليه. كلا الخطابين مخادعان ويستخدمان كذريعة لتبرير الانفتاح على نظام الأسد.
الحقيقة أنّ هذه الدول تدور في الفلك الأمريكي، فإذا كان هناك إيمان حقيقي بقانون قيصر، وإذا كانت الإدارة جادة في تطبيقه وفي رفضها عودة نظام الأسد، فمن السهل جداً اتخاذ إجراءات تحول دون ذلك. في نهاية المطاف، الإدارات الأمريكية المتعاقبة اتخذت عقوبات بحق حلفاء لها في الناتو وشركاء تاريخيين كتركيا عندما أرادت عرقلة جهود أنقرة لتطوير سياسة خارجية ودفاعية أكثر استقلالية، ولذلك فهي أكثر من قادرة على اتخاذ خطوات بشأن الدول التي من المفترض أنّها تخالف مصالحها وتوجّهاتها في سوريا.
قبيل فترة وجيزة طُرح مشروع لنقل الغاز من مصر إلى الأردن ومنه إلى سوريا وصولاً إلى لبنان. من الواضح أنّ المشروع جاء بناءً على مبادرة أمريكية بالأساس لأنّه من غير الممكن تفعيله عبر نظام الأسد من دون موافقة أمريكية في ظل العقوبات الموجودة. المشروع بمثابة نقلة نوعية من التطبيع مع الأسد وكان له دور في تحفيز دول مثل الأردن على الانفتاح على الأسد. يقع المشروع في صلب التخادم مع إيران وإن تمّ الترويج له بخلاف ذلك.
سيتيح هذا المشروع تمويل عودة الأسد وتهيئة الأجواء للتطبيع الإقليمي معه من بوابة الاقتصاد والطاقة، وسيساعد ذلك على تخفيف التزامات التمويل الإيرانية للأسد وحلفائه من خلال الاعتماد على شركاء آخرين من الدول العربية. فضلاً عن ذلك، سيفتح المشروع بوابة للتطبيع مع إسرائيل، التي تبيع الغاز بدورها إلى مصر!
من الواضح أنّ مشروع نقل الغاز الذي يتم الترويج له هو بمثابة نقلة نوعية من التطبيع مع الأسد عبر البوابة التقنية. وقد حفّزت هذه الخطوة من دون شك دولا مثل الأردن على الانفتاح على الأسد كجزء من محاولات إنقاذ الوضع الاقتصادي الداخلي. لكن الدول الأخرى مثل الدول الخليجية ليست في وضع حرج اقتصادياً، وليس لانفتاحها على الأسد أي علاقة بالوضع الاقتصادي. فإذا افترضنا جدلاً أنّ واشنطن غضّت الطرف عن قرار الأردن بسبب وضعه الداخلي، فما هي المبررات المتعلقة بالآخرين؟
خلاصة القول، أن واشنطن تريد أن تعود إلى اللعبة ذاتها، وحضورها من بوابة التطبيع عبر الآخرين يحقق لها موطئ قدم أكبر دون أن تكون في الواجهة، ويؤمن لها في نفس الوقت تحقيق تسويات مع إيران وروسيا من خلال تقديم تنازلات على شكل انفتاح عربي على نظام الأسد وتسهيل للعقوبات المفروضة، بانتظار ردود الفعل والخطوة التالية ليبنى على الشيء مقتضاه.