الرئيسة \  مشاركات  \  النداء الأخير من حلب

النداء الأخير من حلب

28.09.2016
علي الرشيد




هذا النداء ليس نداء إنسانيا ـ كما قد يظن الكثيرـ من أجل توفير متطلبات الإغاثة العاجلة والاحتياجات الضرورية لمدينة تنزف دما، وتحترق بفعل قصف هجمي لايتوقف لقوى الشر والعدوان، التي اجتمعت من كل حدب وصوب إلى جانب نظام ديكتاتوري مجرم ، بل هو نداء من نوع آخر، نداء ربما يكون الأخير ، لأنه  ينعي حال الأمة، ويرثي عجزها وهوانها ، ولا مبالاتها تجاه قضية مصيرية، لا تهم سكان حلب لوحدهم ، بل تهم شعوب الأمة كلها ، شرفهم وعزتهم ، وأرضهم وعرضهم ، حاضرهم ومستقبلهم ، وأمنهم القومي وسلامة أوطانهم .
من الواضح أن موسكو تتجه لجعل مآل حلب كمصير جروزني وبنفس أسلوب"الأرض المحروقة" للروس ، ثم تترك للحقد الطائفي ليعيث بها فسادا ويتشفى بمن فيها، بعيدا عن دوافعها سواء أكانت بحثا عن أمجاد امبراطورية سابقة، أو استعادة لنفوذ الاتحاد السوفيتي سابقا، أو للضغط على الأمريكان للموافقة على توسيع نفوذها في أوكرانيا، والاتفاق معهم على اقتسام مناطق النفوذ في منطقتنا..
منذ أربع سنوات تُرِكت حلب وحيدة، كما تركت أكثر من منطقة بسوريا فتساقطت او استسلمت تحت ضغط القصف والتدمير والحصار والتجويع ، وهو ما يجعلها الآن في وضع حرج ، مع الفارق بأن سقوط حلب ـ لا قدر الله ـ يعني سقوط آخر قلاع الثورة السورية ، وانتهاء صمودها وحراكها بحكم أهمية المدينة ومركزيتها وثقلها البشري والاقتصادي، وفتح المجال لتقسيم البلاد، أو تقاسم النفوذ والمصالح فيما بين القوى الكبرى، واستباحتها من قبلهم.
تعامل العرب ـ جهلا أو تجاهلا أو ضعفا أو تخاذلا ـ مع مسألة الثورة السورية وما جرى بعدها خلال الأعوام الخمسة كشأن داخلي، ولم يتعاملوا معها ومع ماجرى في العراق قبلها كشأن يهم الأمة جمعاء ، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار المشروع الصفوي الإيراني، وتمدده الناعم والخشن في المنطقة، وحركة أذرعه وخلاياه السرطانية في المنطقة، ودوره الإقليمي المتعاظم في السنوات العشر الأخيرة، ولم يدركوا أن سوريا بهذا المعنى هي خط الدفاع الامامي عنهم وعن الأمة في مواجهة هذه المخططات، ومطامع الدول الكبيرة، وأن تركها لتسقط ، يعني أنهم لن يكونوا بمنأى عن الخطر،  على مذهب " أكلت يوم أكل الثور الابيض " ، لأن مطامع الروس والنظام الإيراني لن تتوقف عند إخضاع الشعب السوري، خصوصا لو استطاعوا إحراز نجاح في هذا المجال لا سمح الله .
نداء حلب  للعرب ، للأمة جمعاء، للمخلصين والغيورين فيها وعليها وعلى حماها وشرفها وحاضرها ومستقبلها بأن ينتبهوا كي يوقفوا تداعي حصون الأمة الواحد تلو الآخر ، وألا يستمروا في غفلتهم وتخاذلهم ، وألا يتركوا أعداءهم ليستفردوا فيهم منطقة تلو أخرى، وبلدا إثر بلد، كما قال الشاعر لقيط بن يعمر الايادي:
ماذا يردّ عليـكم عـز أولكـم .. إن ضاع آخره أو ذل واتضعـا ؟
قوموا قياماً على أمشاط أرجلكم .. ثم افزعوا قد ينال الأمن من فزعا
حلب اليوم التي تتعرض منذ أسبوع على التوالي لأعتى حملة إحراق بالنابالم والصواريخ الارتجاجية والقنابل العنقودية والأسلحة المدمرة الروسية الأخرى تريد أن تقول لكم في ندائها الذي ربما يكون الأخير ، إن ما يقع حاليا لم يكن ليحصل لو إدراك النظامين الروسي والإيراني أن حلب ـ ومثلها مدن سورية قبلها ومعها  وربما بعدها ـ لا بواكي لها ، ولو كانت هناك أمة حية يؤلمها حقها ما يحدث لأهل حلب وسوريا لما تجرأ الروس ومن معهم على هذا الإجرام الذي تجاوز الحدود. وهذا النداء بصيغة أو أخرى يتضمن أن من يتصرف بهذا الشاكلة قد لا يجد من يقف معه في ساعة اليسر ولحظات الكرب والشدة،لأنّ " الجزاء من جنس العمل" .
ترى هل وصل نداء حلب لأمتها التي ترثيها وتبكيها بدلا من أن تبكيها الأمة وتحاول إنقاذ ما بقي منها ومن كرامتها وكرامة أهلها ؟!.