الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الواقع الراهن لفلسطينيي سورية

الواقع الراهن لفلسطينيي سورية

20.01.2018
علي بدوان


الحياة
الخميس 18/1/2018
أدّت سنوات المحنة السورية الدامية إلى وقوع دمار كبير في عموم المخيمات والتجمعات الفسطينية فوق الأرض السورية، وقد طاول الدمار الكامل والتام، فضلاً عن التهجير، كلاً من : مخيم درعا، ومخيم الطوارىء في درعا، ومخيم حندرات في حلب، ومخيم سبينة في ريف دمشق الجنوبي. وطاول الدمار الكامل بعض المُربعات في مخيم اليرموك، خصوصاً مداخله، فضلاً عن تهجير غالبية سكانه ومواطنيه الذين كانوا يشكّلون الكتلة المُجتمعية الأكبر لفلسطينيي سورية وبواقع نحو ربع مليون فلسطيني. فيما وقعت مخيمات عدة تحت نيران الأزمة وعانت الكثير من مُستتبعاتها: مخيم خان الشيح في ريف دمشق الغربي ومخيم الرمدان في ريف دمشق الشمالي الشرقي. مخيم خان دنون في أقصى ريف دمشق الجنوبي. مخيم النيرب جنوب شرقي مدينة حلب. مخيم الحسينية. مخيم قبر الست في ريف دمشق الجنوبي الغربي (ونُشير هنا إلى حادثة انفجار سيارة مفخخة في المخيم المذكور يوم الثاني والعشرين من شباط(فبراير) 2016، وقد أدّت إلى سقوط أكثر من مئة شهيد من أبناء المخيم، فكان التفجير الأعنف الذي نال من أبناء فلسطين على أرض سورية). فيما بقيت مخيمات: الرمل في اللاذقية، والعائدون في حماة، والوليد في حمص، وجرمانا، الأقل تضرراً، وشهدت بالمقابل هجرة عالية من أبنائها، وبخاصة أجيال الشبان نحو خارج سورية.
لقد تعرض المجتمع الفلسطيني في سورية طوال السنوات الأخيرة التي سبقت محنته لعدد من الأزمات الطارئة التي أصابت صميم بنيته الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، والتي باتت تشكل حالة شبه مستعصية في ظل تراجع العوامل الإيجابية التي كانت قفزت بحياة الناس وأوضاعهم على كل الصعد والمجالات خلال العقود الماضية من عمر اللجوء الفلسطيني إلى سورية.
فقد تعرض مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سورية لهزات وخضات ملحوظة، ولتوالد العديد من الظواهر السلبية المختلفة خلال العقدين الأخيرين، والتي استبطنت في دواخله، وقد بانت مخرجاتها واضحة خلال الأزمة السورية الداخلية والتي أصابت مفاعيلها، وبالصميم لاجئي فلسطين في سورية.
وكما تشير المعطيات المتوافرة، من الجهات الرسمية المختلفة، كوكالة "غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين"(UNRWA)، والهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سورية، وحتى منظمة التحرير الفلسطينية، فإن واقع المجتمع المحلي لعموم اللاجئين الفلسطينيين في سورية، بات واقعاً تحت أزمات مختلفة، نحددها بالتالي: أولاً، تفاقم ظاهرة التهميش، بكل المستويات والأبعاد، وتراجع الفرص بما فيها فرص العمل، وخصوصاً العمل المهني العالي، مقابل تزايد أعداد حاملي شهادات التعليم العالي الذين اضطرت غالبيتهم إلى الهجرة نحو البلاد البعيدة. فتلك الظاهرة (التهميش) جرّت ومازالت تجر كوارث متتالية. وبالطبع فإن مرد ذلك لا يعود للناس وحدهم بل لمستجدات وشروط الحياة والمعيشة والعوامل التي تتحكم بمسارات الدورة الاقتصادية، وجودة الحياة والتعليم والصحة...الخ.
ثانياً، ظاهرة التراجع في مستويات الحياة، وبخاصة في الجانب الاقتصادي منها، وهو أمر تعاضد في شكل كبير مع حالة التهميش التي حوّلت المخيم الفلسطيني باتجاه معادلة (أرياف ومدن) في الدول العالمثالثية، في تجمع سكاني كمخيم اليرموك على سبيل المثال، يتميّز بكونه مجتمعاً فتياً، ترتفع فيه نسبة من هم دون السادسة عشرة من العمر، لتشكّل نحو 65 في المئة من نسبة السكان
ثالثاً، بروز ظاهرة التمزق الاجتماعي، وهو التمزق الناتج أساساً من حالة التهميش المتزايدة، وتزايد الفاقه، والفقر، والعوز، وقد تفاقمت تلك الظاهرة مع محنة مخيم اليرموك وغيره، وتشتت الناس، وبحثهم عن الخلاص الفردي والأسري عبر بوابات الهجرة إلى أصقاع المعمورة الأربعة، خصوصاً مع قلة الخيارات وغياب الجهات الفلسطينية المعنية بالمتابعة الجدية لأحوال الناس. إن تلك الهجرة تزايدت في الفترات الأخيرة حتى بات نحو نصف لاجئي فلسطين في سورية في مغتربات جديدة تمتد من غرب أوروبا إلى كندا وأستراليا ونيوزلندا.
رابعاً، تفاقم ظاهرة غياب النخب بين لاجئي فلسطين في سورية، بسبب من الهجرة القسرية لعدد واسع منها، واعتكاف ما تبقى منها عن المساهمة بالعمل المجتمعي العام على المستويات المختلفة لأسباب متعددة لها علاقة بتعقيدات الوضع السوري وحالة الارتباك الفلسطيني، وقد تعزز هذا الاستنكاف والاعتكاف مع التقصير الحاد في أدوار مختلف القوى والفصائل والمؤسسات الفلسطينية الموجودة فوق الأرض السورية مع استثناءات محدودة.
خامساً، تزايد غياب فصائل العمل الوطني الفلسطيني عن حياة الناس، وتزايد تراجع تلك الفصائل يوماً بعد يوم، وطغيان حالة الإهمال التي تنتهجها تلك الفصائل للمجتمع الفلسطيني اللاجىء، بعد أن استنفدت تلك الفصائل ما كانت تريده من هذا المجتمع إبان المرحلة الماضية. فبات عدد من الفصائل لايرى أهمية لوجوده بين فلسطينيي سورية (داخل أطره وهيئاته التنظيمية) سوى تأكيد الحضور التمثيلي بمكتب وشخص متفرغ لا أكثر ولا أقل في كل مخيم أو تجمع فلسطيني، ومع شطب شعارات التحوّل إلى منظمات وقوى وأحزاب جماهيرية كما كانت تطرح تلك الفصائل. وهنا علينا أن ننصف الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية بدمشق، التي سعت دوماً إلى تخفيف معاناة الناس، والسعي الدؤوب إلى حل العديد من المشاكل العالقة بالاتصال المباشر مع الجهات الرسمية السورية، والتنسيق معها على صعيد مايتعلق بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سورية عموماً.
سادساً، توالد جديد لظاهرة التسرب من التعليم، بما في ذلك في المرحلة التعليمية الأولى (الابتدائية) بعد أن وصلت الأميّه إلى حالة شبه معدومة في الوسط الفلسطيني في سورية. وقد زادت نسب تلك الظاهرة بعد الشتات الجديد لغالبية فلسطيني سورية، ومنهم فلسطينيو مخيم اليرموك، على رغم قيام وكالة الأونروا بافتتاح عشرات المدارس البديلة للاجئين الفلسطينيين الذين اضطروا للخروج من المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية، والتي طاولتها نيران الأزمة
سابعاً، الأزمة السورية ذاتها، التي ساعدت بإحدات شروخ معينة في الحالة الفلسطينية على مستوياتها المختلفة، وبان من خلالها سوء التقديرات لدى مختلف القوى والفصائل الفلسطينية.
قصارى القول، إن نكبة فلسطيني سورية خلال السنوات الأخيرة، كانت ومازالت أقسى من نكبة عام 1948، حيث اتساع قوس التشرّد والشتات، واستهداف وجودهم في سورية لدفعهم نحو الهجرات القسرية الجديدة إلى مختلف أصقاع المعمورة، وبالتالي شطب حق العودة، وهو الحق الذي يشكل العنوان الأبرز للقضية الوطنية للشعب العربي الفلسطيني، والذي يشكل أيضاً العقبة الكأداء في وجه مشاريع التصفية السياسية والمادية للحقوق الوطنية والتاريخية للاجئي فلسطين على أرض وطنهم التاريخي في حيفا ويافا وعكا وصفد واللد والرملة.
ومع هذا، إن تلك الهجرة الخارجية القسرية التي أملتها ظروف الأزمة المستعرة في سورية، لن تنسيهم حقهم في وطنهم الأبدي فلسطين، فالخيمة في داخلهم، تلك التي انتصبت في نكبة 1948، ورحلت معهم إلى كل جهات الأرض. أقسمت أن تبقى معهم، تقيهم في كل موسم ريح السموم وفي الوحدة صقيع الغربة. وهم عاهدوها أن تظل فيهم، تظلل أجسادهم، تقي أرواحهم من حر النيران الملتهبة إلى أن يعودوا، وها هو مفتاح البيت معهم مهما ابتعد عنهم البيت. سيظل الجد يحكي للحفيد عن عكا التي لولا صمودها لما جاورت البحر، عن حيفا التي لا تنام إلا على هديره، ويافا التي ظلت عروسه مهما جفّ وعطش. لن يكفّ الابن عن الرحيل من غربة إلى غربة وعن سؤال أبيه يا أبي "لماذا تركت الحصان وحيداً"؟