الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الواقعي والممكن والمُتَوَقَّع

الواقعي والممكن والمُتَوَقَّع

30.11.2016
د. يحيى العريضي


 كلنا شركاء
الثلاثاء 29/11/2016
يوماً بعد يوم, يثبت دونالد ترامب انه لاعب خطير في عالم السياسة. لقد بنى جزءاً من حملته الانتخابية على مهاجمة المؤسسة السياسية التقليدية الواشنطنية؛ ومع مرور الأيام نجد الشخص ذاته يستند في تكوين خطواته السياسية القادمة على تلك المؤسسة السياسية ذاتها التي قال فيها مالم يقله مالك في الخمرة وخاصة عندما نتمعن بمواصفات وشخصيات آولئك الذين يختارهم لحمل وترجمة سياساته وخاصة الخارجية منها.
تكمن براعة الرجل في جزء منها بالانسحاب البارع من بعض المواقف التي أفادته في حملته الانتخابية – والتي ستكون مؤذية في وضعيته الرئاسية. تلك الانسحابات بدأت بطي محاكمة هيلاري كلنتون وصولاً إلى الحفاظ على حلف الناتو الذي أراد أن يدير له ظهره خلال حملته الانتخابية ولأسباب مادية خلال الحملة؛ مروراً بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران وتعديل ذلك باستخدامه ذاته أداة لاحتواء ايران.
ما يهمنا على أي حال هو جوهر سياسات هذا الرجل تجاه المسألة السورية وما يتعلق بها؛ وتحديداً روسيا و إيران اللتان تحتلان سورية بشكل أو آخر؛ وخاصة ان سوريا (جارة) لاسرائيل أحد أولويات أمريكا في الشرق الأوسط. لا يعتقد أحد بكامل قواه العقلية أن يبدأ ترامب رحلته السياسية بمواجهة عسكرية مع هاتين القوتين رغم ما يرتكبانه من جرائم حرب في سوريا. لا يخفى على ترامب ان روسيا تدخلت في سوريا تحت ذريعة محاربة داعش, بعد أن حرمها الأمريكيون المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة داعش لاحساسهم بان روسيا لن تحاربها طالما استفاد منها نظام الأسد الذي توليه أولية في مقاربة المسألة السورية. يعرف ترامب ان روسيا لا تقاتل داعش بل آولئك المعارضين للأسد. وهو أيضاً على بيّنة بأن أوباما أورث أمريكا كارثة أخلاقية وانسانية في سورية. ومن هنا لا يمكنه أن يكون نسخة من أوباما, ولا استمراراً لتلك الكارثة – لانه هو ذاته من وصفها بذلك. فهل نراه يضع بعض التزينات على تلك السياسة وينهجها أم إنه سيختط لنفسه نهجاً مختلفاً تماماً؟!
لا نرجم بالغيب بل نستند إلى بعض ملامح خطواته خلال حملته الانتخابية وبعض اجراءات تشكيل طاقمه في السياسة الخارجية. واضح على السطح حتى الآن طرحه شراكة مع روسيا في محاربة داعش ( وهي أولوية بالنسبة له – كما جاء في تصريحاته ). ذلك يتضمن افتراضياً شراكة مع إيران أيضاً. إن حدث ذلك, فالقراءة الوحيدة هي انه سيكون شريكاً في جرائم الحرب التي ارتكبها و يرتكبها هؤلاء. وسيكون شريكاً بما سمّاه الغرب “الحرب الأهلية” في سوريا إن هو اقترب من الأسد. إضافة إلى ذلك, سيكون مشرعناً للميليشيات الإيرانية المستأجرة للقتل في سورية. أما الأخطر فسيكون هكذا موقف عدوانياً تجاه حلف الناتو و آخرين اعتبروا ما تفعله روسيا و إيران أعمالاً عدوانية إجرامية تجاه سوريا و أهلها … وعملاً يلغي مبدأ المحاسبة على ارتكاب جرائم الحرب وتخلياً عن المسؤولية الأخلاقية التي حملتها أمريكا على أكتافها تاريخياً.
السؤال: هل يتمكن ترامب أن يخوض في هكذا جحيم عندما يكون المستفيد الأساس من هكذا سياسات – ليس أعداء سوريا والسوريين بل – أعداء أمريكا وحلفائها. ألن يكون ذلك الأداة القاتلة لذلك المبدأ (عودة عظمة أمريكا ) الذي بنى ترامب حملته الرئاسية عليها وحولها؟! ألن يكون ذلك الوصفة الأنجح لفشل ترامب وسيرته؟!
والوضع هكذا؛ أي مخرج أمام ترامب؟ ليس من قبيل التفكير الأمنياتي, ولا المصلحة الذاتية, وانما بحكم الواقعية السياسية والحقائق العنيدة التي تفقأ العيون, ما من مخرج أمام ترامب إلا عملاً عسكرياً محسوباً مسبوقاً بتحذيرات صريحة للجهات المعنية المنخرطة في المأساة السورية؛ فترامب سيصل إلى حالة اليقين عاجلاً أم آجلاً بان القضاء على داعش هو الاستراتيجية الصح. سرعان ما ستتضح مسألتان إثر تنفيذ هكذا استراتيجياً: إنهاء داعش سيكون إضعافاً ملحوضاً وربما شللاً لاولئك الذين اعتاشوا على جعلها ذريعة لاجرامهم – وعلى رأس هؤلاء نظام الأسد. والثاني إفقاد المصداقية لكل من بوتين والخامينيئي وفضحهما عالمياً كمحتلين وتوسعيين؛ والثالث بان ذلك يعفي ترامب من أي مواجه معهما – وهو لا يتطلبها أساساً؛ فهما بهذه الحالة سيخسران شريكاً غير معلن لتبرير اجرامهما. أما الخاسر الأساس فسيكون نظام الأسد.
إضافة إلى ذلك، لا بد وأن فرق ترامب، بوضعه إيرات تحت المجهر،يدرك تماماً تضارب المصالح الروسية-الإيرلنية في سوريا حيث يراها الروس ورقة ثمينة للمصافقة على ملفاتهم الثقيلة المفتوحة في أوكرانيا وغيرها. رغم ان الايرانيين قد يكونوا أقل ميلاً للمصافقة بهذا الاتجاه إلا أن لحظة افتراقهما لا بد آتية حال قدوم أي استحقاق سياسي جاد لسوريا. هنا سيكون الطرفان/الايراني والروسي/ في حالة تزاحم؛ وستجد إيران نفسها أقل قدرة على دفع الثمن المطلوب، والأوراق بيدها –باستثناء العراق أقل ، والعين الدولية حمراء تجاهها. رغم ان الأمر ذاته ينطبق على بوتين إلا أن أمريكا إذا وُضعت امام خيار التفضيل، ستقرب بوتين وتختاره أولاً. ومن هنا لا بد لذلك الفراق الروسي الإيراني ان يحدث؛ وخاصة إن أضفنا إليه العامل التركي المحبذ للروسي بناء على الحميمية النامية وعلى التناقض الشرس بين تركيا وإيران. كل ذلك بشكل أو آخر يصب في مصلحة ترامب وفريقه
أخيراً على السوريين ومن يدعمهم من قوى عربية و أجنبية أن يقابلوا ترامب في متنصف الطريق أو ما بعده حتى. زد على ذلك انه عليهم الترحيب بالقادم الجديد إلى الأمم المتحدة كأمين عام السيد”غوميروس” الذي يعرف عن البلاء السوري أكثر من أي مسؤول دولي, والذي قال في مجلس خاص ان وراء سعيه لهذا المنصب أكثر من أي شيء آخر لم يكن إلا المأساة السورية.
صحيح أن الحقائق مخاليق عنيدة, لكن الواقعية السياسية سر ومفتاح النجاح فإذا ما أراد السوريون عودتهم وبلدهم إلى الحياة لا بد من تشجيع ترامب واقعياً وينتظروا الشرخ الروسي الإيراني، والوقوف إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة؛ وبالطبع لابد لصبرهم وارادتهم وعملهم أن يكونوا فوق كل اعتبار.