الرئيسة \  واحة اللقاء  \  النازحون السوريون: من ورقة ضغط سياسي إلى مشروع تغيير ديمغرافي في المنطقة الآمنة.

النازحون السوريون: من ورقة ضغط سياسي إلى مشروع تغيير ديمغرافي في المنطقة الآمنة.

09.09.2019
منهل باريش


القدس العربي
الاحد 8/9/2019
يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أصبح يفضل إطلاق تصريحاته المتعلقة باللاجئين السوريين خلال اجتماعات حزبه. فقد بدأ تغير لهجته نحوهم أول مرة خلال اجتماعه بهيئة القرار المركزي في الحزب بتاريخ 11 تموز/ يوليو الذي عقد لتقييم نتائج الانتخابات المحلية التي افضت لخسارة حزب العدالة والتنمية البلديات الكبرى في أبرز المدن التركية كاسطنبول وانقرة وأزمير.
أعلن الرئيس التركي في ذاك الاجتماع صراحة عن خطوات جديدة ستتخذ تجاه السوريين في تركيا عبر ثلاثة إجراءات هي “التشجيع على العودة وترحيل مرتكبي الجرائم وإيقاف خدمات الطبابة المجانية التي تمنح لحاملي بطاقة الحماية المؤقتة” (الكمليك).
بعد مرور أقل من شهرين على تلك التصريحات، ومع الترقب في شمال غرب سوريا ومصير ادلب، وخلال اجتماع اردوغان برؤساء فروع أحزاب “العدالة والتنمية” في الولايات التركية، الذي انعقد في انقرة، الخميس الماضي هدد الرئيس التركي بفتح حدود بلاده أمام اللاجئين السوريين إذا لم تحصل بلاده من المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي خاصة على الدعم اللازم لتقاسم عبئهم. وتساءل: “هل نحن فقط من سيتحمل هذا العبء؟” قائلاً إن تركيا “تهدف إلى توطين ما لايقل عن مليون لاجئ من الأشقاء السوريين في المنطقة الآمنة، التي سيتم تشكيلها على طول 450 كم على الحدود السورية التركية” والواقعة داخل الآراضي السورية، مشيرا إلى أن بدء تطبيق المنطقة الآمنة حسب ما ترغب بلاده هو في الأسبوع الأخير من شهر أيلول/ سبتمبر الجاري.
بدوره أكد وزير الداخلية التركية إسماعيل تشاتقلي أن الإستراتيجية التركية بخصوص أزمة اللاجئين تتركز على استيعاب أي موجة نزوح جديدة ستحصل في شمال غرب سوريا “خارج حدود تركيا” في إشارة إلى هدف بلاده هو توطين النازحين الجدد في المنطقة الآمنة المزمع انشاؤها شرق نهر الفرات في الجوار السوري.
تأتي التصريحات التركية تلك بعد أيام من دخول عشرات السوريين الأراضي التركية عبر المعبر الإنساني قرب بلدة أطمة السورية الحدودية ومحاولة آلاف المتظاهرين دخول تركيا إثر اقتحام معبر باب الهوى الحدودي يوم الجمعة الماضي حيث اعتبرت الرسالة التركية الأقوى بفتح الحدود مترافقة مع وصول أكثر من 500 لاجئ سوري إلى اليونان عبر “قوارب الموت” المطاطية.
الأخطر في ورقة اللاجئين هذه هو إشارة الرئيس التركي إلى تكرار سيناريو حلب نهاية عام 2016 في ادلب الآن. وحديثه عن الرؤية التركية لبناء منطقة آمنة بعمق بين 30-40 كم والتي أتت في سياق الحديث عن ادلب ما يشير إلى أن الأمور ستتجه إلى تصعيد من قبل روسيا والنظام واستمرارهما في الهجوم على محافظة ادلب، وعدم مقدرة تركيا على إيقاف القرار الروسي.
وتسببت العمليات العسكرية بتهجير مئات الآلاف من المدنيين منذ بدء الهجوم الأخير نهاية نيسان / أبريل الماضي من أرياف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي والشرقي. ولم يقتصر وصول النازحين إلى منطقة شمال إدلب، بل اتجهت آلاف الأسر إلى منطقة عفرين وآخرين إلى منطقة “درع الفرات” شمال حلب الواقعة تحت النفوذ التركي.
من جهة أخرى فإن تركيا تدرك هشاشة اتفاق “المنطقة الأمنية” شرق الفرات مع أمريكا وتعلم صعوبة وضع موطئ قدم عسكرية أو أمنية مباشرة، فتعمل على تعزيز نفوذها في الشريط الكردي من خلال العشائر العربية الموالية لها. ومع هيمنة وحدات الحماية الكردية على المشهد هناك ستلجأ إلى الاستثمار السياسي في ورقة النازحين العرب وخصوصا إذا استمرت العمليات العسكرية في ادلب، فقد تتسبب بتدفق ما لايقل عن مليونين نازح إلى منطقة عفرين ودرع الفرات. وبالتأكيد ستستمر حركة النزوح لتطال شرق الفرات وستشكل ملاذا آمنا لمئات الآلاف من النازحين. ومع تراجع الدور الأمني قليلا لصالح قوات محلية ورعاية أمريكية مباشرة وضغوط سياسية تركية، تصبح المنطقة الآمنة أفضل الخيارات بالنسبة لنازحين الذين شردتهم نيران الحرب والهجوم الوحشي الروسي.
بالتأكيد، إن استقرار مئات آلاف السوريين في المدن السورية الكردية هو أقصى أحلام السياسة التركية هناك. وتعاني تلك البلدات أساسا من فراغ لأعداد كبيرة من الأكراد السوريين كانوا قد هربوا سابقاً، بعضهم بسبب نشاطه السياسي المعارض لوحدات الحماية الكردية وأعداد هائلة من الشباب والنشطاء الذين رفضوا الالتحاق بالتجنيد الإجباري الذي فرضته.
ويفرض تدفق النازحين واقعاً ديمغرافياً جديداً في المنطق الآمنة حيث يتركز التواجد الكردي على البلدات الحدودية وتتناقص نسبتهم طرداً مع الابتعاد عن الحدود التركية وتتلاشى عند عتبة طريقM4  الذي يصل حلب بمحافظة الحسكة و يمتد ليفصل العرب السوريين عن إخوانهم الكرد بشكل مدروس للغاية.
عملية نقل السكان هذه في حال فرضتها العمليات العسكرية يستفيد منها النظام السوري كما حصل في عفرين وإنْ كانت نتيجة الهجوم التركي عليها بهدف طرد “وحدات الحماية” الكردية التي تعتبرها أنقرة الذراع العسكري السوري لحزب العمال الكردستاني حيث أفضت العملية إلى تهجير آلاف الأسر الكردية وإحلال مهجرين قسريا من الغوطة وريف حمص عوضا عنهم. وما حصل في عفرين هو بالتأكيد رغبة النظام السوري الذي عادى الأكراد السوريين وهمشهم منذ انقلاب البعث عام 1963. ومع التغيير الديمغرافي في المنطقة الآمنة تتحقق أمنيات النظام بأياد أخرى بدون أن يكون شريكا فيها.
وفي حال استقرار الوضع في إدلب ونجاح تركيا في فرض تسوية ما مع الروس حول طرق الترانزيت وتوقف العمليات العسكرية وانتهاء تغريبة المدنيين في شمال غرب سوريا فإن الكثير من مهجري ريف حماة الشمالي سيجدون المنطقة الآمنة ملاذا يقيهم برد الشتاء بعد أن افترشوا تحت فيء أشجار الزيتون صيفاً. ويضاف لهم عشرات الآلاف من الذين صعبت الحياة عليهم في تركيا بعد التضييق الحاصل والتشديد عليهم في العمل، وفرض شروط أكثر صرامة على تنقلهم ومكان إقامتهم.