الرئيسة \  مشاركات  \  المِحَن: كاشفة لمعادن الناس.. أم صانعة لها؟

المِحَن: كاشفة لمعادن الناس.. أم صانعة لها؟

08.11.2020
عبدالله عيسى السلامة




قال أحد الشعراء :
جَزى الله الشدائدَ كلّ خيرٍ     عَرفتُ بها عدوّي ، مِن صَديقي !
واضح ، هنا ، أنّ الشدّة ، كشفت للشاعر، أعداءه وأصدقاءه ؛ فهي ، بهذا المعنى : كاشفة لمعادن الناس !
وقال أحدهم : الصَديق وقتَ الضيق ! أيّ أنّ الضيق ، يكشف معدن الشخص !
ونُسب ، إلى الإمام عليّ قوله : 
إنّ أخاكَ الحقَّ مَن يَجري مَعكْ   ومَن يَضرّ نفسَه ، ليَنفعكْ !
وهذا الكلام يبيّن  ، أيضاً ، الأخ الحقيقي ، من الأخ الزائف !
أمّا التجريب ، الذي أشار إليه أحد الشعراء ، بقوله : 
لا تَمدحنَّ امرءاً ، حتى تُجرّبَه    ولا تَذمّنّهُ ، من غير تجريب !
أمّا هذا التجريب ، فهو كاشف للمعدن ، قبل المحنة ، فهو دليل ، يَسترشد به الباحث عن صديق ، قبل وقوعه في المحنة ! فإذا بيّنت التجربة معدنَه ، كان للباحث خيار، في اتّخاذه صديقاً ، أو في نَبذِه !
وقد يكون في قول الآخَر، داعم لتجربة هذا ، مع الناس ؛ إذ قال :
كذلك دأبيْ ؛ لا أصاحب صاحباً       مِن الناس ، إلاّ خانني وتَغيّرا ! 
أمّا الآخر، فتجربته مع الناس ، دفعته إلى اليأس : من مصادقتهم ، أو من اتّخاذهم أخلاّء ؛ إذ وجَد الأشخاص الذين استصفاهم ، واختارهم ، ليكونوا أعواناً له في محنته ، ليسوا مؤهّلين لذلك ، فقال : 
ولمّا صار ودّ الناس خَبّاً         جَزيتُ ،على ابتسام، بابتسامِ
وصرتُ أشكّ فيمَن أصطفيه    لِعلمي أنّه بعضُ الأنامِ  
وبناء على ماتقدّم ، كله ، سار المثل الدارج بين الناس ، عن الخلّ الوفيّ ؛ إذ قَرنه أحدهم ، بالغول والعنقاء ، وهما مخلوقان أسطوريان ، لا وجود لهما في دنيا الناس! فصار يُضرب المثل بالثلاثة ، معاً ، فيقال : الغول والعنقاء والخلّ الوفيّ! 
أمّا الأبيات الشعرية المتداولة ، التي تنصح بالمحافظة على الصديق ، ولو زلّ أو أخطأ .. فهذه يَنظر أصحابُها ، إلى ماهو مُمكن في حياة الناس ، والقبول به .. ولا يَنظرون إلى الأمانيّ والأحلام ! 
ومن الأبيات التي تحضّ ، على التشبّث بالممكن ، في العلاقات البشرية ، قول بعضهم :
ولستَ بمستبقٍ أخاً لا تَلمّه    على شَعَثٍ ؛ أيُّ الرجال المهذّبُ !
وقول بعضهم :
 إذا كنتَ في كلّ الأمور معاتباً    صديقَكَ ، لمْ تَلقَ الذي لاتُعاتبُهْ
فعِشْ واحداً ، أو صِلْ أخاكَ ، فإنّه   مُقارفُ ذنبٍ مَرّةً ، ومُجانبُهْ 
إذا أنتَ لمْ تشربْ مِراراً على القَذى   ظمئتَ ، وأيّ الناس تصفو مَشاربُهْ !
ويُستخلص ، من سائر ما تقدّم : أنّ المِحَن كاشفة لمعادن الناس ، لاصانعة لها ، وأنّ مصانع الناس ، تكمن في أماكن أخرى.. هي محاضن: التربية ، والتعليم ، والتوجيه، والإرشاد .. ونحوها !