الرئيسة \  واحة اللقاء  \  النظام يرفض توقيع الاتفاقيات الاقتصادية مع روسيا: هل يفرض الأسد معركة إدلب؟ 

النظام يرفض توقيع الاتفاقيات الاقتصادية مع روسيا: هل يفرض الأسد معركة إدلب؟ 

14.09.2020
منهل باريش



القدس العربي 
الاحد 13/9/2020 
غاب وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو عن لائحة الوفد الرفيع الذي زار دمشق هذا الأسبوع، وهو المسؤول الأكثر زيارة لدمشق منذ تدخل روسيا إلى جانب النظام نهاية أيلول (سبتمبر)2015. وحضرت الاتفاقيات الاقتصادية التي تعزز الوجود الروسي في منابع الطاقة السورية في شرق سوريا وفي مياهها الإقليمية، حيث ستبدأ شركات الغاز الروسية بعمليات التنقيب واستخراج الغاز من أمام قاعدتها البحرية في طرطوس، والميناء البحري الذي سيطرت عليه، وشغلته شركة  “اس تي جي الهندسية” بعد أن حصلت على عقد تشغيله لمدة 49 عاما. وهي إحدى الشركات التابعة  للملياردير الروسي وصديق طفولة بوتين، غينادي نيكولافييتش تيموشينكو، مالك  شركة “ستروي ترانس غاز” التي استحوذت على عقود حماية منشآت الغاز والفوسفات في سوريا، وشرعت، بالفعل، بعمليات الإنتاج والنقل والتصدير. 
وكان الملف السوري اخرج من يد قائد الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف وأوكل إلى وزارة الدفاع بشكل نهائي، حتى قبل التدخل الروسي في سوريا خريف عام 2015. حيث انقطع لافروف عن زيارة دمشق قبل أقل من عام على انطلاق الثورة السورية، بالتحديد، منذ شباط (فبراير) 2012. وهو ما يشير إلى أن رؤية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين المبكرة للوضع في سوريا، بُنيت على استراتيجية عسكرية لفرض الحل السياسي على الطريق الروسية. 
وتشير تصريحات المسؤولين الروس، نائب رئيس الوزراء يوري بوريسوف، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، إلى أن هدف الزيارة هو اقتصادي، وأشار بوريسوف إلى أن بلاده “سلمت دمشق في تموز (يوليو) الماضي مشروعا روسياً حول توسيع التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين” وأوضح أن الاتفاقية الجديدة بين روسيا وسوريا، تشمل “أكثر من أربعين مشروعاً جديداً في مجال إعادة إعمار قطاع الطاقة وعددا من محطات الطاقة الكهرومائية واستخراج النفط من البحر”. ولفت نائب رئيس الوزراء الروسي إلى أنه “وقع عقد عمل لشركة روسية للتنقيب واستخراج النفط والغاز قبالة الشواطئ السورية” وأعرب عن أمله في “توقيع اتفاقية تجارية مع الحكومة السورية خلال زيارته التالية  في كانون الأول (ديسمبر) المقبل”. 
ما يوضح أن خلافا حصل بين الجانبين أجل التوقيع على 40 اتفاقية تجارية، وفي حال قدمت روسيا المقترح قبل شهرين، فهذا يعني أن اللجان الفنية المختصة السورية قد أنهت دراسة المقترحات الروسية ووافقت عليها، وأن الزيارة هي للتوقيع فقط. وهنا تبقى الحلقة المفقودة فيما حصل، وتحتاج إلى ترقب ردة الفعل الروسية، لتبيان حقيقة الخلاف الحاصل. 
ويحسم تصريح لافروف، الجدل حول حصول خلاف في الرؤية السياسية للنظام وروسيا، فقد شدد على تمسكه بمسار أستانا ووصفه انه “تبلور عندما امتنعت الأمم المتحدة عن اتخاذ خطوات ملموسة بالملف السوري”. وثمن التعاون مع تركيا، حيث “تم التوصل لاتفاقات أهمها الفصل بين المعارضة المعتدلة والمتطرفين وتأمين طريق M4”. ونوه إلى “اتساع مساحة سيطرة الحكومة السورية على أراض جديدة بشكل ملحوظ، بعد توقيع الاتفاقية الروسية التركية”. 
وحول مستقبل العملية السياسية، شدد لافروف على أن “موضوع الانتخابات الرئاسية هو قرار سيادي للجمهورية العربية السورية، وطالما لم يتم التوصل إلى دستور جديد أو تعديل للدستور الحالي، فإن سوريا ستستمر وفق الدستور القائم، مؤكداً استحالة وضع أي جدول زمني لعمل اللجنة الدستورية”. ويتطابق ذلك مع ما يسعى إليه النظام، الذي يدرك أن اللجنة الدستورية هي مجرد محاولة شراء للوقت وإغراق المعارضة بالتفاصيل. 
ويرجح أن الخلاف بين النظام السوري وروسيا، يتعلق بمكان العملية العسكرية المقبلة، فمن الواضح أن روسيا تريد، أولا، تكثيف جهودها العسكرية في شرق سوريا والعمل على تأمين حقول النفط والغاز من هجمات تنظيم “الدولة الإسلامية” المتكررة والمتزايدة بشكل لافت خلال الشهرين الأخيرين، وتعزيز وجودها في شرق الفرات وخصوصا منابع النفط التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في منطقة النفوذ الأمريكية شرق نهر الفرات. حيث عكفت على توقيع اتفاقية إصلاح حقول النفط واستخراجه مع شركة “دلتا كريسنت للطاقة” الأمريكية. وهو ما يثير جنون روسيا التي خسرت بذلك أكبر حقول النفط والغاز السورية. حيث يعد حقل العمر أكبر حقول النفط في مناطق سيطرة “قسد” يليه حقل التنك، وحقل كونيكو، أكبر حقول الغاز السورية. وكذلك، ستقدم واشنطن مصفاتي تكرير نفطي، تكرران ربع إنتاج منطقة النفوذ الأمريكي وهو ما يكفي السوق المحلية حسب التقديرات الأمريكية. فيما احتفظت روسيا بالسيطرة على الحقول الصغيرة المتناثرة في منطقة حمص وريفي الرقة ودير الزور الجنوبيين، على يمين نهر الفرات، في منطقة الشامية. 
وأعلنت روسيا، عبر مركز حميميم العسكري، عن عملية “الصحراء البيضاء” ضد الجماعات المرتبطة بأمريكا. وجاء الإعلان بمثابة رد على مقتل الجنرال الروسي، اللواء فياتشيسلاف جلادكيخ، القائد السابق للفرقة 36 والذي قتل بتفجير لغم، ومعه قائد قوات الدفاع الوطني في الميادين، محمد تيسير الظاهر، وأربعة آخرين، في محيط حقل التيم النفطي، وأعلن  تنظيم “الدولة الإسلامية”  مسؤوليته عن الهجوم. 
ويذكر أن الطيران الحربي الروسي نشط خلال الشهرين الماضيين في البادية السورية ضد أهداف لتنظيم “الدولة” حيث ارتفعت وتيرة الهجمات في باديتي الميادين والبوكمال وتحولت عمليات الإغارة على نقاط الميليشيات الإيرانية هناك، إلى عمليات شبه يومية، إضافة إلى قطع طريق تدمر – دير الزور بشكل مستمر. 
وتنذر الهجمات المتكررة إلى أن التنظيم بات شبه مسيطر على البادية السورية، الأمر الذي يهدد مصالح الحليف الثلاثي في محور النظام السوري، كل لمصلحته، فروسيا تريد تأمين منابع النفط والفوسفات والغاز، رغم صغرها، وإيران لا تفضل أن تخسر الطريق الذي فتحته بشق الأنفس بين طهران ودمشق، مرورا ببغداد. 
ويأتي توسع نشاط التنظيم في مرحلة صعبة على تلك الأطراف، خصوصا الروس والإيرانيين، فهما يفضلان تكريس جهدهما العسكري في منطقة النفوذ الأمريكية والمشاغبة قرب قواعدها بهدف دفعها إلى مغادرة سوريا في نهاية المطاف. 
إلا أن تركيز الجهود في شرق نهر الفرات، في منطقة الجزيرة يحتاج إلى تأمين البادية السورية، حيث تنشط “خلايا داعش” من بادية السويداء جنوبا إلى ريف دمشق وصولا إلى بادية الرقة وإلى بادية البوكمال والصحراء العراقية. حيث عاد التنظيم إلى الهجوم على مقرات الجيش والحشد في كامل صحراء الأنبار، إضافة إلى بسطه سيطرة ليلية في عدة مناطق في العراق وسوريا. ويُصَعب تواجد التنظيم على شكل خلايا متفرقة هنا وهناك، مهمة الأطراف التي تريد القضاء عليه. فتحرك الخلايا وتكتيك هجماتها، لا يساعد قوات حلف النظام على طلب المؤازرات البرية، فهي تحتاج عدة ساعات كي تصل إلى النقطة التي تم الهجوم عليها، ويكون مقاتلو التنظيم قد انهوا هجومهم وقتلوا من قتلوا، وأسروا من أسروا، وسيطروا على العتاد والذخائر ونقلوها إلى عمق البادية. وينطبق الأمر ذاته على الاستعانة بالطيران الروسي أو طيران النظام. فإنذار الاستغاثة يحتاج إلى وقت غير قصير حتى يصل إلى قاعدة حميميم الجوية، وتطير القاذفات الروسية وتصل إلى أهدافها في البادية. ولا يملك النظام وحلفاؤه إمكانية رصد محيط الحقول النفطية والمعسكرات بواسطة طائرات الدرون المسيرة عن بعد. فهي مكلفة للغاية ولكنها ذات فائدة في مناطق ضيقة ومحصورة كالجبهات القريبة، أما الجدوى الحقيقية من فاعليتها فتتراجع لنسبة لا تصل إلى 10 في المئة. ويضاف إلى أن طائرات الدرون هذه تحتاج إلى فريق تقني كبير يعمل عليها، وهذا غير ممكن لمراقبة سماء النقاط الإيرانية في دير الزر وحقول النفط والفوسفات التي تستثمرها روسيا في بادية حمص والرقة ودير الزور. 
أما النظام السوري، فيسعى إلى حسم ملف إدلب عسكريا، من خلال توتير الأجواء وخرق نظام وقف إطلاق النار وملحق اتفاق سوتشي، المعروف “اتفاق أنقرة” الذي وقع بين الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان في 5 آذار (مارس) الماضي. فهو يرى أن تركيا العدو الرئيسي له ويجب استعادة السيطرة على محافظة إدلب، وخلق واقع جديد، سياسيا وعسكريا، يجبر من خلاله تركيا على سحب قواتها من هناك. ويدرك النظام أن خسارة المعارضة لأجزاء جديدة من إدلب في عملية قضم مرتقبة، سينعكس إيجابا لصالحه في العملية السياسية، ويزيد في تشتت المعارضة وتفرقها، ودفعها إلى تقبل المزيد من الواقعية السياسية. 
وتشاطر إيران النظام السوري برغبة “القضم العسكري” في إدلب بهدف استعادة السيطرة على بلدتي الفوعة وكفريا الشيعتين، التي ساهم بتهجير أهلها، من مدنيين وعسكريين من الميليشيات التي تقاتل تحت لوائها. وتنهي طهران بذلك تشتتها العسكري في شمال غرب سوريا. فالسيطرة على الفوعة وكفريا مجددا سيؤمن لها خزانا بشريا لدعم أنشطتها الاجتماعية والثقافية في ريف حلب الجنوبي، القريب من البلدتين، ويركز جهدها العسكري في شرق سوريا لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” وأمريكا. 
 يبدو النظام السوري يربط منح مزيد من الاستثمارات لروسيا بموافقتها على القبول بعمليته العسكرية في إدلب. فالأسد لا يتعجل قتال التنظيم في البادية، بل يفضل إعادة ظهوره، بهدف رفعه شعار محاربة “داعش” مرة أخرى، وإشغال أمريكا والتحالف الدولي بقتاله مجددا. وفي هذا الوقت، يفضل الأسد شن عملية عسكرية في منطقة النفوذ التركي وبالتحديد في إدلب. بالمقابل، فان اشتراط الأسد ربما يخالف تصورات بوتين وأولوياته فيما يتعلق بالسيطرة على منابع النفط والغاز الكبرى. إضافة إلى أنه يعكر صفو علاقة الأخير مع اردوغان في حال البدء بهجوم جديد في إدلب. وبالتأكيد فإن التجربة الروسية في سوريا توضح أن هدفها استعادة “الحكومة السورية” السيطرة على كامل الأراضي السورية والحفاظ على وحدتها. لكنها تصطاد اللحظة السياسية المناسبة لبدء الهجوم. وهذا ما يرجح أن العملية العسكرية الروسية قد تتأخر لبدء الانتخابات الأمريكية. وبالتأكيد، ما من شيء يمنع انتظار الروس الذين اعتادوا الحروب مع بدء تساقط أوراق الشجر في فصل الخريف.