الرئيسة \  تقارير  \  “الميتافيرس” قادم والعالم غير مستعد له بعد

“الميتافيرس” قادم والعالم غير مستعد له بعد

08.12.2021
زو وينبرغ


زو وينبرغ
الشرق الاوسط   
الثلاثاء 7/12/2021
“الميتافيرس” قادم؛ رغم أنه في وقت مضى كان محض ضرب من ضروب الخيال العلمي؛ خصوصاً الرواية التي أبدعها نيل ستيفنسون بعنوان: “سنو كراش” حول كون افتراضي شامل يمكن أن يوجد جنباً إلى جنب مع الكون المادي. إلا أنَّ التقدم التكنولوجي جعل مثل هذا التحول في المجتمع البشري وشيكاً بدرجة كافية، تدفع بنا دفعاً نحو ضرورة النظر في عواقبه المحتملة.
في “الميتافيرس”؛ بإمكان المستخدم رعاية “أفاتار” رقمي، مثل شخصية في لعبة فيديو. من خلال عيون هذا الأفاتار الخاص به، سيعايش واقعاً رقمياً نشطاً وجذاباً يشبه الواقع المادي. من جهتهم؛ يعتقد بعض المعنيين بدراسات المستقبل أننا قد نحضر قريباً مواعيد الطبيب أو الدروس هناك.
بيد أنه في الوقت الذي يمكن أن يحدث فيه “الميتافيرس” ثورة في العمل واللعب، يبقى من الضروري توخي الحذر إزاء المخاطر التي ستظهر إذا ما امتزج “الميتافيرس” بحياتنا اليومية.
والمؤكد أن البيئات الافتراضية ستفاقم على نحو بالغ حملات التضليل والتجسس والمراقبة. ويمكن أن تتسبب الصراعات حول السيطرة على البنية التحتية المادية لـ”الميتافيرس” في تفاقم النزاعات العالمية. كما أن الطبيعة “ما فوق الوطنية” لـ”الميتافيرس” - حيث تصبح حدود العالم الواقعي أقل أهمية بكثير - ثورة في الطريقة التي ينظر بها الأفراد إلى الدول الوطنية وأسلوب تفاعلهم معها. قد يؤدي الفشل في توقع هذه الاحتمالات إلى تعريض النظام العالمي لخطر الاستعاضة عنه بنظام افتراضي؛ وربما أقل فضيلة.
وفي عصرنا الحالي؛ نعايش لمحات من “الميتافيرس” في كل مكان. على سبيل المثال؛ تجذب الحفلات الموسيقية الافتراضية جماهير بأعداد قياسية، وتبيع دور الأزياء الراقية موضة افتراضية، في الوقت الذي تحولت فيه الألعاب إلى مصدر دخل أساسي لكثيرين حول العالم. ويبدو العديد من الألعاب الشهيرة، مثل “فورتنايت” و”ماينكرافت” و”روبلوكس” شديدة الشبه بـ”الميتافيرس”، حيث يمكن للاعبين التفاعل اجتماعياً والتسوق وحضور فعاليات في إطار عالم افتراضي.
وثمة أدلة تشير بالفعل إلى أن الألعاب متعددة اللاعبين عبر الإنترنت يمكن أن تتيح انتشار المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة. يمكن للاعبين استخدام أدوات الاتصال داخل اللعبة لنشر شائعات أو “أخبار زائفة” تستهدف الآخرين عبر طرق يصعب اقتفاء أثرها.
علاوة على ذلك؛ يمكن أن يتيح “الميتافيرس” أمام الأنظمة التي لديها دوافع شريرة معينة تحركها؛ أو الجماعات المتطرفة، إمكانية أن تخطو خطوة نحو الأمام، في وقت توفر فيه الطبقات الهائلة من النصوص والصوت والمرئيات داخل البيئات الافتراضية سبلاً جديدة ومقنعة لبث محتوى مضلل أو متطرف. وفي ظل البيئات التي يمكن فيها تمثيل الأفراد بواسطة صور رمزية مستعارة، ستزداد صعوبة مسألة معرفة من يمكنك الوثوق به فيما يتعلق بالمعلومات الحساسة؛ الأمر الذي بإمكانه تمهيد الطريق أمام عصر جديد من التجسس.
يذكر هنا أنه جرى بالفعل استخدام التجسس الرقمي من قبل عشرات الدول للوصول إلى الملكية الفكرية التجارية والتكنولوجيا العسكرية الخاصة والمعلومات الشخصية والمالية. وربما يصبح “الميتافيرس” الذي يحوي جميع جوانب الحياة تقريباً - العمل والعلاقات والأصول والهوية - عرضة للانتهاكات أو التلاعب عبر جميع أنحاء العالم.
ومن المحتمل كذلك أن تصبح لدى الدول والشركات على حد سواء القدرة على استغلال “الميتافيرس” في مراقبة بعضها بعضاً على مستوى أكثر تعقيداً.
من ناحيتها؛ استخدمت دول بالفعل تقنية التعرف على الوجه لمراقبة سلوك الأفراد، بينما استخدمتها شركات لفتح وإغلاق أجهزة. ومن الممكن أن يؤدي الاندماج مع “الميتافيرس” إلى جعله، وما يحمله في جعبته من مشكلات تتعلق بالخصوصية، أكثر انتشاراً عبر الأرجاء. وإذا ما جرى استغلال هذه التكنولوجيا، فسيكون من السهل استغلالها لمراقبة أي شخص في العالم.
حتى البنية التحتية المادية لـ”الميتافيرس”، من المحتمل أن تحوي نقاط ضعف جديدة.
يذكر هنا أنه من المنتظر أن تتولى مجموعة من التقنيات؛ بينها أجهزة وشبكات كومبيوتر وأدوات دفع نقدي، دعم وظائف “الميتافيرس”. وبطبيعة الحال؛ سيصبح لدى الدول التي تحتفظ بالسيطرة على هذه التقنيات نفوذ دولي كبير، تماماً مثلما الحال مع الدول التي تسيطر على عناصر مثل طرق النقل وإمدادات النفط في الوقت الحالي.
من ناحيتها؛ يمكن أن تصبح للصين القدرة على التحكم بشكل فاعل في العمود الفقري لـ”الميتافيرس” في العديد من أنحاء العالم، وذلك بفضل مبادرة “طريق الحرير الرقمية”، التي تمول أنظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية. كما أن تايوان؛ التي تهيمن على صناعة أشباه الموصلات التي تدعم احتياجات الحوسبة، من المحتمل أن تزداد أهميتها بوصفها دعامة أساسية في هذا المجال على الصعيد العالمي.
بجانب ذلك؛ سيكون هذا النوع من البنية التحتية المادية، بدوره، عرضة للقرصنة وحدوث أزمات في سلسلة التوريد. وإذا كان الناس يمتلكون ممتلكات ويكسبون لقمة العيش ويحافظون على مجتمعات لهم داخل نطاق “الميتافيرس”، فإن نقص الأجهزة أو انقطاع الخدمة يمكن أن يعرض سبل العيش للخطر أو يقوض الاستقرار الاجتماعي. ورغم هذه التهديدات؛ فإنه تبقى لدى “الميتافيرس” القدرة على إحداث تغيير في الشؤون العالمية نحو الأفضل. على سبيل المثال؛ يمكن تسيير الشؤون الدبلوماسية الدولية داخل السفارات الافتراضية بالسهولة ذاتها التي تجرى بها داخل السفارات الفعلية. وربما تجد الدول الأصغر والأقل قوة نفسها في ساحة لعب أكثر تكافؤاً، وتكتسب قدرة على البقاء بدرجة أفضل داخل ساحة الشؤون العالمية أو ربما لتشكيل تحالفات تبدو اليوم غير محتملة. ويمكن أن يحمل “الميتافيرس” في طياته وعوداً جديدة بالحرية والشفافية العابرة للحدود. بيد أن ذلك لا يمنع من أنه ربما تكون له عواقب كذلك.
وإذا ما أصبح “الميتافيرس” شاملاً ويضم الجميع، مثلما يتوقع البعض، فإنه قد يعزز المجتمعات الافتراضية والشبكات والاقتصادات المتجاوزة للحدود ودوائر الهوية الوطنية. وقد يصبح انتماء الأفراد يوماً ما موجهاً بشكل أساسي نحو منظمات مستقلة لامركزية قائمة على “الميتافيرس” تتبع سياسات شبه خارجية. ويمكن لمثل هذا الانتقال أن يفرض إعادة صياغة لمفاهيم الشؤون الجيوسياسية من نقطة البداية.
وأخيراً؛ فإن “الميتافيرس” ربما يكون قد ولد من رحم الخيال العلمي، لكن يبقى الأمر متروكاً لنا لرسم ملامح مستقبل يرتكز على واقع واضح.
* “مؤسسة صندوق للتكنولوجيا”
تعنى بمناهضة الاستبداد الرقمي
* خدمة “نيويورك تايمز”